تزخر الأمثال العربية بمقولات، تشير إلى أنه لا تخلو كارثة أو مصيبة من جوانب إيجابية، تأتي في ثناياها، منها على سبيل المثال "رُبَّ ضارة نافعة"، و"من المحن تأتي المنح"، إلى غير ذلك. وهذا نهج يتماشى مع هدي الإسلام، وقوله تعالى في محكم تنزيله {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}، وقوله عليه أفضل الصلاة والسلام: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له".
لا صوت يعلو هذه الأيام على موضوع كورونا الذي ملأ الدنيا، وشغل الناس، وصار حديث المجالس بسبب التهديد الذي يمثله للحياة الإنسانية، والخطر الداهم الذي يحيق بالعالم أجمع؛ لذلك تبذل الحكومات قصارى جهودها لمحاولة تطويق آثاره، ومنع تمدده وانتشاره.
ومع التسليم بأهمية التعامل الجاد مع هذه الجائحة إلا أن التأمل في الأزمة يوضح جوانب يمكن استخلاص العِبَر منها، وتحويل بعض آثارها السالبة إلى إيجابية، في مقدمتها الانتباه لخطورة التصرف الذي قام به البعض خلال الفترات الماضية بزيارة إيران سرًّا دون وضع أختام الدخول والخروج على جوازات سفرهم، وإصابة كثيرين منهم بالمرض هناك. ولا يخفى ما لهذا التصرف الذي يتجاوز الأعراف الدولية من تأثيرات سالبة على الأمن القومي، ولاسيما في ظل قطع السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران بسبب تدخلاتها السالبة في شؤون دول المنطقة. وكان تعامل السلطات السعودية رحيمًا مع المواطنين وهي تعلن العفو عنهم شريطة الإبلاغ عن زيارتهم بغرض حمايتهم وأسرهم من انتشار المرض؛ وهو ما يؤكد الحرص على سلامتهم ومصلحتهم.
هناك جانب في غاية الأهمية، يتمثل في زيادة الوعي الصحي لدى أفراد المجتمع بأهمية النظافة والتعقيم، واتباع الأساليب التي تمنع انتشار الأمراض وتوالد الفيروسات.
كما أن المؤسسات الصحية والطبية وجدت نفسها أمام فرصة تاريخية لزيادة قدراتها وخبراتها في مواجهة أي فيروسات أو تهديد صحي يظهر مستقبلاً.
ومن الفوائد الصحية التي يمكن استخلاصها أيضًا إقلاع الكثيرين عن عادة التدخين؛ باعتبارها من عوامل مضاعفة فرص الإصابة بالمرض، وهو ما ثبت خلال الأيام الماضية؛ إذ أعلن كثير من المدخنين على وسائل التواصل الاجتماعي إقلاعهم عن تلك العادة السيئة.
كذلك فإن تزايد المخاوف من عدم التزام المطاعم ومحال تقديم الوجبات الجاهزة بمعايير النظافة دفع كثيرًا من الأسر إلى الاتجاه للاعتماد على طبخ الأكل في المنازل بدلاً عن التعامل مع تلك المحال. ولا يخفى ما لذلك من آثار إيجابية، سواء على ميزانية الأُسر، ودعم جهود محاربة السمنة المتفشية وسط أفراد المجتمع.
ومن الفوائد الاقتصادية كذلك التي يُنتظر تحقيقها خلال الفترة المقبلة توفير عشرات المليارات التي كان ينفقها السعوديون سنويًّا على السياحة في الخارج، وذلك بعد تعذُّر السفر إلى كثير من الدول خشية الإصابة بالأمراض. وهذه الأموال الطائلة سوف تضاف إلى الدورة النقدية، وتزيد من كمية السيولة المتداولة داخل البلاد؛ وهو ما ينعكس إيجابًا على زيادة القدرة الشرائية، وانتعاش الأسواق الداخلية.
وعلى الصعيد الاجتماعي فإن المكاسب تبدو أكثر؛ وذلك بسبب عزوف الكثيرين عن الخروج والسهر خارج المنازل إلى أوقات متأخرة من الليل يوميًّا في المقاهي والاستراحات؛ فالعائلات السعودية سوف تصبح أكثر تقاربًا؛ وهو ما يمنحها أجواء حميمية، تنعكس إيجابًا على سعادة الأبناء والأزواج، وهم يشاهدون رب أسرتهم بجانبهم، يشاركهم اهتماماتهم، ويسهم في حل مشكلاتهم.
ورغم تلك الإيجابيات لا يسعنا سوى رفع أكف الضراعة لله سبحانه وتعالى أن يرفع البلاء، ويُذهب الوباء، وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين وسائر عباده، إنه سميع مجيب غفور رحيم.
علي آل شرمة - الرياض