8- بابالاستقامه
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه و سلم: (( قَارِبُوا وَسَدِّدُوا ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بعَمَلِهِ )) قالُوا : وَلا أَنْتَ يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : (( وَلاَ أنا إلاَّ أنْ يَتَغَمَّدَني الله برَحمَةٍ مِنهُ وَفَضْلٍ ))رواه مسلم .
صورة
الشرح
-استقَامَ الشيءُ : اعتدل واستوى .
والإستقامة أن يثبت الإنسان على شريعة الله سبحانه وتعالى كما أمر الله ويتقدمها الإخلاص لله عزوجل.
المقاربة)) القصد الذي لا غلو فيه ولا تقصير. و(( السداد)): الاستقامة والإصابة، و(( يتغمدني))
يلبسني ويسترني. قال العلماء: معني الاستقامة: لزوم طاعة الله تعالى، قالوا: وهي من جوامع
الكلم، وهي نظام الأمور، وبالله التوفيق.
الشرح هذا الحديث يدل علي أن الاستقامة علي حسب
الاستطاعة، وهو قول النبي صلي الله عليه وسلم(( قاربوا وسددوا)) أي: سددوا علي الإصابة،
أي: احرصوا علي أن تكون أعمالكم مصيبة للحق بقدر المستطاع، وذلك لان الإنسان مهما بلغ
من التقوى، فانه لابد أن يخطئ، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: ((
كل بني آدم خطاء، وخير الخطاءين التوابون)) ، وقال عليه والصلاة السلام: (( لو لم تذنبوا
لذهب الله بكم، ولجا بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم)) فالإنسان مأمور أن يقارب
ويسدد بغدر ما يستطيع. ثم قال عليه الصلاة والسلام: (( واعلموا انه لا ينجوا أحد منكم
بعمله))أي: لن ينجوا من النار بعمله. وذلك لان العمل لا يبلغ ما يجب لله_ عز وجل_ من الشكر،
وما يجب له علي عباده من الحقوق، ولكن يتغمد الله_ سبحانه وتعالى_ العبد برحمته فيغفر له.
فلما قال: (( لن ينجوا أحد منكم بعمله)) قالوا له: ولا أنت؟! قال: (( ولا أنا)) حتى النبي عليه
الصلاة والسلام لن ينجو بعمله(( إلا أن يتغمدني الله برحمة منه)). فدل ذلك علي أن الإنسان مهما
بلغ من المرتبة والولاية، فانه لن ينجو بعمله، حتى النبي عليه الصلاة والسلام، لولا أن الله من
عليه بان غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر، ما أنجاه عمله. فان قال قائل: هناك نصوص من
الكتاب والسنة تدل علي أن العمل الصالح ينجي من النار ويدخل الجنة، مثل قوله تعالى: (من
عمِلَ صالِحاً مِن ذَ َكرٍ أَو أُْنَثى وهو مؤْمِن فََلنُحيِينَّه حياةً طَيبةً ولَنجزِينَّهم أَ جرهم بِأَ حسنِ ما كَانُوا
يعملُون)(النحل: 97 )، فكيف يجمع بين هذا وبين الحديث السابق؟
صورة
والجواب عن ذلك: أن يقال:
يجمع بينهما بان المنفي دخول الإنسان الجنة بالعمل في المقابلة، أما المثبت: فهو أن العمل سبب
وليس عوضا. فالعمل_ لا شك_ انه سبب لدخول الجنة والنجاة من النار، لكنه ليس هو العوض،
وليس وحده الذي يدخل به الإنسان الجنة، ولكن فضل الله ورحمته هما السبب في دخول الجنة
وهما اللذان يوصلان الإنسان إلى الجنة وينجيانه من النار. وفي هذا الحديث من الفوائد: أن
الإنسان لا يعجب بعمله، مهما عملت من الأعمال الصالحة لا تعجب بعملك، فعملك قليل بالنسبة
لحق الله عليك. وفيه أيضا من الفوائد: انه ينبغي علي الإنسان أن يكثر من ذكر الله دائما: (( اللهم
تغمدني برحمة منك وفضل)) لان عملك لن يوصلك إلي مرضاة الله، إلا برحمة الله عز وجل.
وفي دليل علي حرص الصحابة_ رضي الله عنهم_ علي العلم، ولهذا لما قال: (( لن ينجوا أحد
منكم بعمله)) استفصلوا، هل هذا العموم شامل له أم لا؟ فبين لهم صلى الله عليه وسلم انه شامل
له.
و من تدبر أحوال الصحابة_ رضي الله عنهم_ مع النبي صلى الله عليه و سلم. وجد انهم احرص
الناس على العلم، و انهم لا يتركون شئيا يحتاجون إليه في أمور دينهم و دنياهم إلا ابتدروه و
سألوا عنه. و الله الموفق