صناعة تطوير الذات
فهد عامر الأحمدي
كيف تؤثر بالناس.. كيف تكسب النجاح.. تعلم كيف تقول لا.. تجنب الحوارات الصعبة.. طريقة القبعات الست.. عناصر السعادة.. علم الإقناع.. حيل تلعبها الناس..
هذه مجرد نماذج لكتب في تطوير الذات أملكها في مكتبتي.. ألفها خبراء في علم النفس (أو من يعتقدون أنهم خبراء في علم النفس) بطريقة تلائم القارئ العادي وتستحثه على تطوير نفسه في مجال معين.. فرغم أن علم النفس يعد حديثاً مقارنة ببقية العلوم، إلا أن رغبة الإنسان في تطوير ذاته والتخلص من عيوبه، قديمة قدم الإنسان نفسه.. وفي عصرنا الحديث توجة علماء النفس منذ البداية لعامة الناس وخاطبوهم من خلال كتب تلائم مستوياتهم.. فسيجموند فرويد مثلا ألّف قبل120 عاماً كتاباً مفتوح الحقوق بعنوان "تفسير الأحلام" حقق شعبية واسعة أوضح فيه كيف يمكن لرغباتنا ونزواتنا وأحداث الماضي أن تتبلور بشكل أحلام!! أيضاً لم يكن ربح المال هو هدف جورج كومب حين ألف كتابه المشهور "فراسة الدماغ" عام1828.. كما لم يكن هدف دنيل كارنيجي (الذي كان في الأصل مليونيراً) حين ألّف كتابه الرائع كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر على الناس عام1936.
ما يثير القلق فعلاً أن هذا النوع من الكتب تحوّل اليوم إلى صناعة حقيقية يقودها مدربون ومستشارون وأحياناً اقتصاديون ورجال أعمال ليس لهم علاقة بعلم النفس.. كتب تعزف على الأحلام المعتادة للناس مثل "كيف تصبح مليونيراً" و"كيف تحقق جميع أحلامك" و"لماذا تعشق النساء جيمس بوند" أصبحت تحتل قسماً كبيراً من أي مكتبة.. كتب قد تجد فيها نصائح مهمة ولكنها غير عملية أو يصعب تطبيقها وإلا لأصبحت أنا مليونيراً منذ أمد بعيد!! ... من يصبح مليونيراً فعلاً هو من يؤلف كتباً ناجحة في هذا المجال.. فأي كتاب من هذا النوع يوزع في أميركا ما لا يقل عن مليون نسخة (لا يقل نصيب المؤلف عن خمسة دولارات من كل نسخة)..
وهذا في الحقيقة سر ثراء مؤلفين مشهورين مثل انتوني روبنز الذي حقق أكثر من 80 مليون دولار من كتابه "أيقظ قواك الخفية"، في حين باع جون جرايز مئة مليون نسخة من كتابه المترجم لعشرين لغة "الرجال من المريخ والنساء من كوكب الزهرة"..
واليوم تحول "تطوير الذات" إلى صناعة حقيقية خرجت عن نطاق الكتب إلى تنظيم الدورات والمحاضرات والمؤتمرات والبرامج التلفزيونية المتخصصة.. وهي صناعة لا يخشى عليها من الكساد كون الناس يبحثون عنها في حتى أسوأ الظروف التي يمرون بها.. وأنا شخصياً لا أنكر أن لهذه الكتب فوائد نسبية؛ ولكنني أرى (بحسب خبرتي) أن هناك خمس أسئلة يجب أن تطرحها على نفسك قبل شرائها:
اسأل نفسك أولاً هل هذا الكتاب يناسب طبيعة حياتك أو يعالج نقصاً في شخصيتك؟.. فما تراه مناسباً لك قد لا يثير اهتمام أحد غيرك..
والثاني: كم عمرك الآن؟.. فكثير من الكتب تناسب مراحل عمرية قد تكون تجاوزتها "الآن"..
والثالث: هل ظهر في حياتك تغيير يستحق شراء كتب من هذا النوع؟.. هل أصبحت مثلاً مديراً لتشتري كتاب "العادات السبع للقادة الناجحين" أم تنوي الزواج وتحتاج لكتاب "لماذا لا يفهم الأزواج بعضهم البعض"!!
والرابع: هل محتويات الكتاب قابلة للتطبيق؟.. فمعظم هذه الكتب تتضمن معلومات ممتعة وقصصاً مشجعة ولكنها ببساطة غير واقعية أو قابلة للتطبيق (خصوصاً الكتب المترجمة من لغات أجنبية)!
وأخيرا؛ إن كنت مثلي تملك عدداً كبيراً من هذه الكتب؛ اسأل نفسك هل سيضيف إليك الكتاب الجديد شيئاً جديداً؟
... فحسب خبرتي؛ كتب تطوير الذات مثل العطور التي تجربها في المحل؛ أول كتاب في حياتك يؤثر فيك بقوة، ثم يخف تأثيرها بالتدريج، حتى تصل لمرحلة لا تميز فيها بين بقية الأنواع.. ... أقول قولي هذا رغم أنني أعمل حالياً على تأليف كتاب حول هذا الموضوع بالذات..