3- باب الصبر :
وعن أنسٍ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله "صلى الله عليه وسلم" : (( إِذَا أَرَادَ الله بعبدِهِ الخَيرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ في الدُّنْيا ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبدِهِ الشَّرَّ أمْسَكَ عَنْهُ بذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يومَ القِيَامَةِ
)) .
وَقالَ النَّبيُّ "صلى الله عليه وسلم" : ((إنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ ، وَإنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلاَهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ
)) رواه الترمذي ، وَقالَ: (( حديث حسن )).
صورة
الشرح
-الصبر لغة : الحبس , وشرعا : حبس النفس على ثلاثة أمور : الأول طاعة الله. والثاني: عن محارم الله . والثالث : على أقدار الله المؤلمة
الأمور كلها بيد الله عز وجل وبإرادته ، لأن الله تعالى يقول عن نفسه)( َفعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)
(البروج: 16 ) ، ويقول( إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء)(الحج: من الآية 18 ) ، فكل الأمور بيد الله .
والإنسان لا يخلو من خطأ ومعصية وتقصير في الواجب ؛ فإذا أراد الله بعبده الخير عجل له
العقوبة في الدنيا : إما بماله ، أو بأهله ، أو بنفسه ، أو بأحد ممن يتصل به ؛ لأن العقوبات تكفر
السيئات ، فإذا تعجلت العقوبة وكفر الله بها عن العبد ، فإنه يوافي الله وليس عليه ذنب ، قد
طهرته المصائب والبلايا ، حتى إنه ليشدد على الإنسان موته لبقاء سيئة أو سيئتين عليه ، حتى
يخرج من الدنيا نقيا من الذنوب ، وهذه نعمة ؛ لأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة .
لكن إذا أراد الله بعبده الشر أمهل له واستدرجه وأدرَّ عليه النعم ودفع عنه النّقم حتى يبطر
والعياذ بالله ويفرح فرحا مذموما بما أنعم الله به عليه ، وحينئذ يلاقي ربه وهو مغمور
بسيئاته فيعاقب بها في الآخرة ، نسأل الله العافية . فإذا رأيت شخصا يبارز الله بالعصيان وقد وقاه
الله البلاء وأدر عليه النعم ، فاعلم أن الله إنما أراد به شرا ؛ لأن الله أخر عنه العقوبة حتى يوافى بها يوم
القيامة .
صورة
ثم ذكر في هذا الحديث : (( إن عظم الجزاء من عظم البلاء )) يعنى أنه كلما عظم البلاء عظم
الجزاء . فالبلاء السهل له أجر يسير ، والبلاء الشديد له أجر كبير ، لأن الله عز وجل ذو فضل
على الناس ، إذا ابتلاهم بالشدائد أعطاهم عليها الأجر الكبير ، وإذا هانت المصائب هان الأجر .
(( وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضى ومن سخطا فله السخط )) .
وهذه أيضا بشرى للمؤمن ، إذا ابتلى بالمصيبة فلا يظن أن الله سبحانه يبغضه ، بل
قد يكون هذا من علامة محبة الله للعبد ، يبتليه سبحانه بالمصائب ، فإذا رضي الإنسان وصبر
واحتسب فله الرضى ، وإن سخط فله السخط .
وفي هذا حث على أن الإنسان يصبر على المصائب حتى يكتب له الرضى من الله عز
وجل . والله الموفق .