سبب نزول سورة الليل
بسم الله الرحمن الرحيم
حدثنا أبو معمر بن إسماعيل الإسماعيلي إملاء بجرجان سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة ، أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر الحافظ ، أخبرنا علي بن الحسن بن هارون ، حدثنا العباس بن عبد الله الترقفي ، حدثنا حفص بن عمر ، حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن رجلا كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير ذي عيال ، وكان الرجل إذا جاء ودخل الدار فصعد النخلة ليأخذ منها التمر فربما سقطت التمرة فيأخذها صبيان الفقير ، فينزل الرجل من نخلته حتى يأخذ التمرة من أيديهم ، فإن وجدها في فم أحدهم أدخل إصبعه حتى يخرج التمرة من فيه ، فشكا الرجل ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بما يلقى من صاحب النخلة ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اذهب " ، ولقي صاحب النخلة وقال : " تعطيني نخلتك المائلة التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة ؟ " فقال له الرجل : [ لقد أعطيت ] وإن لي نخلا كثيرا ، وما فيها نخلة أعجب إلي ثمرة منها ، ثم ذهب الرجل فلقي رجلا كان يسمع الكلام من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله أتعطيني ما أعطيت الرجل نخلة في الجنة إن أنا أخذتها ؟ قال : " نعم " ، فذهب الرجل فلقي صاحب النخلة فساومها منه فقال له : أشعرت أن محمدا أعطاني بها نخلة في الجنة فقلت : يعجبني ثمرها ؟ فقال له الآخر : أتريد بيعها ؟ قال : لا ، إلا أن أعطى بها ما لا أظنه أعطي . قال : فما مناك ؟ قال : أربعون نخلة . قال له الرجل : لقد جئت بعظيم ، تطلب بنخلتك المائلة أربعين نخلة ؟ ثم سكت عنه ، فقال له : أنا أعطيك أربعين نخلة ، فقال له : أشهد لي إن كنت صادقا ، فمر ناس فدعاهم فأشهد له بأربعين نخلة ، ثم ذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله إن النخلة قد صارت في ملكي فهي لك ، فذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى صاحب الدار فقال : " إن النحلة لك ولعيالك " ، فأنزل الله تبارك وتعالى : ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى ) .
أخبرنا أبو بكر الحارثي أبو الشيخ الحافظ ، أخبرنا الوليد بن أبان حدثنا محمد بن إدريس ، حدثنا منصور بن [ أبي ] مزاحم ، حدثنا ابن أبي الوضاح ، عن يونس ، عن [ ص: 234 ] ابن إسحاق ، عن عبد الله : أن أبا بكر اشترى بلالا من أمية بن خلف ببردة وعشر أواق [ من ذهب ] فأعتقه ، فأنزل الله تبارك وتعالى : ( والليل إذا يغشى ) إلى قوله : ( إن سعيكم لشتى ) : سعي أبي بكر ، وأمية بن خلف .
قوله تعالى : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ) الآيات : [ 5 : 10 ]
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم ، أخبرنا محمد بن جعفر بن الهيثم الأنباري ، حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر ، حدثنا قبيصة ، حدثنا سفيان الثوري ، عن منصور ، والأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما منكم من أحد إلا كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار " . قالوا : يا رسول الله ، أفلا نتكل ؟ قال : " اعملوا فكل ميسر [ لما خلق له ] " ثم قرأ : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ) . رواه البخاري ، عن أبي نعيم ، عن الأعمش ، ورواه مسلم عن أبي زهير بن حرب ، عن جرير ، عن منصور .
أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال : حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أحمد بن [ محمد بن ] أيوب ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن عبد الله ، عن ابن أبي عتيق ، عن عامر بن عبد الله ، عن بعض أهله ، قال أبو قحافة لابنه أبي بكر : يا بني ، أراك تعتق رقابا ضعافا ، فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالا جلدة يمنعونك ويقومون دونك . فقال أبو بكر : يا أبت إني إنما أريد . قال : فتحدث : ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيه وفيما قاله أبوه : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ) إلى آخر السورة .
وذكر من سمع ابن الزبير وهو على المنبر يقول : كان أبو بكر يبتاع الضعفة من العبيد فيعتقهم ، فقال له أبوه : يا بني لو كنت تبتاع من يمنع ظهرك قال : [ ما ] منع ظهري أريد . فنزلت فيه : ( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى ) إلى آخر السورة .
وقال عطاء عن ابن عباس : إن بلالا لما أسلم ذهب إلى الأصنام فسلخ عليها وكان عبدا لعبد الله بن جدعان ، فشكا إليه المشركون ما فعل ، فوهبه لهم ومائة من الإبل ينحرونها لآلهتهم ، فأخذوه وجعلوا يعذبونه في الرمضاء وهو يقول أحد أحد ، فمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ينجيك أحد أحد " ، ثم أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أن بلالا يعذب في الله ، فحمل أبو بكر رطلا من ذهب فابتاعه به ، فقال المشركون : ما فعل أبو بكر ذلك إلا ليد كانت لبلال عنده ، فأنزل الله تعالى : ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى ) .