5- باب المراقبة :
عن أنسٍ رضي الله عنه ، قَالَ : إِنَّكُمْ لَتعمَلُونَ أعْمَالاً هي أدَقُّ في أعيُنِكُمْ مِنَ الشَّعْرِ ، كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ رَسُول الله "صلى الله عليه وسلم " مِنَ المُوبِقاتِ . رواه البخاري .
وَقالَ : (( المُوبقاتُ )) : المُهلِكَاتُ .
صورة
الشرح
-المراقبة لها وجهان:
الوجه الأول:أن تراقب الله عزوجل
الوجه الثاني : أن الله تعالى رقيب عليك,كما قال الله تعالى : *وكان الله على كلّ شيئ رقيبا*
أما مراقبتك لله أن تعلم أن الله تعالى يعلم كل ما تقوم به من أقوال وأفعال واعتقادات
أنس بن مالك_ رضي الله عنه_ من المعمرين، فبقي بعد النبي صلي الله عليه وسلم حالي تسعين سنة.
فتغيرت الأمور في عهده_ رضي الله عنه_ واختلفت أحوال الناس، وصاروا يتهاونون في بعض
الأمور العظيمة في عهد الصحابة رضي الله عنهم. مثل صلاة الجماعة، فقد كان الصحابة _
رضي الله عنهم_ لا يتخلف أحد عنها إلا منافق أو مريض معذور، ولكن الناس تهاونوا بها ولم
يكونوا علي ما كان عليه الصحابة_ رضي الله عنهم_ في عهد النبي صلي الله عليه وسلم. بل إن
الناس في عهدنا صاروا يتهاونون بالصلاة نفسها لا بصلاة الجماعة فقط، فلا يصلون، أو يصلون
ويتركون، أو يوخرون الصلاة عن وقتها، كل هذه أعمال يسيرة عند بعض الناس، لكنها في عهد
النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة_ رضي الله عنهم_ كانت تعد من الموبقات.
صورة
وكذلك أيضا
الغش في عهد النبي _ عليه الصلاة والسلام_ قال: (( من غش فليس مني)). لكن انظر إلى
الناس اليوم تجد إن الغش عندهم أهون من الأشياء، بل إن بعضهم_ والعياذ بالله_ يعد
الغش من الشطارة في البيع والشراء والعقود، ويري إن هذا من باب الحذق والذكاء والدهاء نسأل
الله العافية_ مع إن النبي صلي الله عليه وسلم تبرا من الإنسان الذي يغش الناس. ومن ذلك
الكذب: والكذب من الأشياء العظيمة في عهد الصحابة_ رضي الله عنهم_ فيرونه من الموبقات،
لكن كثيرا من الناس يعده أمرا هينا، فتجده يكذب ولا يبالي بالكذب، مع إن النبي صلي الله عليه
وسلم قال: (( لا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا)) وربما يكذب
في أمور اخطر فيجحد ما يجب عليه الناس، أو يدعي ما ليس له ويحاكمهم عند القاضي ويحلف
علي ذلك، فيكون_ والعياذ بالله_ ممن يلقي الله وهو عليه غضبان. إلى غير ذلك من المسائل
الكثيرة التي يعدها الصحابة من المهلكات، ولكن الناس اختلفوا فصارت في أعينهم أدق من
الشعر، وذلك لأنه كلما قوي الإيمان عظمت المعصية عند الإنسان، وكلما ضعف الإيمان خفت
المعصية في قلب الإنسان ورآها أمرا هينا، يتهاون ويتكاسل عن الواجب ولا يبالي، لأنه ضعيف
الإيمان