القلب: المضغة التي إن صلحت صلح سائر الجسد والأعمال، وإن فسدت.. نسأل الله العافية.
وليس فساد القلب ينحصر فقط بالشرك، ولكن يفسد أيضا بأمراض القلوب، ومنها ما قد يكون سببًا في النار والعياذ بالله مثل الرياء! ومن هذه الأمراض: (الغل والحقد والضغائن..)، فيكون ذلك بسبب الغيرة أو الخصومة بين الناس، وقد نرى كثيرًا محاولات للصلح ودعوات للتسامح ولكن قليلًا من نراه يقبل.. أو قد يقبل قولًا باللسان.. وما في القلب باقٍ! ويرجع ذلك إلى أن الأمر مجرد كلمات، وليست حلول جذرية، فيجب أن نعمل جاهدين على علاج القضية نفسها من جذورها،
هلُمّ نتعلم لماذا نسامح وننقّي قلوبنا؟
1- لا يرضى الله بغل المؤمنين لبعضهم البعض، فينقيهم قبل دخول الجنة، قال تعالى في كتابه العزيز: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43]، فهل بعد ذلك مجال للغل والحقد؟ يأبى الله الغل للمؤمنين، فينقيهم قبل دخولهم الجنّة ليكونوا أنقياء القلب والنفس. 2- التسامح وترك الغل من شيم ودعوات الصالحين.
قال تعالى على لسان الصالحين من عباده في كتابه العزيز: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [الحشر:10)، فها هم الصالحين يدعون ربهم أن ينقّي قلوبهم من الغل بنوعيه، لما عرفوا من سوء هذا المرض في القلوب، ومن نتائجه. 3- صفاء النفس والقلب وترك الغل من أسباب دخول الجنة.
أي والله! فهذا الصحابي بشّره الله بدخوله الجنّة على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لمجرد أنه ينام وليس في قلبه شيئًا لأحد، ففي الحديث: « كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليطلعن عليكم رجل من هذا الباب من أهل الجنة، فجاء سعد بن مالك فدخل منه » قال البيهقي: "فذكر الحديث قال: فقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ما أنا بالذي أنتهي حتى أبايت هذا الرجل، فأنظر عمله قال: فذكر الحديث في دخوله عليه قال: فناولني عباءة، فاضطجعت عليها قريبا منه، وجعلت أرمقه بعيني ليلة كلما تعار سبح وكبر وهلل، وحمد الله حتى إذا كان في وجه السحر قام فتوضأ، ثم دخل المسجد فصلى ثنتي عشرة ركعة باثنتي عشرة سورة من المفصل، ليس من طواله، ولا من قصاره، يدعو في كل ركعتين بعد التشهد بثلاث دعوات يقول: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم اكفنا ما أهمنا من أمر آخرتنا ودنيانا، اللهم إنا نسألك من الخير كله، وأعوذ بك من الشر كله حتى إذا فرغ قال، فذكر الحديث في استقلاله عمله، وعوده إليه ثلاثا إلى أن قال: فقال: آخذ مضجعي، وليس في قلبي غمر على أحد" (المنذري:4/33 صحيح أو حسن)، كلام من لاينطق عن الهوى.. فهل هناك مجال للتكذيب؟
4- هل ينقصنا حقد المسلم على أخيه المسلم؟
يؤدّي غل القلوب وحقد النفوس على الفجر في الخصام والضغائن، فيؤدي إلى هتك ستر مسلم، أو تتبع العورات، محاولات تصيد الزلّات، محاولات تشويه صورة المسلم والإفتراء عليه، السخرية من المسلم، وقد يصل الأمر إلى التفكير في قتل النفس التي حرم الله إلّا بالحق! وها هم إخوة يوسف أكبر دليل على ذلك: { اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ } [يوسف:9]، وإمرأة العزيز التي تفتري عليه الفاحشة حقدًا عليه لمقاومتها: { قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [يوسف:25]، وغيرها من المعاصي التي ترتكب بتحريض من النفس الحقودة، التي تجني ثمارها دنيا وآخرة.
5-الحاقد يعيش في ضنك، ويشغل وقته في ما لا ينفع، بل يضر..
فهو مشغول البال دومًا بمراقبة من يحقد عليه فلا يهنىء بهناءة البال، وهو بذلك يشغل وقته في غير طاعة ومرضات الله تعالى، الوقت الذي هو محاسب عليه وما لا يعلمه.. أنه لن ينال مِن مَن يحمل له في قلبه الحقد شيئًا إلّا بإذن الله، وتلتهمه ناره وحده، وإن بالفعل زالت النعمة بسبب حسده، فهذا في ميزان سيئاته، وإن الأمر بسبب خصومة، فناره تأكله، وقد لا يشعر الآخر به البتة! فهو تعيس دنيا وآخرة، ولا ننسى أن ذلك ما كان سببًا في طرد الشيطان لعنه الله من الجنة حقده على آدم عليه السلام!
6- الحقد والغل من أسباب الفرقة والهوان..
فالحقد يولّد التنافر، فيسبب التحاشي والفرقة، فهل هذا هو الواجب تواجده بين المسلمين؟ كيف إن لم يكن ديننا يدعو دومًا إلى الأخوّة في الإسلام؟ وقد أمر الله المسلمين أن يصلحوا بين الطوائف المتخاصمة، لأنه لا يليق بالمسلم أن يغل من أخيه المسلم، ولأن في ذلك الفرقة والهوان وشماتة الأعداء قال تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9].
وإن كنّا وفّرنا كل هذه الطاقات المكبوتة من الحقد والغل على أعداء الدين لانتصرنا عليهم، وما كان هذا حالنا والله المستعان! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد. إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى } (مسلم:2586)، فأين الحاقد من هذا الحديث؟ فلنوفّر هذه الأحقاد والضغائن للبغض في الله، لأعداء الله.
7- التسامح من شيم الأنبياء والصالحين: فأنت يا من تحمل غلًا لأخيك بسبب خصومة، ألا تعلم أن التسامح من شيم الأنبياء؟ وهو من أسمى الأخلاق، فلمَ لا تسامح وتفوض أمرك لله؟ نقيّ النفس والقلب، فيرتقي قدرك عند ربك، وابتغي في ذلك آخرتك ولا تنتظره في الدنيا، فها هو نبيّ الله يوسف عليه السلام يصفح عن كل من آذاه في حياته، بدايةً من أخوته الذين كادوا له كيدًا، إلى امرأة العزيز التي افترت عليه الفاحشة كذبًا، ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلّم الذي عفى عن أهل مكّة بعد كل ما تعرّض له من أذى من قِبلهم منذ أُرسل إليهم، فيدخل في يوم الفتح متواضعًا طيّب النفس شاكرًا لربه فضله عليه، وناسيًا كل الأذى الذ تعرّض له من الكفّار رغم أنه في موضع نصر وقوّة!
وكما في الآيات الكريمة: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ . وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصّلت:34-36]، فالآيات مرتبطة ببعضها البعض، وتكمل بعضها البعض في السياق، أولّا الدفع بالتي هي أحسن، وأن هذه مكانة عالية، مكانة الصابرين ولا يلقّاها إلى ذو حظٍ عظيم، وإذا نزغ الشيطان نزغٌ ليرُدّك عن ذلك فاستعذ بالله منه.
- نستعن بالله على أن يعنّا على تنقية قلوبنا.
- التفكر في عواقب هذا المرض.
- الدعاء للمتخاصم بالهداية وأن يبعد عنّا شروره.
فهل ما زلنا نحمل الأحقاد لبعضنا البعض؟
أسألك اللهم ألّا تجعل في قلبي غلًا للذين آمنوا.