بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لايحب ولايعطي الإيمان إلا من أحب فمن ضن بالمال أن ينفقه وخاف العدو أن يجاهده وهاب الليل أن يكابده فليكثر من قول سبحان الله [ والحمد لله ] ولاإله إلا الله والله أكبر " . الصحيحة-مختصرة الحديث رقم : 2714 قوله:" قسم بينكم أرزاقكم" القسمة: أعطى لكل واحد منكم جزاءا أو نصيبا من هذه الأخلاق لأن بابها واسع و هي تشمل كل ما يتجمل به العبد من الهيئات و السلوك و المعاملات التي يستحسنها غالب الناس و يحبون أصحابها، و لهذا من أعظم الأسباب الموصلة للتودد للخلق حسن معاشرتهم، لأن يعاملوهم بالأخلاق الحميدة فهي تكسب القلوب و قبل هذا فإن صاحبها عند الله تعالى و نبيه مصداقا لقوله-صلى الله عليه و سلم-:" إن من أحبكم إلي و أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا"1 ، فيرفع الله تعالى قدره و يجزل له المثوبة.
هذه الأخلاق حالها كحال الأرزاق، قال الله تعالى: {َهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف : 32]،
فجعل منهم الفقير و الغني، و ليست العبرة في ضيق المعيشة إنما العبرة بمنزلتهم و درجاتهم.
أفضل الناس أخلاقا و أكملهم هو رسول الله -صلى الله عليه و سلم-، كما قال ابن عباس-رضي الله عنه-:" كان أجود الناس"، و كما وصفته أمنا عائشة-رضي الله عنها- قالت:" كان خلقه القرآن"، بما جاء به هذا الكتاب من فضائل الأعمال و الأخلاق.
في الحدي بيان لمسألة يغفل عنها الكثير من الناس فيعتقدون أن الرازقية على الله إلا أنهم في باب الرزق ينبغي على كل واحد أن يسعى في بذل الأسباب لطلب الرزق، في باب الرزق الطيب يسعى فيه و يدعو ربه أن يرزقه الحلال الطيب حتى يستغني عن سؤال الناس، كذلك في باب الأخلاق فنحن نعلم أنها على نوعين عجِبِلِّيَّة: بعض المكارم و السجايا الطيبة التي يفطر الناس عليها، و أخلاق مكتسبة: جلها مكتسب يسعى لأن يتحلى بمحاسنها و يتخلى عن مساوئها، و مصداق هذا قوله-صلى الله عليه و سلم-:" إنما العلم بالتَّعلم و إنما الحلم بالتَّحلم".
يزاحم طلبة العلم في مجالسهم و في بطون الكتب و لا يأتي العلم هكذا ينام و يستيقظ من صباحه يأتي عالما،بل عليه أن يجتهد في طريقه، كذلك بالنسبة للخلق" إنما الحلم بالتَّحلم"، التَّحلم فيه الصبر على الأذى و العفو عن أذية الغير حتى يقهر نفسه إرضاءا لربه –جل و علا- لأنه علم أجر الصابرين و لأجل التحلي بالأخلاق الكريمة التي يحبها الله، قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم- للأشج بن قيس:"إن فيك خصلتين يحبها الله و رسوله، الحلم و الأناة". فالنبي-صلى الله عليه و سلم - كان إذا غضب يغضب لله و لا ينتقم لحظوظ نفسه.
- لتحصيل الرزق لابد من السعي في أسبابه، و هذه الأسباب بينها النبي-صلى الله عليه و سلم- قولا و فعلا في الأحاديث الكثيرة التي فيها الترغيب و الترهيب في هذه الأخلاق، و يضاف إلى ذلك(أي بعد تحصيل الأسباب) أن يدعُوَ المرء ربه " اللهم ارزقنا رزقا طيبا حلالا"
- كذلك في باب الأخلاق، و النبي-صلى الله عليه و سلم و من هو و كان يدعو :" اللهم كما حسَّنت خَلقي حسِّن خُلُقي"
- من الناس من كمَّله الله تعالى في خلقته مثل النبي-صلى الله عليه و سلم- وهو من الاعتراف بالنعمة، وهو من الأعظم أن تحسن أخلاقنا لأن بها تنال المنازل الرفيعة و المرتبة الكريمة. · قوله:"و إن الله تعالى يعطي المال من أحب و من لا يحب"أي صالحهم و طالحهم، خيرهم و فاسدهم،فالحصول على المال في الدنيا ليس دليل محبة و عنوان امتياز في الشرع كما تقرر في نصوص الكتاب و السنة.
الكفار عندهم من المال ربما أكثر مما عند المؤمنين، فالنبي-صلى الله عليه و سلم
خرج من الدنيا و لم يشبع من الأسودين.
هؤلاء أخذوا من الدنيا حظا وافرا فما تنفعهم، قال رسول الله-صلى الله عليه و سلم :"يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ "
يعطي المال لمن أحب من المؤمنين كما كان سليمان -عليه السلام- كان ملكا، و يعطي المال لمن لا يحب مثل فرعون و قارون، فمن كان كافرا ظالما لا يزداد بهذا المال إلا طغيانا و ظلما، قال الله تعالى: {ُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً} [الإسراء : 20] ·قوله:" و لا يعطي الإيمان إلا من يحب" هنا مقابلة مع المال الذي يعظمه الناس في الدنيا فهو حقير يعطيه لمن لا يحب، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء"
- الإيمان بالمعنى الشرعي الذي جاء به الأنبياء و الرسل، الذي يدفع صاحبه لصالح الأعمال بأركانه كلها و إسقاط لواحد من الأركان هو إسقاط لكلها الذي من مستلزماته العمل الصالح، قال الله تعالى: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} [الكهف : 46]، من دعاء الصالحين أنهم يسألون ربهم الثبات على هذا الإيمان فحبب إليهم الإيمان، يصبح المرء يكره المعصية لأن ذاق طعم الإيمان و من ذاق طعمه فقد استكمل الإيمان، فمنهم من تجده يتقرب لله و هو مطمئن و يجد سعادة فيها كما كان رسول الله-صلى الله عليه و سلم- يقول لبلال-رضي الله عنه-:" أرحنا بها يا بلال" قال رسول الله- صلى الله عليه و سلم-:" حبب إلي من دنياكم الطيب و النساء و جعلت قرة عيني في الصلاة" · قوله:" فمن ضن بالمال" أي بخل به أي لشدة حرصه عليه و هذا حال من حُبب إليه المال و كان حريصا عليه و لا يحب أن يفارقه عكس الصنف الأول فهو ينفقه في وجوه الخير كلها كما كان حال رسول الله-صلى الله عليه و سلم- · قوله:" وخاف العدو أن يجاهد، وهاب الليل أن يكابده" أي ابتلي بالجبن، جبان من أن يقف في مواجهة العدو، و أيضا ترك المكابدة في قيام الليل و إن كان من الفضائل و المستحبات إلا أنه من أعظمها، قال رسول الله-صلى الله عليه و سلم-:" أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل" وهي دأب الصالحين.
- فمن ابتلي بهذا جُعل لنا ما نعوض به هذا كله · قوله:" فليكثر من قول: لا إله إلا الله، و سبحان الله،و الحمد لله، و الله أكبر"
- سبحان الله: التسبيح: تنزيه الله تعالى عن كل عيب، لهذا نبه أن يبدأ بالتسبيح، ننزه الله تعالى عن النقائص كلها ثم نحمده
- الحمد لله: الشكر الخالص لله وحده لا شريك له من دون سائر الناس، الحمد و الشكر متقاربان إلا أن الحمد أعم لأن العبد يحمد ربه على كل حال على ما أعطاه من النعم و ما لم يعطه، و الشكر على ما أسدى له من الخير، و كذلك شكر العباد يشكرهم على ما فعلوه له من الخير
معنى الشكر متضمن في الحمد
لا إله إلا الله: كلمة التوحيد: فيها نفي و إثبات هي الأولى، نفي لكل شريك و إثبات العبادة لله وحده، و كلمة التوحيد جاءت لهذا الأصل أي النفي و الإثبات
- الله أكبر: كبير أكبر من كل شيء، على وزن أفعل بمعنى فعيل: كبير أكبر من كل كبير. |