مع دنوه: روح مرحة، وهمة عالية، وآمال عريضة، ومتمنيات غالية، تشعر النفس أنها مستعدة للتحليق بعيداً، تشعر أنها حرة طليقة، ويبدأ الاستعداد لملاقاته بكل سعادة ونشاط، إلى أن يحل الضيف الحبيب، وتهدأ النفس، ويفرح القلب، وينادى على كل باغٍ للخير أن أقبل وكل باغ للشر أن أدبر، وتغمر الدنيا فيضاً من البركات، ويكثر الدعاء والصلوات، وذكر الرحمن، وتتعالى أصوات الخاشعين ...
هلَ الضيف الغالي، بسرور كبير، وحب غامر عجيب، نافث في النفس أن تربي على كل جميل سليم، وتعلمي كل خير، وما يقربك من رب كريم، وانفضي عنك وزراً وذنوباً أثقلتك زمناً طويلاً، وهوت بك إلى بئر سحيق، حقيقته عذاب أليم، واقطعي عن إبليس اللعين طريقه للشماتة من أبيك المستغفر المنيب، وأضعفي جذوة الشهوة والوسوسة، وقوَ نفسك بالذكر لخالقها، ولتعانق روحك كلام رب العالمين... يا له من عيش يستنشق فيه عبق العبودية الحقة !!..
ويرحل الضيف المبارك، بعد هذا المقام الفريد المتميز، وتودَعه القلوب بحرارة الوفي للوعود، وتبكيه العيون بدمع ساخن ملؤه التوبة النصوح، وتَحِنُ له الروح، قبل وبعد مغيب هلاله، والكل عازم على أن يبقى كما كان في أفضل الشهور.
ويمر العيد، ببهجته والحبور، ويعاش الحنين، بصيام ستٍ من شوال، ويجاهد على أن يداوم على العمل الصالح، ولكن !.
يتربص الشر وأهله، ويترصد لهدم أسوار مدرسة القرآن الربانية في النفس، ويعمل بتفانٍ على إضعافها، ويجتهد في تزيين المعصية، وإيقاظ الفتن والشبهات.
فيا ترى هل نبقى على العهد؟، أم يأتي رمضان القادم إن أطال الله تعالى في العمر، ونحكيه بلهجة الصاغر الذليل.
ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين