من أعالي الجبال .. في يومٍ هادئ .. في ساعاتِ اللَّيلِ المُتأخّرة ..
أخذتُ أتأمَّلُ " مدينة " .. تحوي أطيافَ البشر ..
عشتُ معهُم أكثرَ عُمُري ..
أحادثُ نجمةً في السَّماءِ تتلألأ ..
أسألُها: " ماذا لو رحلتُ عن هذِهِ المدينة ؟
! ماذا لو ودَّعتُهُم ؟!
ماذا لو تركتُهُم ؟!
أعرفُ أنَّ الكثيرَ منهُم مُنافق كاذب ظالم .. لا يهمُّ هذا ..
ما يهمُني هُوَ نظرتهم لي ، كيفَ هيَ ؟!
أتعلمينَ أيَّتُها النَّجمة .. في أحدِ الأيَّام كُنتُ أسيرُ في أمانِ الله ..
رأيتُ أحدُهُم .. كُنَّا قد درسنا سويَّةً في أيَّامِ صغرِنا ..
ماذا تعتقدين أنّني فعلت حينما رأيتُه ؟! ..
لقد حاولتُ الهربَ من مُقابلتِه ..
لا تقولي شيئاً لا تقولي شيئاً .. أعرفُ أنَّكِ ستسألين لماذا فعلتُ ذلك ؟! ..
ساُجيبُكِ: ليْسَ خوفاً .. ليْسَ بُخلاً .. ليْسَ كُرهاً ..
فقط لأنّي لأنّي لأنّي .. لا أعلم ما دفعني لفعلِ ذلك ..
هُوَ " تنكُّرٌ لتلكَ الأيَّام " .. أتوقَّعُ أنَّ هذا ما دفعني لذلك ..
لا أعلم هل رآني .. وعرَفَ أنّني " أصدُّ " عنه أم لا ؟! ..
أنا أتساءل أيَّتُها النّجمة: هل إن رآني سيضيقُ بهِ ذلكَ ويتَّخذُ من ذلكَ موقفاً ضدّي ؟! ..
أيُّتُها النَّجمة .. أعلمُ أنَّكِ مللْتي من حديثي .. لكن عليْكِ أن تسمعيني .
. فأنا أثقُ فيكِ بكونِكِ تستمعينَ لي .. لا شيْءَ يُلهيكِ عنّي ..
اسمعي .. اسمعي .. لقد حكى ليَ أحدَهُم أنَّهُ لا يُحبُّ أباه .. أتعلمينَ لماذا ؟! ..
لأنَّهُ لا يراه إلاّ نادراً .. وإن رآه فهُوَ لا يُعطي لهُ أهميّة ..
يُعطيهِ مصروفُهُ اليومي وينصرِف ..
لا يحكي معه .. لا يسمع له ..
في أحدِ الأيَّام كانَ سيُكرَّم من قبلِ مدرستِه لأنَّهُ مُتفوِّق وأسهمَ في نشاطاتِ المدرسة ..
وقد سُلِّمَ دعوةً لوالدِه ..
لكنَّهُ لم يحضر .. قد كانَ ذلكَ مؤلماً ومُحبطاً له ..
هُو يرى الآباء يحضنونَ أبناءهُم ويهنِّئونَهُم .. وهُوَ ينتظرُ السَّائق ليُقلَّهُ إلى منزلِه ..
أتوقُ لأعرفَ مقدارَ الألمِ الذي أحسَّ وشَعَرَ به ..
يا نجمة ..
هل إن رحلتُ الآن عن تلكَ المدينة .. سأُذكرُ بخيرٍ أم شرّ ؟! ..
لا أعرفُ الإجابة ..
أريدُ أن أسألَ: هل أنا حيٌّ أم فارقتُ الحياة ؟!