لا تهدر اللوم فينا سداَ ..
فإننا نغمض العيون تعمداَ حتى
نتفادى رؤية (
الحقائق ) ..
ثم نجتاز بالتحايل سواحل تلك (
الحقائق ) ..
والظن فينا أننا بذلك
نتفادى موجبات الأقدار ..
رغم أن ذلك التحايل لا يغني عنا مشقة السير فوق جمرات النار حفاة حين يقع المقدور ..
ومهما
نتفادى تلك (
الحقائق ) اجتهاداً نجدها هي الماثلة مثل قرص الشمس في وضح النهار ..
ومع ذلك فإننا نفضل المغريات التي يبديها الخيال ..
فنحن نجد (
الحقائق ) تتجسد أمامنا طولاَ وعرضاَ ووزناَ وكتلة وأحجاماً ثم نحسبها من الأوهام والسراب ..
ثم ننكر تواجدها بإصرار ..
ونقول أن تلك (
الحقائق ) شبح يفقد الأبعاد والألوان والأوزان والأصوات ..
وحال الناس كحال النحلة التي تتسلق الأزهار بمهارة طوال اليوم غير مكتفية بالقليل من القناعة ..
وذلك رغم أن (
الحقائق ) تقول أن هنالك غد وبعد الغد سوف يكون غد ..
والناس تكافح وتكد وتجد بغير جدوى لإقناع الأنفس بأن المتوفر أمام الأعين هو قبس من السراب والضباب ..
وتلك حجج نخلقها تعمداَ خوفاً من (
الحقائق ) ..
ولا يريد أحد أن يواجه (
الحقائق ) وجها لوجه ..
رغم أن تلك (
الحقائق ) لا تقبل المراوغة والمساومة في نهاية المطاف ..
فنحن نخدع الذات بغشاوة مصطنعة مع العلم يقيناَ بأن ذلك من سابع المستحيلات ..
ويخال لنا أن إنكار الجروح والدماء قد يطرد الآلام والتبعات ..
كما يخال لنا أن إدعاء الموت قبل موسم الموت قد يمثل سابقة تمنع الموت !..
والأمنيات في الأعماق هي أن تتحول تلك (
الحقائق ) فجأة إلى أضغاث أحلام في المنام ..
والغاية من تلك الأمنيات أن تذاب (
الحقائق ) لتكون عدماً أو لتكون مطابقاً لمشتهيات الأنفس ..
وبذلك نخادع الذات بفرية التعامي والنسيان ..
وحينها ترقص القلوب طرباَ وفرحاَ وكأنها قد نالت المنال والمرام ..
ولكن هيهات وهيهات فتلك الأنامل ما زالت تلامس أطراف (
الحقائق ) ..
وتجربة الوخز بأسنان الدبابيس تؤكد أن الآلام لا تزال قائمة تزعج الأبدان ..
والتجارب قد أثبتت بأن المذيبات لا تذيب الألماس ..
مما تبعد كلياَ حيلة الأحلام والكوابيس والنعاس ..
مجرد محاولات فاشلة وخائبة لتغطية قرص الشمس بكفة اليد ..
وتلك الكفة قد تحجب قرص الشمس عند فتحة العين فقط ..
ولكنها لا تستطيع أن تحجب أو تنكر كلياً حقيقة الشمس في الكون ..
ولو تكاتفت الأيدي وتعاونت بالاجتهاد في غربلة الأمور حتى تسقط (
الحقائق ) من فتحة الغربال ضمن المسقوطات فإن (
الحقائق ) تعجز الغربال ..
لأن فتحات الغربال أقل شأناَ وحجماَ في تمرير وإسقاط تلك (
الحقائق ) ..
بل أكثر من ذلك فإن المردود يكون قاتلاَ لأن الغربلة تجسد (
الحقائق ) عياناً وبياناً بقدر لا يقبل الإنكار والجدل والنقاش ..
ومع ذلك فإن الإنسان كان أكثر شيء جدلاً ..
وهو ذلك الإنسان الذي يتوهم دائماَ النباغة والشطارة ليهرب من مواجهة (
الحقائق ) ..
وأيضاً من علامات التحايل والشطارة لدى الإنسان أن يغمض العينين حتى يجعل الحقيقة الموجودة أمام العين عدماً !..
وفي تلك الحالة هو مثل النعامة التي تدفن الرأس في الرمال وتقول في نفسها :
ما دمت لا أرى الآخرين فإن الآخرين لا يروني !! ..
وبذلك فالإنسان يتصرف ليوهم الآخرين بأنه صادق في المزاعم وأن (
الحقائق ) غير قائمة ..
والقصد من ذلك
أن يحصل على دعم وسند الآخرين تحت فرية تلك الأكذوبة ..
ولكن لابد عاجلاً أم آجلاً أن تتجلى (
الحقائق ) في يوم من الأيام ..
ويقال أن ( الحقيقة ) مثل الفلين المطموس في قاع المياه ..
ولا بد له أن يطفو على السطح في يوم من الأيام ..
وأيضاً حكماء الناس يقولون :
أن (الحقائق ) مثل ضوء الشمعة
لا يقدر على إطفائه كل ظلام الكون
رغم البون الشاسع في الحجم والمقدار ..
فالثوابت هي الثوابت .. والحقائق هي
الحقائق ..
ومهما تجتهد الإدعاءات فالنهايات لا بد أن تدور حول محور (
الحقائق ) ..
ولكن المحك وكل المحك يتمثل عندما يجعل الإنسان الساحات ظلاماَ وقتاماَ ومكراَ ونفاقاَ وخداعاً لتغطية أضواء (
الحقائق ) !!.
وحينها نجد أن تلك الساحات تعج بالأكاذيب والافتراءات التي تجتهد لتحجب (
الحقائق ) ..
وكلها زوابع ورعود في الفناجين ..
وقد شاعت بين الناس أمطار الكذب والنفاق تلك التي تجتهد ليلاً ونهاراً لإخفاء (
الحقائق ) ..
وتلك الأمطار الهزلية لا تمطر في منطقة بعينها لتشير إليها البنان ..
ولكنها تمطر في أغلبية المناطق حول العالم ..
واللوم ما زال قائماَ على أمم تتفادى (
الحقائق ) ثم تشتكي من واقع الأحوال ..
وتلك عجلات التقدم فيها تتدحرج بوتيرة مخزية نحو القاع
فيا أسفاَ على أحوال أمم وشعوب
تدنت حين تعمدت القلوب أن تنكر
(
الحقائق )