الدعاء على
الأولاد والبنات … من
أقسى أنواع العقوبات
*
الحمد لله وحده .. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. نبينا محمد وعلى آله وصحبه
*
وبعد
*
جال في خاطري موضوع تربية الأبناء، فوجدت أن الآباء والأمهات حريصون كل الحرص على أن يتربى أبناءهم أحسن التربية، ولم أجد فيما جال في خاطري من يخالف هذا الأمر، وأظن أن القراء الكرام يوافقوني على هذا.
*
هذه التربية يخالطها شيء من الأخطاء، البسيطة وربما الكبيرة التي قد تسبب آثارا قاتلة ، يكون لها الأثر البالغ في نفوس
الأولاد ، وربما تؤثر بشكل كبير في مستقبلهم وقد*تتعدى إلى الذرية من أبناء وبنات
الأولاد .
*
لا تحسبون أني أبالغ ، فهذه حقيقة سأبينها لاحقا، العجيب أن كل هذا يحصل بحسن نية من الآباء والأمهات ، ولا ينتبهون*له إلا بعد فوات الأوان.
*
وقد استعرضت
أنواع العقوبات التي يمارسها الآباء والأمهات في مجتمعنا فوجدتها تتراوح مابين السب والشتم، ثم تتدرج إلى الضرب والإهانة البالغة ، وقد تصل إلى الطرد من البيت، وربما وصل الحال إلى القتل أو قطع بعض الأجزاء من جسم الولد، ثم تأتي بعد كل هذا عقوبة
الدعاء على الأولاد، وأظنها تتربع على رأس القائمة من شدة قسوتها.
*
واني اعرف رجلا اختلف مع ولده ، وبلغ الخلاف مداه، إلى أن قرر الأب أن يستخدم
أقسى يردع هذا الابن العاق ، وهو أن يقضي عليه بالقتل ، وفعلا أطلق عليه النار على مرأى ومسمع من الناس، لم يكون الولد يتصور أن يصل الحال بالولد إلى هذه الدرجة، صحيح انه كان عاقا وكان يقسو أحيانا على أبيه لكنه لم يخطر له ببال أن يشهر البندقية في وجهه يوما من الأيام، حينما أطلق عليه الرصاصة الأولى أصابت ذراعه ، فانهار الابن لما رأى أن الأمر جد، فسقط بين أرجل الأب الهائج يستغيث به أن لا يكرر إطلاق النار، لكن الأب كان قد اتخذ قرارا لا رجعة فيه، فافرغ المخزن (كله )في جسد ابنه الشاب ، حتى تمزقت أوصاله وتناثرت أشلاؤه.
*
تظنون أن الوالد استراح بعد هذه الحادثة ، يخبرنا من نقل الخبر أن الوالد أيضا لم يكن يتصوران يحصل ما حصل ، وقيل انه كان يتذكر ما حدث ويبكي بكاء حارا، وقيل انه كان لا يجد لنفسه جزاء إلا أن يضرب رأسه بجدار السجن، أتصور انه كان يتمنى أن لم يحدث هذا، وانه كان سيبذل كل ماله لشخص منعه من هذا الأمر، ولو بالقوة، لكنه القدر وقد فات الأوان.
*
إذن ما الفائدة من هذا الأسلوب الرادع، الذي استخدمه الأب.
*
وسمعت قصة من الشيخ محمد الدويش؛ المربي المشهور (حفظه الله)، يقول فيها ما معناه :أن رجلا عاقب ابنه بعقوبة كانت نتائجها فضيعة على الابن.
*
لقد اشترى الوالد فرشا جديدا لمجلس البيت*، وبرعونة الأطفال الصغار، اخذ الولد سكينا وقام يقطع في هذا الفرش ، انه لا يعقل العواقب، بل انه يظن أن الأب والأم هم الذين يحسبون العواقب، أفضل من
الأولاد ، *مع الأسف كان الوالد أيضا اشد قصرا في حساب العواقب من هذا الطفل.
*
لما رأى الأب هذا المشهد غضب غضبا شديد وفكر في
أقسى عقوبة، فقرر أن يربط يديه ورجليه بشدة ويمنع عنه الأكل والشرب إلا حين ، وقال للام إن أطلقت سراحه فأنت طالق.
*
صرخ الولد مستغيثا من الألم وطال صراخه وعويله ، لكن الوالد الغاضب يتعامى عن صراخه، وإلام يتقطع قلبها حسرة على ولدها مهما كانت خطيئته، لكنها مغلوب على أمرها إنها بين خيارين أحلاهما مر، فاستسهلت السكوت والصبر حتى يفرج الله الأمر.
*
وبعد طول صراخ سكت الولد، وطال سكوته والأب الغاضب لم يعر لسكوت الولد اهتماما، *لكن الأم ذهبت لتنظر الولد فرأت أمرا مفزعا، رأت أن أطراف الولد قد تغيرت إلى اللون الأزرق وقد تخثر الدم فيها، فصرخت تستغيث بالوالد الغاضب ، الذي ظهر عليه الذعر فجأة، وقرر على الفور فك قيوده ونقله إلى المستشفى.
*
فجاء تقرير الأطباء مخيبا لآمال الأب الرحيم القاسي، لقد قرر الأطباء دون تأخير بتر الأطراف الأربعة للولد لأنها تسممت وإذا تأخروا قليلا سوف ينتشر التسمم إلى باقي الأعضاء فتكون العواقب وخيمة.
*
تعرفون أن الوالد وقع على عملية البتر وهو يبكي ولم يستطع أن يتمالك دموعه، لان هذا اقرب الحلول المتاحة لسلامة ولده الحبيب.
*
ولما خرج الولد من غرفة العمليات وعاد إليه وعيه، نظر فإذا هو فاقد الكفين والقدمين، فرفع رأسه إلى أبيه الحزين ، وقال له ببراءة الأطفال : أبي أعد إلي إطرافي ولن اكرر خطأي أبدا .
*
إخواني الكرام /
هل نحن بحاجة إلى هذه الأساليب ، هل لأنهم ضعفاء لا يجدون من يدافع عنهم بعدك ، أم لأنك الجبار الذي تملك اتخاذ أي قرار في حق
الأولاد ولن يردعك رادع ، هل نحن نخاف الله في أولادنا ، وهو الذي ينصر المظلوم ولو بعد حين ، وإذا أفلتنا من عقاب اليوم فأين نذهب من عقاب يوم الحساب حينما نحاسب على الصغيرة والكبيرة ، والله لا يظلم الناس ولكن الناس أنفسهم يظلمون.
*
أين يقع
الدعاء على
الأولاد في هرم
العقوبات القاسية :
أنا أتصور أن بعض الأدعية التي يدعو بها الآباء والأمهات على الأبناء اشد فتكا من هذه
العقوبات ، قد تختلفون معي ومعكم حق، لكن لا تعجلون علي ودعوني اشرح لكم وجهة نظري، وانتم الحكم.
*
حينما تدعو الأم على ولدها العاق وتقول له : (الله يصيبك )، وهي أسهل
أنواع الدعوات التي نسمعها على الأبناء ، مع أن معصية الولد قد لاتصل إلى درجة العقوق، وإنما على مسائل تافهة مما يحصل غالبا في البيوت.
*
إذا صادفت الدعوة ساعة إجابة فتقبلها الله، ومرت الأيام فأصيب الولد بنفسه أو بأولاده أو بماله، بأي مصيبة قدرها الله عليه، وكان سببها دعوة الأم أو الأب، كم حجم الجناية التي جنت بها على ولدها.
*
ولو علم الأب أو الأم أن سبب تلك المصيبة هي الدعوة التي دعاها احدهما على الولد، كم ستكون الحسرة والألم في نفوسهما(الرحيمة) ، أنا أتوقع *أنهم لو خيروا قبل
الدعاء ، بالتنازل عن أغلى الأموال من اجل سلامة ولدهم ما ترددوا.
*
ولما تدعو الأم على ولدها بالدعوات المشهورات في مجتمعنا ، وهي حسب ما أسمع بعض الأمهات ، وعلى*سبيل المثال : جعل لك عمى ، نعيتك ، نعيت أبوك ، جعل لك الم ، جعل كسر ، جرحك ، جني شلك ، شلك (بتشديد اللام ، يعني الله يصيبك بالشلل) ، أجعلك بع ، وغيرها كثير أكيد انتم تسمعون غير هذه الدعوات .
*
اسمحوا لي أن اسميها : ( دعوات النساء اليافعيات .. على أبنائهن بالكوارث والنكبات ) ، ولا يعني أن غير أهل يافع لا يدعون على أبنائهم،*لكن لأني أعالج مشكلة في بلدي اخص نسائها بهذا ، وأتكلم بلهجتهم التي يعرفونها، وإلا فان الكارثة عامة في كل بلد، وقد سمعت من تدعو على أولادها بقولها:*( الله يخرب بيتك) ، (الله يقلعك ويقلع اللي خلفوك) ، كان يوم اسود يوم ما خلفتك ، وغيرها.
*
*أنا اعتبر أن هذا نوع من التفنن في
الدعاء على الأبناء، اخترعه الشيطان وزينه في قلوب الآباء والأمهات ، ضعيفي الإيمان ، قليلي الدين ، حتى تجد ان بعضهم يتفنن في ابتكار
أنواع الدعوات التي لم تسبق إليها من قبل ، الله المستعان
*
وللعلم أن دعاء الأب يكون أكثر جدية من دعاء الأم ، لأنه معروف بصبره وتحمله أكثر من الأم ، ومع ذلك هذا الركن الوثيق أذا بدأ يفقد أعصابه ويدعو على أبنائه ، مهما كانت الأسباب ومهما بلغت الأخطاء، أنه يسبب فعلا كارثة حقيقية تحل على هؤلاء المساكين من الأبناء وربما الأطفال الذين يدفعون ثمن طفولتهم البريئة.
*
مهما بلغ أذاهم بك لا يمكن أن يصل إلى هذه الدرجة :
*
كان يأتي الحسن والحسين والنبي (صلى الله عليه وسلم) يصلي ، فيركب احدهما على ظهره وهو ساجد والمسلمون وراءه سجود، فيطيل السجود ، حتى قال احد الصحابة: فرفعت راسي انظر ما الخبر، فوجدت الصبي على ظهر النبي، ورجعت إلى سجودي، فلما فرغ من سجوده قالوا يا رسول الله هل طالت الصلاة قال: لا*لم تطل، لكن ابني ارتحلني (ركب على ظهري مثل الراحلة ) فكرهت أن أعجله.
*
إشكال :
*
لما سالت بعض الأمهات لم تدعين على ابنك ، قالت أنا واثقة أن الله لا يستجيب دعائي في أبنائي، والجواب أن هذا كلام غير صحيح،على إطلاقه، *فمن يضمن أن الله لا يجيب
الدعاء بل العكس هو الصحيح ، فلو استجيبت دعوة واحدة فقط في العمر كافية بأن تقضي على الولد وربما تدمر كل شيء في حياته ، وأبين هذا فيما يلي:
1-*** أن هذا مقتضى الابتلاء في هذه الدنيا، فقد كلفنا الله تعالى أن ندعو بالخير ولا ندعو بالشر على الناس جميعا ، ويدخل
الأولاد من باب أولى ، قال تعالى : (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا)، لقد فسرها بالعجلة بمعنى إن الأب أو الأم يريدون تحقيق أمر معين، فلا يحققه الأبناء،*فيكون الحل الشيطاني العاجل هو
الدعاء عليهم.
2-*** روى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه )أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لا تدعوا على أنفسكم و لا تدعوا على أولادكم و لا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم *).
*
وهذا من تمام البلاء والنص واضح ولا يعقل ذلك إلا المؤمنين والمؤمنات الذين علموا حقيقة هذه الدنيا وحقيقة الآخرة ، وان الإنسان محاسب وهناك ثمن سيدفع إن عاجلا أم آجلا ، والأولاد يدفعون ثمن دعائنا عليهم في الدنيا أو في الآخرة.
*
**
هل فعلا دعاء الأم والأب على أولادهما لا يستجاب:
*
*سئل الشيخ عبد الله بن جبرين (رحمه الله) هذا السؤال
*
نرجو من سماحتكم أن توضحوا لنا عواقب دعاء الوالدين وخاصة الأم على أبنائها بالشر والموت لأتفه الأسباب، علمًا أنها لا تتمنى لهم هذا ولكن عادة لسان والتي استجابه الله لبعضهن من خلال القصص التي نسمع عنها. وشكرًا؟
*
الإجابة:
*
على الإنسان ذكر أو أنثى أن يحفظ لسانه ويصونه عن الكلام السيئ الذي يخشى عواقبه، وذلك لأنه مكتوب عليه لقول الله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وقال بعض السلف: من علم أن كلامه من عمله؛ قل كلامه إلا فيما يعنيه.
*
وهكذا أيضًا يتجنب المسلم ذكرا أو أنثى
الدعاء على أولاده أو نفسه أو ماله؛ فقد ورد في الحديث الصحيح: عوا_على_أنفسكم،_ولا_على_أولادكم،_ول”>عوا_على_أنفسك م،_ولا_على_أولادكم،_ول”>عوا_على_أنفسكم،_ولا_على_أو لادكم،_ول”>لا تدعوا على أنفسكم، ولا على أولادكم، ولا على أموالكم، لا توافق من الله ساعة، لا يُسأل فيها شيئًا إلا أعطاه فعلى هذه الأم أن تُعوِّد نفسها التحمل والصبر وعدم الدُعاء على أولادها ولو كانت لا تقصد ذلك حقيقة، فعليها أن تُعوِّد لسانها الكلام الطيب فتدعو لهم بالهداية والصلاح والاستقامة.
*
*ومع ذلك فإن الله سبحانه يعلم ما في قلبها، ولذلك لا يستجيب مثل هذا
الدعاء كما قال الله تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ قال بعض المُفسرين: هو قول الرجل لماله إذا غضب اللهم لا تُبارك فيه والعنه ـ يعني أنه يدعو على ماله وعلى ولده في حالة الغضب وهو غير صادق ـ فلو استجاب الله دعائه لأهلك ماله وولده،
*
*ومع ذلك فقد يقع هذا
الدعاء في أوقات الإجابة فيندم ذلك الإنسان ويتمنى أنه ما دعا على أولاده ولكن بعد فوات الأوان. والله أعلم.
*
وكما هو واضح في فتوى الشيخ (رحمه الله ) أن الدعوة قد يستجاب لها وقد لا يستجاب ، فلماذا المغامرة بمستقبل أولادنا وفلذات أكبادنا ، هل يصعب علينا أن نغير عاداتنا، أم أن الشيطان والهوى هو الذي يتحكم بتصرفاتنا.
*
*
*فأوصي نفسي وإخواني وأهلي ومن بلغه هذا باجتناب هذا الأمر الخطير، فقد يصادف ساعة إجابة فيقبل
الدعاء ، ولولا فضل الله ورحمته لهلكنا وهلك
الأولاد جميعا من كثرة من يدعو عليهم من أبائهم وأمهاتهم ، والله المستعان…
*
*