وما زلنا نغترف اليسير من الحكمة من منابع البلاغة والأمثال ومنها:
ما قاله سالم بن وابصة: عليك بالقصيد فيما أنت فاعله/ إنَّ التخلق يأتي دونه الخلُقُ.
وقال المتنبي: واسرعُ مفعولٍ فعلتَ تغيراً/ تكلف شيءٍ في طباعك ضدهُ.
لا تنه عن خلق وتأتي بمثله
قال الشاعر: إذا عبت أمراً فلا تأتهِ/ فذو اللبِّ مجتنب ما يعيبُ
يُقال: تجشأ لقمان من غير شبع ( ويُضرب لمن يدّعي ما ليس فيه).
قال الشاعر: كل امرئٍ صائرٌ يوماً لشيمتهِ/ وإن تخلق أخلاقاً إلى حينِ
ليس التكحل في العينين كالكحل
قال الشاعر: دع التكلف لا يجديك منفعة/ ليس التكحل في العينين كالكحل/ أرى الرعاء رعاء الشاء في ترفٍ/ في أرفع العيشِ بين الخيل والخوَلِ.
وقيل: لا تنبت القناةَ الا القناةُ والمعنى أنه لا ينبت الشيء إلا جنسه.
قال المتنبي: افعالُ من تلدُ الكرام كريمة/ وافعالُ من تلدُ الاعاجم اعجمُ
وقيل لا تلد الذئبة إلا ذئباً
وهل ينبت الخطيَّ الا وشيجُهُ/ وتغرسُ إلا في منابتها النخلُ
ويقال: يا رب عجل جمع هذا بذا/ وقرب الشكل إلى شكله
وقيل: لا يرحلن رحلك من ليس معك
قال مسكين الدارمي: وإذا الفاحشُ لاقىَ فاحشاً/ فهُناكمُ وافقَ الشن الطبقْ/ انما الفحشُ ومن يعتاده/ كغراب البين ما شاء نعقْ/ أو حمار السوء إن اشبعته/ رمح الناس وإن جاعَ نهقْ/ أو غلام السوء إن جوعته/ سرق الجار وإن يشبع فسقْ.
قيل كل امرئ يحتطب في حبله، و.. الجزاء من جنس العمل، و.. الثواب على قدر المشقة، و.. كل إناء بما فيه ينضح، و.. العقاب على قدر الخطأ، و.. كما تعامِل تُعامَل، و.. بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين.
قال الشاعر: وكنت أعلمُ علماً لاكفاءِ له/ أنَّ ليس كلُّ قضاء ينبت العشبا
تزوجت اثنتين
اعرابي يقول: تزوجت اثنتين لفرط جهلي/ بما يشقى به زوج اثنتينِ/ فقلت: اصيرُ بينهما خروفاً/ ينعم بين اكرم نعجتينِ/ فصرت كنعجة تضحي وتمسي/ تداولُ بين اخبث ذئبتين/ رضى هذي يهيج سخط هذي/ فما اعرى من احدى السخطتين/ والفى في المعيشةِ كلِّ ضرٍّ/ كذاك الضرُّ بين الضرتينِ/ لهذي ليلة ولتلك أخرى/ عتابٌ دائمٌ في الليلتينِ.
أم الجبان لا تفرح ولا تحزن
يقال: فحب الجبان النفس، ويقال: أجبن من ثعلب، و.. اروغ من ثعلب، و.. اذل من ثعلب، ولكنه لفرط الخبث والحيلة يجري مع كبار السباع، و.. عصا الجبان طويلة.
قال الشاعر: كم جبانٍ خاف الردى فأتاه/ وتخطى ستاره واستباحا.
وقيل: جُبنٌ أقل وحط من قدريهما/ والمرءُ إن يجبن يعش مرذولا.
قيل: إن الجبان حتفه من فوقه.
قال الشاعر: لقد حَسَوتُ الموت قبل ذوقهِ/ إن الجبان حتفه من فوقهِ
أجبن من كروان
يقال: أجبن من كروان (كروان هو نوع من الطير).
قال الشاعر: من آل أبي موسى ترى القوم حوله/ كأنهم الكروانُ أبصرن بازيا.
ويقال: أجبن من صفرد (والصفرد هو أيضا نوع من الطير).
قال الشاعر: تراه كالليث لدى أمنهِ/ وفي الوغى أجبنُ من صفرد.
يقال: أجبن من صافر (نوع من الطير)، و.. أجبن من نعامة، و.. عند الطعان يبان الفارس من الجبان، و.. ليس يلام هارب من حتفه (يُضرب في عذر الجبان)، و.. كن جباناً وعش لأمك زماناً.
كثرة العتاب تنفّر الأحباب
قال الشاعر: وأطرقت اجلالاً له ومهابة/ وحاولت إخفاء الذي بي فلا يخفىَ/ وقد كان لي للعتاب دفاتر/ فلما التقينا ما نطقت ولا حرفا.
قال بشار بن برد: إذا كنت في كل الأمور معاتباً/ صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبه.
وقال كثير عزة: ومن لم يغمض عينه عن صديقه/وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتبُ/ ومن يتتبع جاهداً كل عثرة/ يجدها ولا يسلم له الدهر صاحبُ.
ويقال: ظاهر العتاب خير من باطن الحقد.
قال الشاعر: ليس عتاب الناس للمرء نافعاً/ إذا لم يكن للمرءِ لبٌّ يعاتبه.
إن اللوم إغراء
قال أبو نواس: لا تلمني فإن اللوم إغراء/ ودواني بالتي كانت هي الداء.
قيل: شر إخوانك من لا يعاتِب، و.. معاتبة الأخ خير من فقده، و.. كثرة العتاب تورث البغضاء.
لا يكن حبك كلفاً ولا بغضك تلفاً.
قال الشاعر: واحبب إذا أحببت حباً مقارباً/ فإنك لا تدري متى أنت نازعُ/ وأبغض إذا أبغضت غير مباعدٍ/ فإنك لا تدري متى أن راجعُ.
قيل: أحببت حبيبك هوناً عسى أن يكون بغيضك يوماً، وأبغض بغيضك هوناً عسى أن يكون حبيبك يوماً.
وقيل: لا تهذر في منطقك، ولا تخبر بذات نفسك، ولا تغتر بعدوك، ولا تفرط في حب صديقك، ولا تفرغ إلى من لا يرحمك، ولاتألف من لا يرشدك، ولا تبغض من ينصحك، فإن شر الاخلاق ملالة الصاحب وتقريب المتباعد.
قال النمر بن تولب: أحب حبيبك حباً رويداً/ فليس يعولك إن تصرما/ وابغض بغيضك بغضاً رويداً/ إذا أنت حاولت أن تحكما.
هنيئا لسُحَامٍ ما أكل
ويضرب هذا المثل (هنيئاً لسحام ما اكل) في الشماتة بهلاك العدو، وسحام اسم كلب.
قال الشاعر: فتقصدتُ منها كَساب فضرِّجت/ بدمٍ وغودِرَ في المكر سُحامها.
قيل: لا تشمت بأخيك يعافيه الله ويبتليك، و.. العيب بلاء ومن عيَّب ابتلى، و.. من عاير ابتلى ولو بعد حين.
قيل: شماتة الأعداء بلاء.
قال الشاعر: ولا تُرِ للأعادي قط ذلاً/ فإن شماتة الأعداء بلاءُ.
وقال الشاعر عبدالله بن عتبة المهلبي: كل المصائب قد تمر على الفتى/ فتهون غير شماتة الحسادِ.
هنيئاً لك النافجة
كانت العرب في الجاهلية تقول إذا ولد لأحدهم بنت: (هنيئاً لك النافجة) أي المعظِمة للمال، لأنك تأخذ مهرها فتضمه إلى مالك فينتفخ ويزيد.
كل شكر وإن قل، كفاءٌ لكل معروف، وإن جلَّ.
قال الشاعر: الشكر أفضل ما حاولت ملتمساً/ به الزيادة عند الله والناس.
وقال آخر: لك الحمد يا رب والشكر ثم/ لك الحمدُ ما باح بالشكرِ فمْ.
قال ورقة بن نوفل: ارفع ضعيفك لا يَحُر بك ضعفهُ/ يوماً فتدركه العواقبُ قد نمىَ/ يجزيك أو يثني عليك وإن مَنْ/ أثنى عليك بما فعلت فقد جزىَ.
وقيل: (ما ضاع معروف يكافئه شكرُ).
بطول التجارب تكشف المآرب
قال حفني ناصف المتوفى سنة 1919م: اتقضي معي إن حان حين تجاربي/ وما نلتها إلا بطول عنائي/ وابذل جهدي في اكتساب معارفٍ/ ويفنى الذي حصلته بفنائي/ ويحزنني ألا أرى لي حيلةٌ/ لإعطائها من يستحق عطائي.
قال أبو فراس الحمداني: لا أشتري بعد التجارب صاحباً/ إلا وددت بأنني لم اشرهِ/ وتركت حلو العيش لم أحفل به/ لما رأيت أعزه في مرهِ/ والمرء ليس بغانمٍ في أرضه/ كالصقر ليس بصائدٍ في وكره.
لسان التجربة أصدق
قيل: كفىَ قوماً بصاحبهم خبيراً، و.. الخيل أعلم بفرسانها، و.. في كل خبرة عبرة، و.. أول المعرفة الاختبار، و.. لا تمدح قبل أن تختبر، و.. لولا التجربة ما عرفت النجاح، و.. لسان التجربة أصدق، و.. في التجارب بعد الغي ما يزعُ، و.. التجارب ليست لها نهاية والمرء منها في زيادة، و.. طول التجارب زيادة في العقل.
قال الشاعر: أوردها سعد وسعد مشتمل/ يا سعد لا تروي على ذاك الإبل. (ومشتمل بمعنى بكامل ثيابه).
ابطش من دوسر
قالوا: إن دوسر احدى كتائب النعمان بن المنذر وكانت له خمس كتائب، وهي: الرهائن، والصنائع، والوضائع، والاشاهب، ودوسر. أما (الرهائن) فإنهم كانوا خمسمئة رجل رهائن لقبائل العرب، يقيمون على باب الملك سنة ثم يجيء بدلهم خمسمئة أخرى وينصرف أولئك إلى أحيائهم فكان الملك يغزو بهم. أما (الصنائع) فبنو قيس وبنو تيم، وكانوا خواص الملك لا يرجون بابه. أما (الوضائع) فإنهم كانوا ألف رجل من الفرس يضعهم النعمان بالحيرة للنجدة، وكانوا يقيمون سنة ثم يأتي بدلهم ألف رجل. أما (الاشاهب) فهم من أهل وأقرباء النعمان ومن يتبعهم من أعوانهم، وسموا الأشاهب لأنهم كانوا بيض الوجوه. وأما (دوسر) فإنها كانت أخشن كتائبه وأشدها بطشاً، وكانوا من كل قبائل العرب وأكثرهم من ربيعة، وسميت دوسر اشتقاقاً من (الدسر) وهو الطعن بالثقل.
قال الشاعر: ضربت دوسر فيهم ضربةً/ اثبتتْ اوتاد مُلكٍ فاستقر.
وقائل هذا البِيت هو الشاعر المثقب العبدي يمدح عمرو بن هند.
وعلى أهلها تجني براقش
قال أبو الفضل الميداني في مجمع الامثال: إن براقش كانت كلبة لقوم من العرب، فأغير عليهم وهربوا ومعهم براقش فاتبع القوم اثارهم بنباح براقش فهجموا عليهم قال حمزة بن بيض الحنفي: لم تكن عن جناية لحقتني/ لا يساري ولا يمني رمتني/ بل جناها اخٌ عليَّ كريم/ وعلى أهلها براقش تجني.
ويضرب هذا المثل (وعلى اهلها تجني براقش) لمن يعمل عملاً يعود بالضرر عليه.
قال الاخطل: ضفادع في ظلماء ليلٍ تجاوبت/ فدل عليها صوتُها حيةَ البحرِ.
خرقاء وجدت صوفاً
خرقاء وجدت صوفاً.. مثلٌ يُضرب في الذي يفسد ماله، وخرقاء هي امرأة من قريش يقال انها أم ريطة بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة.
قال عز وجل في كتابه في سورة النحل: (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكَاثاً).
ويقال أيضاً: (خرقاء وجدت ثلة) وهو نوع من الصوف. و.. خرقاء ذات نيقة (والنيقة فعله في التنوق، يقال تنوَّق في الأمر، أي تأنق فيه، والبعض يقول تنوَّق هو إنما تأنق).
ويقال: خرقاء عيابة (أي انه احمق ومع ذلك يعيب غيره) قال عمر بن الخطاب: لخرقة احدهم اشدُ عليَّ من عيلته.
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها
أي لا تخدعنك المظاهر وكن على حذر، فليس كل شيء على ما يبدو، فالظاهر يختلف عن الباطن.
قال الشاعر: إن الافاعي وان لانت ملامسها/ عند التقلب في انيابها العطبُ
وقال آخر: إن الافاعي وان لانت ملامسها/ تبدي انعطافاً وتخفي السم قتالا
وقيل: ابا مغفل لا توطئنكم بغاصتي/ رؤوس الافاعي في مراصدها العزم.
فلا تلمس الأفعى يديك تريدها/ إذا ما سعت يوماً إليها سقاتها
ضرب اخماساً لأسداسٍ
يقال إن الخمس والسدس من اظمأ الأبل، والاصل فيه أن الرجل إذا أراد السفر عوّد أن تشرب خمساً ثم سدساً حتى إذا اخذت في السير صبرت عن الماء. والمعنى اظهر اخماساً لأجل اسداس، أي رقتي إبله من الخمس إلى السدس. ويضرب هذا المثل لمن يظهر شيئاً ويريد غيره. قال الشاعر: الله يعلم لولا أنني فَرِقٌ/ من الأمير لعاتبت ابن نبراسِ/ في موعدٍ قاله لي ثم أخلفني/ غداً غداً ضرب أخماس لأسداسِ.
وقال خزيم بن فاتك الاسدي: لو كان للقوم رأي يرشدون به/ أهلَ العراق رموكم بأبن عباسِ/ لله در أبيه أيما رجلٍ/ ما مثله لفصالِ القول في الناسِ/ لكن رموكم بشيخٍ من ذوي يمنٍ/ لم يدر ما ضربُ أخماسٍ لأسداسِ. (والمعنى أنه لا يعرف المكر ولم يك له دهاء، ومن لم يعرف الشيء كان جديراً بالوقوع فيه).
ويقال الذي لا يعرف المكر والحيلة انه لا يعرف ضرب اخماس لأسداس، قال الشاعر: إذا أراد امرؤٌ مكراً جنىَ عللاً/ وظل يضربُ اخماساً لأسداسِ. هذا والتكملة غداً إن شاء الله.
سوق المعاني
كثرة العتاب تنفّر الأحباب قال الشاعر: وأطرقت اجلالاً له ومهابة/ وحاولت إخفاء الذي بي فلا يخفىَ/ وقد كان لي للعتاب دفاتر/ فلما التقينا ما نطقت ولا حرفا. قال بشار بن برد: إذا كنت في كل الأمور معاتباً/ صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبه. وقال كثير عزة: ومن لم يغمض عينه عن صديقه/وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتبُ/ ومن يتتبع جاهداً كل عثرة/ يجدها ولا يسلم له الدهر صاحبُ. ويقال: ظاهر العتاب خير من باطن الحقد. قال الشاعر: ليس عتاب الناس للمرء نافعاً/ إذا لم يكن للمرءِ لبٌّ يعاتبه.