نقطة انتباه! طالب علم أم طالب شهرة؟ بعض الأغرارِ من طلَبة العلم يَقيس مكانتَه بكثرة المعجبين، ويَجعلها دليلًا على فضله، والحقُّ أنَّه لو كان الأمر كذلك لكان الفنَّانون ولاعبو الكرة أفضلَ منه وأعظم مكانةً؛ فالنَّاس أكثرُ إعجابًا بهم، وهم أوسَع شهرةً وانتشارًا من طالب علمٍ لا يَكاد يَعرفه سوى أفراد، مع أنَّهم لا يقدِّمون للناس شيئًا نافعًا؛ بل أكثر الخلق شهرةً ومكانة عند أتباعه إبليسُ، وقد أضلَّهم وأغواهم، وإنَّما المكانة عند الله وحده، لا عند الناس، هو الذي يَرفع ويضَع، ويظهِر ويخفِي، ويَجمع ويفرِّق، والفَضل فيما يَنفع النَّاسَ ممَّا تقدِّمه إليهم؛ فهو الذي يَمكث في الأرض، لا في كَثرة المعجبين؛ فهي عرَض زائل، وجِدار مائل، وليسَت برهانًا صادقًا على الدَّعوى، بل هي ممَّا عمَّت به البلوى، وقد علمتَ أنَّه يأتي النبيُّ يومَ القيامة ومعه الرَّجل والرجلان والثلاثة، ويأتي وليس معه أحد! فأين هذا من الملاحِدة والعلمانيِّين الذين بهروا ملايينَ الشَّباب، وفتَنوهم بأفكارهم الخبيثة، فأُعجبوا بها واتَّبعوها؟! أفيكون هذا دليلاً لفضلهم على الأنبياء الذين قلَّ أتباعُهم؟! ومَن كان من أهل العلمِ دَأبه النَّظر إلى هذا، فقد أقام بنَفسه الدَّليلَ على عدَم إخلاصِه، فلا تَرقب له فلاحًا حتى يَرجع؛ فقد أنفق عمرَه وراء السَّراب، ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39]!
وإنَّما يَفرح بالشهرة طلَّابُ الدنيا، فأمَّا طلَّاب الآخرة فيَفرحون بفضل الله عليهم في نفْع الناس! وليت شِعري إذا كان هذا فِعل المبتدئين، فما الظنُّ بالمنتهين؟! على أنَّ أكثر الفِطَر قد انتكسَت، وأمور العقل قد انعكسَت، وإلَّا فلو رأيتَ صورةً عليها آلاف الإعجابات، ومقالةً نافِعةً عليها إعجاب واحد، فما تسمِّي هذا في ميزان الفِطَر والعقول؟! ومن النَّاس من يَستجدي الإعجاب ويتسوَّله، فيضطرُّ إلى المجاملَة بالإعجاب على توافِه التَّعليقات والمنشوراتِ حتى لا يَنقطع سيلُ الإعجاب عنه، ولو لم يجامِل لانقطَع، ولْيجرِّب إن كان صادقًا! فلا واللهِ لا يَفعل ذلك واثقٌ بنفسِه، ولا معتزٌّ بعلمه، ولا مخلص لربِّه! ومن النَّاس من تَمنعه سخائمُ النَّفس من الإعجاب، ومنهم من تَمنعه كثافةُ الحجاب...، إلى أمور أخرى كثيرة. وما يضرُّ العاقلَ أن يَستفيد الناس بعلمه، وأنَّهم لم يُظهِروا إعجابَهم به؟! اللهمَّ ردَّ إلينا عقولَنا من غَيب الغَفلة إلى شُهود اليَقَظة، وأخرِج بصائرَنا من ظلمات الوهْم والشكِّ إلى نور الحقِّ واليقين. ا ..
|
|
|