:0c4::0c4::0c4
من فضل الله عز وجل ورحمته أن جعل العبادات متنوعة لعباده،
ليقبلوا عليه بها فيزيد من حسناتهم، ويغفر لهم سيئاتهم، ومن هذه العبادات الحج، ففيه منافع كثيرة ليست للحجاج فقط، فهو موسم طاعات للحجاج وغيرهم، فإن كان الحجاج قد شرع الله لهم شعائر يؤدونها في الحج،فإنه سبحانه شرع لغير الحجاج أعمالاً يتقربون بها إليه في نفس الموسم،رحمة منه سبحانه وكرماً وفضلاً،
لأن الحج عبادة لا يكلف بها المسلم أو المسلمة إلا مرة واحدة في العمر،وفي حال الاستطاعة،
وهناك من المسلمين لم يحجوا لعدم الاستطاعة،سواء كانت عدم استطاعة مالية أو صحية أو أمنية أو غيرها،
الواحد في هذا العمر الطويل لا ينفق في هذه العبادة إلا أسبوعين أو ثلاثة أسابيع،أو قل،والآن نسمع عن الحج السريع
،فلماذا يختار الله عز وجل هذه العبادة العارضة في حياة المسلم ليجعلها أساساً لهذا الدين،وعموداً من أعمدة الإسلام،وليس مطلوباً منك هذه الفريضة إلا مرة واحدة في العمر وفي حال الاستطاعة،وإن لم تكن مستطيعاً فليس عليك شيء،
هناك فوائد تتحقق في الحج وتغير من حياة المسلم الذي أدى هذه الفريضة، بحيث تكون هذه الزيارة العارضة لبيت الله الحرام سبباً في صلاح الفرد رجلاً كان أو امرأة،ومن ثم يصلح الحج،ليكون ركناً من الأركان التي يبنى عليها الإسلام،
هناك فائدة ما تعود على عموم الأمة سواء كانوا من الحجاج الذين يحجون كل سنة،أو من الحجاج الذين يحجون مرة واحدة فقط في العمر،ومن أجل هذا جعله الله ركناً أساسياً في بناء الإسلام،
بين الحج ويوم القيامة،أن أهم منفعة من منافع الحج أنه يذكّر الحجاج وغير الحجاج،بيوم القيامة،فوجه الشبه كبير جدًّا بين الحج ويوم القيامة،الحاج يمرّ بأكثر من موقف يذكّره بيوم القيامة،التي مرّ بها في حجه،
وقد وضع الله محبة الحج في قلوب كل المسلمين،فتجد أن غالبية المسلمين لديهم الحرص الشديد على أن يحجوا، ليبقى موسم الحج موسماً لتذكير الأمة بهذه المنافع العظيمة وبيوم القيامة،
للحج ارتباط كبير بيوم القيامة من حيث ضخامة الأعمال، وشدة الزحام، وكثرة الجمع،حتى إن السورة المسماة بسورة الحج، وقد تضمنت خبر بناء البيت، وأذان الخليل بالحج، وذكر الضحايا والهدايا، وأعمال القلوب في المناسك،
هذه السورة العظيمة قد افتتحت بمشاهد يوم القيامة(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ،يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)الحج،
إن من تأمل الحج وجده مذكر بيوم القيامة؛ فالحاج مسافر،لا يدري ما يعرض له في سفره ولا في أداء مناسكه،
ولذا تأكد أن يؤدي الحقوق التي عليه، وأن يكتب وصيته،والإنسان في الدنيا في سفر، والمخاطر تحيط به، والمنايا تتخطفه، ونحن نرى كثرة موت الفجأة في الناس،
وبالإحرام يتجرد الحاج من ثيابه،ويلبس الإزار والرداء، فيترك ثياب الزينة والطيب، ويمسك عن شعره وأظفاره، وهذا يذكره بالموت والكفن، وترك الدنيا وزينتها
، فلا رفيق له فيه سوى عمله،فإما عمل صالح يؤنسه ويسعده، وإما عمل سيء يزعجه ويعذبه، ويتذكر الحاج وهو في هذه الحال قول الله تعالى(وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ)الأنعام،
والحج من العبادات التي تكثر فيها التنقلات بحسب المناسك، فانتقال من حال إلى حال، ومن مكان إلى مكان، ومن عمل إلى آخر،انتقال من الميقات إلى الحرم، ومن الحرم إلى منى ثم إلى عرفة، ثم العودة إلى مزدلفة فمنى فالحرم،
وانتقال في الأعمال من الإحرام إلى الطواف والسعي، ثم المبيت بمنى، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، ورمي الجمار، وذبح الهدي والإحلال، ثم الطواف بالبيت، فالمبيت بمنى ورمي الجمار أيام التشريق، فوداع البيت،أيام قلائل، مزدحمة بالأعمال،ويرى الحاج وهو يتنقل في المشاعر لأداء المناسك وإظهار الشعائر مئات الألوف يسيرون معه،وبالازدحام تحرك القلوب رهبة مما يخشى حدوثه، ورغبة في إكمال النسك،
وهذا يذكر بيوم القيامة في يوم وصف بأنه كألف سنة،جاء في سورة الحج في قول الله تعالى(وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)الحج،
إن تنقلات يوم القيامة تشمل تنقلات المكان والأحوال،فمن بعث القبور إلى أرض المحشر، ودنو الشمس من رؤوس الخلق، وشدة الزحام، وكثرة العرق، واشتداد الكرب، وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم،لأهل الموقف، ثم الحساب، فعرض الصحف، ووزن الأشخاص والصحف والأعمال،والمرور على الصراط، وغير ذلك من تنقلات إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار،
واختار الله تعالى لأداء المناسك ليذكر الحجاج بحر يوم القيامة، وقرب الشمس من رؤوس الخلق، وغزارة العرق فيه،ولكن رغم طول يوم القيامة،فإن من الناس من لا يحسون بطوله،لأنهم مستظلون بظل الرحمن سبحانه، قد يسر الله تعالى حسابهم، ويمن كتابهم، وثقل ميزانهم، فيكون يوم القيامة عليهم كنصف نهار فقط، فيقيلون في الجنة كما قال الله تعالى(أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا)الفرقان،
وبين سبحانه يسر الحساب عليهم فقال تعالى(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ،فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا،وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا) الإنشقاق، بخلاف أهل الكفر والنفاق الذين يعسر عليهم الحساب كما قال تعالى(فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ،عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ)المدثر،
وفي أداء المناسك يلاحظ الافتراق بين الناس،فمنهم من يعينه الله تعالى،على أداء النسك بيسر وخشوع ولذة، حتى تنتهي أيام الحج ولما يشعر بها، ويجد لذتها وحلاوتها في القرب من الله تعالى، والتقلب في أنواع العبادات،
ومنهم من تمضي عليه أيام المناسك وهو في جدال وشقاق وخصام، لم يستشعر حرمة الزمان والمكان، ولا عظمة ما هو متلبس به من الإحرام،
وحين يرى الحاج تدفق الجموع على عرفة لتحقيق ركن الحج الأعظم، ثم يبصر امتلاء صعيد عرفة بهم وقد استقروا بها، وهم يجأرون إلى الله تعالى بالدعاء يتذكر الجمع العظيم، والموقف الكبير بين يدي الله عز وجل( حين يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي وتدنو منهم الشمس)رواه البخاري ،ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه،
وعندما يودع الحجاج البيت الحرام، ويخرجون من مكة إلى ديارهم يحسون براحة عظيمة، وسعادة كبيرة بسبب أدائهم للمناسك، وتحمل المشاق والزحام في سبيل ذلك، ويلهجون بحمد الله تعالى على ذلك،لا يكاد أحد قد حج إلا ويحس بهذا الإحساس، ويشعر بتلك اللذة،
وكذلك أهل الجنة إذا جاوزوا الحساب، واجتازوا الصراط،علموا أنهم قد فازوا فوزاً كبيرًا، وحازوا ثواباً عظيماً،
حينها يحسون براحة لن تنقطع، وسعادة لا تنفد، وقد قيل للإمام أحمد رحمه الله تعالى،متى الراحة،فقال،الراحة عند أول قدم تضعها في الجنة،
ولئن فاتكم شرف الحج هذا العام ،فقد شرع الله تعالى لكم صيام يوم عرفة،فإن صيامه يكفر سنتين فضلاً من الله تعالى لكم،كما في حديث أبي قتادة رضي الله عنه،أن النبي صلى الله عليه وسلم،قال(صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده)رواه مسلم،
عظموا الله تعالى في هذه الأيام العظيمة، وأكثروا من ذكره، واشكروه على ما أعطاكم، وكبروه على ما هداكم،
نسأل الله تعالى أن يرزقنا حسن الاستفادة من هذه الأيام، وأن يعيننا على اغتنامها على الوجه الذي يرضيه،وعسى الله أن يكتب لنا حج بيت الله الحرام،والفوز في الآخرة، وأن يحفظ الحجاج من كل سوء ومكروه، وأن من أراد انتهاك حرمة المسجد الحرم، أن يرد عليهم كيدهم، ونعوذ بالله من شرورهم.
:0c4::0c4::0c4: