فى البداية تحدثنا مع أحمد جميل - موظف - يقول : ابنى يظل صامتا أغلب أوقاته وإذا تحدث يكون بصوت منخفض ولا ينظر فى عين من يتحدث إليه ولا يحب أن يلعب مع أصدقائه فى المدرسة أو مع أبناء الجيران مما يجعلنى أشعر بالقلق عليه خصوصا أنه يبلغ من العمر 10 سنوات ، وعندما أسأله لماذا لا تحب اللعب مع الآخرين ؟ لا يجيب على سؤالى، وعندما توجهت للمدرسة للسؤال عنه وعن مستواه الدراسى علمت بأن بعض الزملاء يسخرون منه ويضايقونه.. وطلبت من المدرسة معاملة ابنى معاملة خاصة فيها رعاية وحب واهتمام وعدم الاستهزاء به والسخرية منه سواء من التلاميذ أو المدرسين .
وتقول نيرمين حبيب - ربة منزل - : إننى لا أنكر خوفى الشديد على ابنى الوحيد فلم أنجب غيره، فأخاف أن أرسله إلى السوبر الماركت القريب من البيت لشراء شىء ما ولا أحب أن يلعب مع الآخرين كى لا يصيبه أى مكروه كتعرضه لحادث سيارة أثناء لعبه فى الشارع وأيضا لا أحب أن يخرج لوحده كما أننى أحب تدليله بشكل مستمر، ورغم ذلك أصبحت أشعر أن أسلوبى جعله لا يستطيع أن يتفاعل مع الآخرين ويكون صداقات داخل المدرسة .
أما حسين عبدالستار - موظف - يقول : أجد ابنى البالغ من العمر 11 سنة شارد الذهن عندما أتحدث معه ونفس الشكوى من المدرسين حيث إنه أثناء الشرح يكون شارد الذهن أيضا، ولا يحب أن يتحدث مع أحد لدرجة أننى طلبت من مدرس مادة العلوم إدخاله فى مجموعة عمل مع زملائه فى معمل المدرسة والتحدث معه وتشجيعه على الإجابة والإندماج مع زملائه فى عمل مشترك.
وترى راجية السباعى - موظفة - : أن قضاءها ساعات طويلة خارج المنزل للعمل أثر على شخصية أبنائها وخصوصا ابنتها التى تبلغ من العمر 6 سنوات فتقول.. عندما أعود من عملى أجدها لا تلعب مع أحد وتفضل أن تلعب بألعابها لوحدها وعندما أتحدث معها لا تجيب على بشكل سريع ولا تريد الخروج من المنزل إلا معى فقط ، وهذا يؤرقنى بشدة خصوصا وهى مقبلة على مرحلة المدرسة لذلك أسعى جاهدة للبحث عن حل لخروج إبنتى من حالة الانطوائية هذه من خلال التحدث مع أصدقائى على الإنترنت وقراءة كتب تتحدث عن الشخصية الانطوائية .
يستكشف أفكاره
يقول الدكتور عبدالمنعم شحاتة - أستاذ علم النفس بجامعة المنوفية :
إن الطفل الانطوائى يعانى من الشعور بالوحدة والإقصاء والخوف الدائم وعدم الثقة بالنفس مما يجعله ينشأ فى المستقبل ضعيفا غير قادر على التعامل مع الآخرين وعلى تطوير ذاته فإذا قابلته مشكلة صغيرة ينهار نفسيا مع أنه يتصف بالحيوية والنشاط عــندما يكـون وحيدا ويفتقد لذلك عندما يكون مجتمعا مع زملائه أو أقاربه.
ويعتقد البعض أن الطفل الانطوائى خجول وهذا ليس شرطا فالخجول عادة يتصف بالعصبية والقلق والخوف وينتج الخجل عن الإحساس بالتهديد والخوف .. كالخوف من عقاب الوالدين فى الأسرة أو المدرسين فى المدرسة ، والطفل الانطوائى أكثر ما يهتم به هو التفكير واستكشاف أفكاره ومشاعره والعالم الداخلى لعقله ويفضل التجنب وعدم التواصل مع الآخرين لأنهم يستنزفون طاقته حتى لو كان لديه مهارات اجتماعية جيدة، وعندما يقضى وقتا مع الآخرين يحتاج أيضا وقتا لاستعادة طاقته .
وعن كيفية معاملة الطفل الانطوائى ينصح د. عبدالمنعم الوالدين بضرورة خلق جو مناسب للطفل يشعره بالراحة فى المواقف الاجتماعية كمدحه اثناء عليه أمام الآخرين وفتح مجالات للحوار معه كى يتم تنمية المهارات الخاصة بالتواصل مع الآخرين والتى تمكنه من تكوين الصداقات والشعور بالسعادة .
وفى ذات الوقت يجب عدم الضغط عليه فى موقف اجتماعى معين كذهابه للنادى أو لإحدى حفلات زفاف الأقارب أو الأصدقاء.
وعلى الأم أن تكون مستعدة للجلوس مع الطفل حتى يكون على استعداد للاندماج مع الآخرين .
عشاء خارج المنزل
ويمكنك عزيزتى الأم أيضا أن تدربى طفلك فى المنزل على كيفية التحدث مع الآخرين لأول مرة .
وإذا كنت تتناولين العشاء مع طفلك فى مطعم خارج المنزل فيمكنك أن تطلبى منه أن يطلب بنفسه ما يريده ، وإعطاء الطفل الوقت الكافى حتى يستجمع أفكاره ويتحدث بنفسه ، كما يجب تذكيره بأنه إذا ظل يتحدث بصوت منخفض ولا ينظر لعين الشخص الذى يتحدث معه فإن مثل هذا الأسلوب سوف يظهره بأنه لا يريد التحدث مع الآخرين.
ويحذر الوالدين من سب وإهانة الطفل وتعنيفه على أنه يحب العزلة وتوجيه كلمة «أنت انطوائى» له بل يجب إقناعه بأنه طفل متفائل واجتماعى وقادر على التغلب على الصعوبات التى تواجهه وعدم السخرية منه إذا أخطأ.
وعلى المدرسة دور أيضا فلابد من تدريب الطفل على المهارات الحياتية الخاص ببناء العلاقات الاجتماعية الناجحة بطريقة منظمة مع استبعاد الأحاسيس السلبية من نفس الطفل من خلال خلق تواصل إيجابى من خلال التعامل الجيد للمدرسين مع الطلاب، وعدم السخرية منهم.
يعبر عن رأيه
ويضيف الدكتور فوزى عبدالرحمن - أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس - قائلا : الطفل المنطوى يحتاج للكثير من الرعاية والاهتمام وبالنسبة لدور المدرسة فهو لا يقتصر فقط على التلقين التعليمى بل هو دور تربوى إصلاحى مشترك مع دور الأسرة .. فعند ملاحظة وجود طفل منطوى يجب التعرف على الظروف المحيطة به والمؤثرة فى شخصيته داخل الأسرة وخارجها وهذا يدخل ضمن عمل الأخصائية الاجتماعية وتشجيع الطفل على الإجابة والحوار والمناقشة فى المواد الدراسية، وعدم ضرب الطفل وتوجيه عقاب قاسى له وعدم الاستهانة بقدراته ووصفه بأنه انطوائى ، وأيضا على المدرسين سؤاله لماذا لا تلعب مع أصدقائك ؟ ولماذا ليس لديك أصدقاء ؟ والتركيز على اشتراكه فى الأنشطة الاجتماعية فى المدرسة واشتراكه فى الألعاب الجماعية ككرة القدم والسلة والطائرة ومعرفة هواياته .. هل هو يحب الموسيقى أم الرسم والعمل على تنمية مواهبه، وبطبيعته كطفل انطوائى يحب القراءة وهنا يتطلب توجيهه إلى نوعية الكتب التى تساعد على تنمية موهبته ورفع مستوى ذكائه سواء كانت أدبية أو علمية أو العلوم الإنسانية والتى تشمل علم النفس والاجتماع.
وإعطائه فرصة للتعبير عن رأيه وإشعاره بأن لرأيه فائدة ، ويمكن أن يقوم المدرس بحوار منفرد مع الطفل ليشعره بالاهتمام ، ويحذر الوالدين من التدليل الزائد للطفل وحجبه عن الأنشطة العامة خوفا عليه من إصابته بمكروه حتى لو كان الطفل «وحدانى» .
وعدم حدوث شجارات وخلافات بين الزوجين أمام الأطفال وتجنب إهمال الطفل داخل الأسرة .
وأخيرا .. ينصح بالجلوس مع الطفل بشكل مستمر لمعرفة المشكلات والصعوبات التى تواجهه وكيفية حلها وإشراكه فى الحوار الأسرى