📩
✍لقد عالج الإسلام قضية الإشاعة عن طريق ثلاث نقاط:
أ- النقطة الأولى: التثبت.
ب- النقطة الثانية:الناقل للإشاعة من الفاسقين.
ت- النقطة الثالثة:التفكر في عواقب الإشاعة.
وقبل البدء في تفصيل هذه النقاط لابد من التنبيه على لأمر مهم جدا، ألا وهو : أن الله سبحانه و تعالى جعل العلاج لقضية الإشاعة من خلال الناقلين لها من المؤمنين أنفسهم دون التركيز على مصدر الإشاعة و ذلك لان مصدر الإشاعة قد يكون من أهل النفاق أو من الكفار أو من الأعداء، و هؤلاء لا حيلة معهم، فان من دأبهم نشر الإشاعة لإضعاف المسلمين.
نعم قد ورد تحذير للمسلمين أن يكذبوا الكذبة ثم يبثوها
( كما في حديث جابربن سمرة عند البخاري).
لكن هذه الإشاعات ما كان لها أن تنتشر لو قابلها المؤمنون بالمنهج الرباني لتلقي الأخبار و تلقي الإشاعات.
وإليك تفصيل تلك النقاط:
أ - النقطة الأولى: التثبت:
يقول الله تعالى :
( ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ...)
و في قراءةأخرى ( فتثبتوا ).
فأمر الله بالتبين و التثبت، لأنه لا يحل للمسلم أن يبث خبرا دون أن يكون متأكدا من صحته.
و التثبت له طرق كثيرة؛ فمنها :
أ- إرجاع الأمر لأهل الاختصاص:
يقول الله تعالى:
( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به و لو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ).
قال الشيخ السعدي:
( هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم غير اللائق ، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة و المصالح العامة ؛مايتعلق بسرور المؤمنين أو الخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا و لايستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر ، بل يردونه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم ؛ أهل الرأي و العلم و العقل الذين يعرفون المصالح و ضدها.
فإن رأوا في إذاعته مصلحة و نشاطا للمؤمنين و سرورا لهم و تحرزا من أعدائهم : فعلوا ذلك.
فان رأوا ليس من المصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه ) ا. هـ
فكم من إشاعة كان بالمكان تلافي شرها بسؤال أهل الاختصاص.
هذه الإشاعة الأخيرة التي انتشرت عن إدخال شمام به فيروس الايدز؛ ترى الواحد منا يرسل عشرات بل مئات الرسائل لهذه الإشاعات و لا يكلف نفسه أن يتصل على طبيب فيسأله:
هل يمكن أن ينتقل هذا الفيروس به الطريقة ؟!!
لوأرجعنا هذه الإشاعة لولاة الأمر عبر الجهات المختصة لوجدنا عندها العلم بحال تلك الإشاعة.
- التفكر في محتوى الإشاعة:
إن كثير من المسلمين لايفكر في مضمون الإشاعة الذي قد يحمل في طياته كذب تلك الإشاعة، بل تراه يستسلم لها وينقاد لها وكأنها من المسلمات.
و لو أعطينا أنفسنا و لو للحظات في التفكرفي تلك الإشاعات لما انتشرت إشاعة أبدا.
لقد بين الله حال المؤمنين الذين تكلموا في حادثة الإفك فقال سبحانه:
( إذتلقونه بألسنتكم و تقولون بأفواهكم ما ليس به علم ).
انظروا :
( إذ تلقونه بألسنتكم )
أنه من البديهي أن الإنسان يتلقى الأخبار بسمعه لا بلسانه ، و لكن أولئك النفر من الصحابة لم يستعملوا التفكير، لم يمروا ذلك الخبر على عقولهم ليتدبرا فيه، بل قال الله عنهم أنهم يتلقون حادثة الإفك بألسنتهم ثم يتكلمون بها بأفواههم من شدة سرعتهم في نقل الخبر وعدم التفكر فيه.
و لوتفكر الصحابة قليلا لوجدوا أنه من أمحل المحال أن يكون في فراش أطهر الخلق شيء يعيبه، كيف يمكن أن تتهم زوجة أفضل البشرية الذي اصطفاه الله بتهمة الفاحشة؟ إن هذا لا يعقل أبدأ.
ب- النقطة الثانية:
الناقل للإشاعة من الفاسقين.
في الآية السابقة يقول الله تعالى:
( ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ...)
فجعل الله من نقل الخبر دون تثبت من الفاسقين.
فمجرد نقل الأخبار دون التأكد من صحتها موجب للفسق؛ و ذلك لان هذه الأخبار ليس كلها صحيح، بل فيها الصحيح و الكاذب، فكان من نقل كل خبر و أشاعه؛ داخل في نقل الكذب، لذا جعله الله من الفاسقين.
وقد صرح النبي بذلك ففي صحيح مسلم :(كفى بالمرء كذباأن يحدث بكل ما سمع ).
فالمؤمن لابد له من الحذر في أن يكون عند الله من الفاسقين( الكاذبين ).
و كفى - و الله - بذلك كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب.
فالعاقل يعلم أنه ليس كل ما يسمع يقال.
و لا كل ما يعلم يصلح للإشاعة و النشر.
بل قد يكون الخبر صحيحا و لكن لا مصلحة في نشره أبدا، كما مر معنا في كلام الشيخ السعدي.
ث- النقطة الثالثة:
التفكر في عواقب الإشاعة.
و عودة مرة ثالثة للآية السابقة في سورة الحجرات يقول الله تعالى:
( أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )
هلاتفكرت في نتائج الإشاعة.
هلا تدبرت في عواقبها.
اعلموا :
إن كل خسارة، كل هم و غم أصاب أخاك المسلم، كل أموال أهدرت بسبب إشاعتك التي نشرتها أو ساعدت في نشرها فلك نصيب من الإثم فيها.
هذه الإشاعة الأخيرة
( إشاعة فيروس الايدز في الشمام )
كم من الأموال خسر أصحاب الشركة.
كم من الهم أصابهم.
كل ريال أهدر، و كل فاكهة أتلفت، و كل خسارة حدثت فلك نصيب منها.
( فت
صبحوا على ما فعلتم نادمين)
ويظهر الندم في الدنيا لمن تفكر في عاقبة نشر الإشاعة، ويظهر في الآخرة للغافلين عندما يجدون الجبال من السيئات كتبت عليهم (
وتحسبونه هيناوهو عند الله عظيم )
فياإخوتي :
( يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا أن كنتم مؤمنين ).
لماتنتشر الإشاعات في الأوساط الجاهله أكثر لأن المتعلم يعي طرق التثبت ويحكم عقله
وكم من صاحب شهادات جاهل إنما العلم بالتطبيق.