بسم الله الرحمن الرحيم
الدنيا
أمنية أهل الآخرة جميعا . فكل يرجو الرجوع إليها , لا ليستزيد من متاعها ويستكثر من زخارفها وحطامها ,
وإنما ليصحح الملة ويتوب من زلة ويتنافس في الخير كله .
أرأيت أهل
الجنة في نعيمهم المقيم , وخيرهم العميم ,فيما لاعين رأت , ولاأذن سمعت ,
ولا خطر على قلب بشر في النعيم الذي لا يكدره سخط , والراحة التي لايشوبها عناء , والسعادة التي لا يخالطها شقاء ,
فيما تشتهيه النفس , وتلذ الأعين ,
وهم على الرغم من ذلك يتمنون أن يعودوا إلى الدنيا فيعملون بالصالحات ليرتفعوا في المنازل والدرجات ,
قال صلى الله عليه وسلم
((إن أهل
الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق إلى المغرب، لتفاضل ما بينهم.
قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم.
قال: بلى، والذي نفس محمد بيده رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين
البخاري
وتأمل ــ إن شئت ــ حال الشهداء الذين قدموا أرواحهم ودماءهم رخيصة لله رب الأرض والسماء ,
عن مسروق قال: سألنا عبدالله (هو ابن مسعود) عن هذه الآية:
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169]،
قال: أَمَا إنَّا سألنا عن ذلك، فقال:
((أرواحُهم في جوفِ طيرٍ خُضْر، لها قناديل معلَّقة بالعرش، تسرحُ من
الجنة حيث شاءتْ، ثم تأوي إلى تلك القناديل،
فاطلع إليهم ربُّهم اطلاعةً، فقال: هل تشتهون شيئًا
قالوا: أي شيء نشتهي، ونحن نسرح من
الجنة حيث شئنا
ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يَسْأَلوا،
قالوا: يا رب، نريد أن تردَّ أرواحَنا في أجسادِنا حتى نقتلَ في سبيلك مرةً أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُركوا))
رواه مسلم
فإن كانت هذه
أمنية أهل
الجنة , فما بالك بأماني أهل النار
وهم الذين في جهنم يجشرون وعلى وجوههم يسحبون وفي الأغلال يصفدون ,
في الشقاء الذي لا سعادة معه والكدر الذي لا أنس فيه ,
ولا أمل في الخروج منه , وهم يصطرخون فيها :
( قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ﴿106﴾ ) المؤمنون
ربنا : أشقينا أنفسنا بالذنوب والخطايا والمعاصي والرزايا , فأرجعنا إلى الدنيا
{ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } فاطر37
فيأتيهم الجواب الذي تتقطع لهوله القلوب ولحسرته الأفئدة :
{ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ﴿37﴾ } فاطر
ف يا اعزائي
ما زلنا في الأمنية وما زالت الفرصة أمامنا , والطريق بين أيدينا ,
فلنجد المسير إلى السميع البصير , ولنفق من هذا السبات قبل أن يأتينا الممات
فقد دنا الرحيل والزاد قليل والسفر طويل والخطب جليل والله المستعان .
ملاك الأمر تقوى الله فأجعل ^ تقاه عدة لصلاح أمرك
وبادر نحو طاعته بعزم ^ فما تدري متى يمضي بعمر
ه