مابين عَلِّمْنِي و علَمَنِي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدلله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، أما بعد :
يارسول الله عَلِّمْنِي ...، جملة ترددت من الصحابة في مواقف كثيرة، ماأجملها من حروف تحمل بين طياتها محبة لاتوصف لطلب الزيادة في العلم، وتجعل التواضع عنوانا لها، وطلب الخير طريقا لها ، فتمضي تلك النفوس ولسان حالها دلني يارسول الله أين الطريق، وفي مقدمة الركب خليفة رسول الله، جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهماـ أن أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال: «قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي من عندك مغفرة إنك أنت الغفور الرحيم» (رواه البخاري).
نظرنا حال الخليفة فكيف حال عامة الناس، وهل حملوا ورددوا شعار علمني يارسول الله
تعال معي، وتأمل الحرص العجيب،
قال أنس رضي الله عنه :
جاء أعرابي الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
يا رسول الله علمني خيرا
فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده فقال
:قل : (سبحان الله ، والحمد لله ،ولا اله الا الله والله اكبر )
قال : فعقد اﻷعرابي على يده ، ومضى ،
فتفكر ثم رجع فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
تفكر البائس فجاء
فقال يا رسول الله: سبحان الله والحمدلله لا اله الا الله والله اكبر هذا لله، فمالي ؟
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :
يا أعرابي: إذا قلت :سبحان الله، قال الله : صدقت .
وإذا قلت: الحمد لله، قال الله : صدقت .
وإذا قلت: لا اله الا الله، قال الله : صدقت .
وإذا قلت: الله أكبر، قال الله : صدقت .
وإذا قلت :اللهم اغفر لي، قال الله : فعلت.
وإذا قلت: اللهم ارحمني، قال الله : فعلت .
وإذا قلت: اللهم ارزقني، قال الله :قد فعلت .
قال فعقد الأعرابي على سبع في يده ، ثم ولى.
رواه البيهقي في شعب الايمان وقال الألباني حسن لغيره.
وشاهد الحديث: يارسول الله علمني خيرا، حملوا اللواء الذي جعلوا عنوانه (علمني)، فكم مرة قلت أنا وأنت هذه الكلمة ونطقناها ورددناها على أسماع علمائنا.
ثم تحول الصحابة بعدذلك إلى مرحلة أخرى، ألا وهي نقل ماتعلموه لغيرهم، والنقل أمانة ومن كتم علما ألجمه الله لجاما من نار يوم القيامة، فتجدهم ينقلون ماعلمهم رسول الله ولايكتمون،
ويقولون ويرددون:
( علَمَنِي رسول الله...) جاء في السنن الكبرى للبيهقي : قال أبو موسى أما تدرون كيف تصلون!
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فعلمنا صلاتنا وبين لنا سنتنا فقال إذا صليتم فأقيموا صفوفكم فإذا كبر فكبروا وإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين.....)
وشاهدنا علمنا رسول الله، ينقلون ماتعلموا، وينشرون مافقهوا، وهذا ابن مسعود ينقل ماتعلم من رسول الله،
ويقول : (علمنا رسول الله خطبة الحاجة إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره....) رواه أحمد والترمذي وصححه وغيرهما.
بل ومن جاء بعدهم تعلم منهم، ثم مضى ينشر العلم ويجول بين الناس مصباحا منيرا، بعد أن طلب العلم من منابعه، واسمع لأحدهم يقول في الحديث الذي رواه أحمد: (علمنا علي وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصب الغلام على يديه حتى أنقاهما....)
منهج في العلم لابد منه،
أولا طلب العلم من منابعه، والسؤال مفتاح
للعلم، ثم بعد ذلك نشر العلم، فكم من متصدر
قد سلك هذا الطريق، وعمل بهذا المنهج في مسيرته، لتحسن سيرته.
والحمدلله أولا وأخيرا
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.