من أبطال وشهداء بدر: عُمَيْرُ بن الْحُمَام
بدأت معركة بدر الكبرى في اليوم السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة النبوية المشرفة، والتي واجه الحق فيها الباطل وجهاً لوجه في ميدان القتال، والتقى الجمعان، فئة قليلة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، وفئة كثيرة كافرة تقاتل في سبيل الشيطان، وانعقد الغبار فوق رؤوس المقاتلين، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ينظم صفوف المسلمين، ويحرضهم على القتال، ويعدهم بالخلود في جنات النعيم، كما روى ابن هشام في السيرة النبوية في حديثه عن غزوة بدر، قال: ".. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحرضهم، وقال: (والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل، فيُقتل صابراً محتسباً، مقبلاً غير مُدْبر، إلا أدخله الله الجنة)".
إن مِن حكمة الله تعالى وفضله إكرامُ بعض عباده بنيل الشهادة في سبيله، التي ينال حاصلها أعلى المراتب والدرجات، ومن ذلك ما حدث لبعض الصحابة رضوان الله عليهم يوم بدر، وكان منهم عُمَيْر بن الحُمَام الأنصاري رضي الله عنه، الذي كان من أوائل الذين آمنوا بالإسلام قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة، قال الشوكاني: "وأخرج ابن منده في المعرفة عن ابن عباس قال: قُتل عمير بن الحمام ببدر، وفيه وفي غيره نزلت: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} (البقرة:154)".
ويروي أنس بن مالك رضي الله عنه قصة استشهاد عمير بن الحمام رضي الله عنه في غزوة بدر فيقول: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بُسَيْسَة (بسبس بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري) عيناً (متجسساً) ينظر ما صنعت عير أبي سفيان، فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا أدري ما استثنى بعض نسائه (بعض نسائه كانت عنده)، قال: فحدثه الحديث، قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكلم فقال: (إن لنا طُلْبةً (شيئا نطلبه) فمن كان ظهره حاضراً (معه دابة) فليركب معنا)، فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم في علو المدينة؟ فقال: (لا، إلا من كان ظهره حاضرًا)، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه (أمامه)، فدنا المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض)، قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله! جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: (نعم) قال: بخٍ بخٍ (كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يحملك على قولك: بخٍ بخٍ؟)، قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال: (فإنك من أهلها)، فأخرج تمرات من قرنه (جعبة السهام) فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قُتِل) رواه مسلم.
قال ابن كثير: "وقد ذكر ابن جرير أن عميراً قاتل وهو يقول رضي الله عنه:
ركضا إلى الله بغير زاد إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد وَكلُّ زادٍ عرضة النفاد
غير التُقَى والبر والرشاد "
حين سمع عمير بن الحُمَام رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل، فيقتل صابرًا محتسبًا، مقبلًا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة) تقدم بشجاعة وظل يقاتل محتسباً لوجه الله تعالى, مقبلاً غير مُدْبِر، حتى لقي ربه, مسارعاً إلى موعود الله تعالى بالجنة، فلا تباطؤ عنده ولا توان، ولا نظر إلى الدنيا وزينتها، ولا تفكير في الأهل والعشيرة، ليس في قلبه إلا الله تعالى والدار الآخرة، فكان رضي الله عنه أول شهيد من الأنصار في غزوة بدر، قال عاصم بن عمر بن قتادة: "أول قتيل قُتِل من الأنصار في الإسلام عُمير بن الحُمَام".
وقد أثَّر عمير رضي الله عنه في المسلمين ـ بقوله وفعله ـ، وذلك بتحريضه لهم على البذل والتضحية بالنفس، والإقدام على الشهادة في سبيل الله عز وجل.
لقد ضرب الصحابة رضوان الله عليهم في غزوة بدر أروع الأمثلة في البطولة والاستشهاد، وأثبتوا فيها وفي غيرها من مواقف وغزوات صدق إيمانهم، وحسن إسلامهم، وعظيم بذلهم وتضحياتهم، ويقينهم بما أعد الله لهم في الجنة، بحيث كان أحدهم يستطيل حياته الباقية، وإنْ لم يبق منها إلا لحظات يسيرة؛ تضحية بالنفس لنشر الدين القويم، وشوقاً لما عند الله من النعيم المقيم، كما وقع مع عمير بن الحمام رضي الله عنه.