اقتفاء تراثنا الشعبي في كتب الرحالين الغربيين
الهولندي مارسيل يكتب عن الكرم الحائلي ودلّة دبيس و«ريع المغنّي»
في اغلب مداخل المدن أعمال فنية ترمز إلى كرم الضيافة سعود المطيري يرى الدبلوماسي والباحث الهولندي ما رسيل شوك ضمن كتابه البدوي الأخير أثناء زيارته منطقة حائل في الثمانينات الميلادية الماضية أن الالتزام الصارم بالشريعة الإسلامية هو اشد الشروط المطلوب التقيد بها من المواطن السعودي. ولكن الصفة التي تحظى بأكبر قدر من الاحترام بين البدو كما يعتقد هي كرم الضيافة وفي مدخل كل مدينة ذات حجم معتبر توجد أعمال فنية كثيرة تعبر رمزيا عن الطقوس وثيقة الارتباط بمفهوم الضيافة، تحضير القهوة: الدلال ذات الأعناق الطويلة والصحن الذي تحمص فيه حبات القهوة والهاون والمدق النحاسي الثقيل الذي يذيع برنينه وصفه مارسيل كأجراس كنيسة صداحة على امتداد أميال حول الخيمة، وهي الرسالة القائلة (تفضلوا) إن الجميع موضع ترحيب للمجيء، واتخاذ مجلسهم حول النار معتبرا كل هذه الطقوس ما هي الا رموز للود الذي يستقبل به السعودي ضيوفه متوقعا منهم أن يبثوا في ترحالهم أنباء كرمه لمسافات بعيدة، ولهذا السبب كانوا يلطخون رقاب الجمال بدم الذبائح لكي يسأل ضيوفهم في كل محطة لاحقة عن منشأ هذه الخطوط. يقدم بعد ذلك شهادته وهو الذي تجول في كثير من مدن ومناطق البلاد لمدينة حائل وما يرتبط بها قائلا إن لمدينة حائل بصفة خاصة، صيت ذائع بتفوقها في هذا المضمار. وفي التاريخ العربي القديم أن أبا شمر الاسطوري "حاتم الطائي" أوعز لمملوكه أن يشعل نارا عظيمة على قمم جبال أجا يستدل بها المسافرون إلى مضيفة ويمكن التعرف إلى الأرستوقراطية الروحية للصحراء من الاستعداد لنحر آخر رأس من الاغنام والابل حتى في أوقات القحط والجفاف من أجل عابر سبيل وكان أحد أمراء القبيلة في مدينة رفحاء فخورا بأن بيته مفتوح نهار ليل لكل ضيف يصل إليه والشخص المحتقر في رفحا أشد الاحتقار البخيل الذي لا يفعل شيئا سوى الجلوس في دكانه وعد نقوده كل يوم. ويصرخ مارسيل مرة أخرى - يا له من تعارض مع البدو الاقحاح!. ذات يوم كنت مسافرا مع أحمد الرفاعي وشاعر الجبلين إلى آل سويد عشيرة تعيش على حدود أراضي بعض قبائل الشمال لهذا فإن مشاعرها القبلية أقوى منها فيما لو كانت بحدود القبيلة نفسها، كنا مارين ب (ريع المغني) وهي كناية عن أغاني الفرح التي كان محاربو بعض القبائل والمسافرون ينشدونها لدى عبور هذه الحدود والوصول سالمين إلى ديارهم. عند ما اعترضنا كوخ مبني من كتل اسمنتية "بلوكات" طلب مالكاه وهما رجل كبير في السن وآخر أكبر سنا يتوكأ على عصا وله لحية مصبوغة بالحناء أن ننزل في ضيافتهما وعلى الفور سحبا خروفا أسود ذا رأس ابيض - الصغير الذي كان قد حارب في فلسطين عام 1947م أحضر سكينا وحصر بين ساقيه عنق الذبيحة التي كانت تنظر لنا هانئة ترمش راضية وقال باسم الله والله اكبر انها ذبحت على شرفكم وتعين علينا أن نلجأ للحيلة للخروج من هذا الوقف. زعم أحمد اننا طاقم تلفزيوني من الرياض ولدينا موعد عاجل لإنتاج برنامج عن الشاعر المعروف وناقل الشعر التقليدي دبيس العلوي، ولهذا السبب نحن في عجلة من امرنا. يقول بعد ذلك بأنهم وصلوا (المعترضة) وهي القرية التي كان الشاعر دبيس يرأس فيها عشيرته المتدينة جدا. وقد احتل المسجد الحديث ومنارته الكاملة كما يقول حوالي نصف مساحة الهجرة التي كانت تحيط بها من الجانب الآخر أنوار على حواف الأسوار تشكل (هذا من فضل ربنا) وكان رد فعل الرجال ذي اللحى البيضاء الموقرة معتزين كما ينبغي بالمديح والثناء الذي ردده أحمد والجريفاني، وعند غروب الشمس تركت بمفردي بينما ذهب الرجال للوضوء في بيت الاغتسال بجانب المبنى وتوالوا على دخول المسجد واحدا اثر الآخر ثم يروي قصة نعتقد انها من نسج خيالة أراد بها الإثارة فقط كما يفعل كثير من الرحالين الاجانب، ويذكر ان شابا من القرية حضر متأخرا ورأيته كما قال يجلد جلدا رهيبا في باب المسجد قال احمد فيما بعد انهم مؤمنون حريصون جدا وبعد الصلاة والقول لمارسيل جاءت صحون التمر الذي كان يغمس في زبدة بلون العسل مصنوعة من حليب الاغنام (سمن عربي) يقول السعوديون عن الرجل الذي بلغ أعلى درجات الرقي في الشمائل العربية "سمن عرابي". ويستطرد بعد ذلك: حانت ساعة الأداء الشعري ولكن دبيس كان مترددا فالميكرفون والشخص الغريب ونفاد صبر المحتشدين من سكان القرية كل ذلك أثار حنقه وهو قد بلغ من السن ما جعله يدرك الثقوب التي ظهرت في ذاكرته ولم يكن يريد إفشاء هذا السر للجمع المحتشد. أشار أحدهم إلى دلة معدنية ضخمة كانت موضوعة على طاولة منتصف الغرفة وصاح: قل له ما قلت بالدلة يا دبيس! وبدا أن شيئا يتحرك في دبيس عواطف استحضرتها ذاكرة سرت كالماء الدافئ في جسده وبددت الإحساس بالانكشاف الذي أصابه بالشلل تململ دبيس في مقعده وتنحنح ثم بدأ منشدا: وادلتي وا قو صبره علينا خمسين عام ما فهقته عن النار مستملسٍ عرقوبها من يدينا من كثر ما نشرب بها الكيف وابهار من عقب ذا قامت افتوقه تبينا من حر صلو النار به بان شبشار وتطلّبن لا تفهقن لي سنينا خلن توال النار واقبال الاخيار ما دمت حي بخدمتك صابرينا عمري قضا عندك على العسر ويسار ودوّر لنا استادٍ يربّن وازينا واصير مثل أول عشاقة هل الكار
أشعال النار ورنين الهاون رسالة تقول (تفضلوا)
الهولندي ما رسيل شوك يشير الى ريع المغني