المسلول - قصيدة حب للشاعر اللبناني المرحوم بشارة عبد الله الخوري الملقب بالأخطل الصغير
إعداد و نشر : د . عدنان جواد الطعمة
تأثرت في سني الدراسة بجامعة بغداد في معهد للغات الألمانية و الإنكليزية و كلية الاداب قبل الظهر و بعد الظهر كنت أزاول عملي كمحضر كيمياوي و مسؤول عن مخازن و مختبرات قسم الكيمياء في كلية التربية على مر الأعوام الأربعة . وكنت أقرأ دواوين الشعراء العراقيين و العرب و أنظم بعض القصائد المتواضعة بالفصحى و العامية أي باللهجة العراقية الجميلة للتسلية . وقد تأثرت بقصائد مختلف الشعراء و الشاعرات .
ومن هؤلاء الشعراء الذين أكنّ لهم كل الحب و الإعجاب كان المرحوم الشاعر الأخطل الصغير ، حيث كنت أحفظ وأقرأ قصائده بشوق ولهفة ، ومنها :
الصبا و الجمال ملك يديك ، هند و أمها ، النيل ، المسلول و عشرات من القصائد الأخرى من ديوانه الهوى و الشباب .
أتذكر بأني أحببت قصيدة المسلول لدرجة أني حفظت أبياتها كلها على الغيب بأقل من ساعة
وكنت أبحث عن بعض الأصدقاء للقيام بإلقائها وتمثيلها معي على مسارح الجامعة أو في التلفزيون العراقي و تأدية أدوار القصيدة الإجتماعية التراجيدية الرومنسية الرائعة ، لكني للأسف الشديد لم أجد أحدا يقوم بهذه الأدوار و لم يتوفر لدي الوقت لأني كنت أخرج من البيت في الساعة السابعة و النصف إلى الكليتين و أعود في المساء الساعة التاسعة . و بالمناسبة أحيي كل إخواني و أخواتي و زملائي و زميلاتي في الدراسة الجامعية ، متمنيا للجميع دوام الصحة والعافية . و عندما أقرأ هذه القصيدة بين حين و اخر يعود كل من الحنين و الذكريات إلى سنوات الدراسة الجميلة مع الأخوات و الإخوان في معهد اللغات الأجنبية وكلية التربية و الآداب . وهكذا تمضى السنون و تبقى الذكريات راسخة في الذاكرة و القلب و الوجدان .
أقدم لكم هذه القصيدة الرائعة آملا أن تنال منكم حسن الرضا و القبول .
و أرجو قرائتها عدة مرات .
دمتم جميعا بودي و تقديري .
المسلول نبذة مختصرة عن حياة الشاعر اللبناني المرحوم بشارة عبد الله الخوري الملقب بالأخطل الصغير نسبة إلى الشاعر الأموي الأخطل الكبير ، راجع : ديوان الشاعر .... بشاره خوري - منتديات برق المسلول لشاعر الحب و الغرام الأخطل الصغير المرحوم بشارة عبد الله الخوري حسناء ، أي فتى رأت تصد قتلى الهوى فيها بلا عدد بصرت به رث الثياب ، بلا مأوى بلا أهل بلا بلد فتخيرته ، وكان شافعه لطف الغزال وقوة الأسد *** ورأى الفتى الامال باسمة في وجهها ، لفؤاده الكمد والمال ملء يديه ، ينفقه متشفيا إنفاق ذي حرد ظمان والأهواء جارية كالسلسبيل ، متى يرد يرد روض من اللذات ، طيبة أثماره ، خلو من الرصد نعم أفانين ، يكاد لها يختال من غلواه في برد ماضيه ، لو يدري بحاضره ، رغم الأخوة مات من حسد *** سكران ، والكاسات شاهدة ، إن الكؤوس لها من العدد سكران لا يصحو كسكرته أمسا ، وسكرته غداة غد سكران ، وهي تزقه قبلا ويزقها ، وإذا تزد يزد سكران ، وهي تمص من دمه وتريه قلب الأم للولد سكران ، حتى رأسه أبدا لا يستقر لكثرة الميد قالت له : نم ، نم لفجر غد ضع رأسك الواهي على كبدي نم ، لا تسلط يا حبيب على مخمور جسمك قلة الجلد عيناك متعبتان من سهر ويداك راجفتان من جهد - لا ، لا أنام ولا أذوق كرى ، إن النهار مضى ولم يعد لا ، لا أنام و لا أذوق كرى ، أنا لست من يحيا لفجر غد سلمى ، أحس النار سائلة بدمي ، وتجري معه في جسدي وأحس قلبي فاغرا فمه للحب ، للذات ، للرغد إن ضاع يومي ، ما أسفت على خضر الربيع وزرقة الجلد *** نم لا تكابر ، كاد رأسك أن يهوي بكأسك ، غير أن يدي .. - يهوي ! .. نعم يا فتنتي ومنى نفسي ، وزهرة جنة الخلد يهوي ! .. ولم لا ، والشباب ذوى وعلى شبابي كان معتمدي لم تبق لي مني ، سوى رمق متراوح في أضلع همد ... رباه مذ يومين كنت فتى لي قوتي وشبيبتي وغدي واليوم ، أسرع للبلى ، وأنا لم أبلغ العشرين أو أكد سلماي إنك أنت قاتلي ! فجميل جسمك مدفني الأبدي وطويل شعرك صار لي كفنا كفن الشباب ذوى وكان ندي سلمى اطفئي الأنوار وافتتحي هذي الكوى لنسائم جدد ودعي شعاع الشمس يضحك لي فشعاعها يرد على كبدي ودعي أريج الزهر ينعشني وهديل طير الأيكة الغرد أنا ، إن قضيت هوى ، فلا طلعت شمس الضحى بعدي على أحد *** - أنا إن قتلتك كيف تحفظني إن صح زعمك ، حقظ مقتصد أو كنت مت لليلتي جهد يا مهجتي خفف ولا تزد - لا ، أنت محييتي ومنقذتي من عيشي المتنكر النكد أفأنت قاتلتي ؟ كذبت أنا ، لولاك كنت أذل من وتد لكنما العشاق ، عادتهم ذكر المنايا ذكر مفتئد يبكون من جزع للذتهم أن لا تكون طويلة الأمد .. قلبي لقلبك خافق أبدا ويظل يخفق غير متئد - إن كان ذاك ، فهذه شفتي من يشتعل في الحب يبترد *** وتصافحا فتعانقا فهما روحان خافقتان في جسد نهبا أويقات الصفاء ، وقد عكفا عليهما عكف مجتهد وترشفا كأس الغرام ، وما تركا بها من نهلة لصدي ومشى الهوى بهما كعادته ، والبحر لا يخلو من الزبد ... *** سنة مضت ، فإذا خرجت إلى ذاك الطريق بظاهر البلد ولفت وجهك يمنة ، فترى وجها متى تذكره ترتعد هذا الفتى في الأمس ، صار إلى رجل هزيل الجسم منجرد متلجلج الألفاظ مضطرب متواصل الأنفاس مطرد متجعد الخدين من سرف متكسر الجفنين من سهد *** عيناه عالقتان في نفق كسراج كوخ نصف متقد أو كالحباحب ، باخ لامعه ، يبدو من الوجنات في خدد تهتز أنمله ، فتحسبها ورق الخريف أصيب بالبرد ويكاد يحمله ، لما تركت منه الصبابة ، مخلب الصرد *** يمشي بعلته على مهل فكأنه يمشي على قصد ويمج أحيانا دما . فعلى منديله قطع من الكبد قطع تابين مفجعة مكتوبة بدم بغير يد قطع تقول له : تموت غدا وإذا ترق ، تقول : بعد غد .. والموت أرحم زائر لفتى متزمل بالداء مغتمد قد كان منتحرا ، لو أن له شبه القوى في جسمه الخضد لكنه ، والداء ينهشه ، كالشلو بين مخالب الأسد .. جلد على الالام ، ينجده طلل الشباب ودارس الصيد *** أين التي علقت به غصنا حلو المجاني ناضر الملد أين التي كانت تقول له : ضع رأسك الواهي على كبدي ؟.. مات الفتى ، فأقيم في جدث مستوحش الأرجاء منفرد متجلل بالفقر ، مؤتزر بالنبت من متيبس وندي وتزوره حينا ، فتؤنسه بعض الطيور بصوتها الغرد أما الحبيب فمذ خاف انتقال الداء لم يعد كتبوا على حجراته بدم سطرا به عظة لذي رشد هذا قتيل هوى بنت هوى و اذا مررت بأختها فحد * ** عن ديوان : ( شعر الأخطل الصغير بشارة عبد الله الخوري ،دار الكتاب العربي للنشر و التوزيع، بيروت- لبنان ، الطبعة الثالثة ، 1961 ، صفحة 252 – 259.) د .عدنان
ألمانيا في 24 أكتوبر 2016