بسم الله الرحمن الرحيم
سبع وصايا قبل رمضان
صالح محمد علي الصمله
أيها الأخوة الكرام :تمر الأيام وما أسرعها! وتمضي الشهور وما أعجلها! ويطل علينا موسمٌ كريم، وشهر عظيم، ويفد علينا وافدٌ حبيب وضيف عزيز، فبعد ليال معدودات يهل علينا شهر رمضان المبارك بأجوائه العبقة، وأيامه المباركة الوضاءة، ولياليه الغر المتلألئة، ،فيا لها من مناسبة كريمة، تصفو فيها النفوس، وتزكو فيها الأرواح، تفتح فيها الجنات، وتتنزل الرحمات، وترفع الدرجات، وتغفر الزلات، وتحط الأوزار والخطيئات، فلله الحمد والشكر على جزيل نعمائه، وترادف مننه وآلائه.
خَيْرُ الشُّهُوْرِ ورُوضَةُ الأَخيارِ يا مَرْحَباً بِهَديَّةِ الغَفَّارِ
رمضان يا رَمزاً لِكُلِّ فَضَيلةٍ فِيكَ الجِنَانُ تُزَفُّ لِلأَبرار
رمضان أهلاً قَدْ تَطاولَ شَوقُنا لِسناكَ يَكْسُو الأرضَ بالأنوارِ
أيها الإخوة الكرام:
مع قدوم الزائر الحبيب الذي تنتظره نفوس المؤمنين بلهف وشوق وتترقب الأعين هلاله الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه ويهنئهم بقدومه احتفاء به وفرحاً فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أتاكم رمضان ،شهر مبارك ،فرض الله عز وجل عليكم صيامه ،تفتح فيه أبواب السماء ،وتغلق فيه أبواب الجحيم ،وتغل فيه مردة الشياطين ،لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم " . أخرجه النسائي وأحمد. مع قدوم هذا الموسم العظيم أيها الأخوة: أضع بين أيديكم هذه الوصايا التي أسأل الله تعالى أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وأن ينفع بها قائلها وسامعها.
الوصية الأولى:
أيها الأخ الكريم :تبييت النية الصالحة على أن تكون في رمضان على حال يرضاها الله تعالى.والنية أيها الأخوة أساس العمل ونية المؤمن أبلغ من عمله ، وكان الإمام أحمد رحمه الله يوصي ولده ويقول:" يا بني انو الخير فإنك لا تزال بخير ما نويت الخير "
فما الذي نويت أن تكون عليه في رمضان من الآن؟!ما الذي تحدث نفسك به؟
وما الذي تتصوره لنهارك وليلك؟ ما الذي يراه الله في قلبك الآن؟
عزم على أن تكون أكثر قرباً منه؟ عزم على أن تختم القرآن كذا وكذا مرة؟
عزم على أن لا تفوت صلاة الجماعة ولا مرة واحدة خلال رمضان؟
عزم على أن لا تضيع صلاة التراويح ؟
أم أن الله ينظر على قلبك الآن فيرى غفلة وضياعاً أو يرى تبييتاً لمتابعة المسلسل الفلاني والبرنامج الهابط الفلاني وغير ذلك مما يعده قطاع الطرق ولصوص رمضان من شياطين الإنس من البرامج والمسلسلات الساقطة التي تقطعك عن الله في رمضان وتحول بينك وبين روحانية الصيام ولذته وحلاوته.
والله ما رأيت آية أصدق في وصف أصحاب هذه القنوات وما يعدونه في رمضان من قول الله تعالى :
(والله يريد أن يتوب عليكم، ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً، يريد الله أن يخفف عنكم..).
الوصية الثانية:
كثرة التوبة والاستغفار مع قدوم رمضان والسر في الحاجة لذلك أيها الأحبة أن رمضان شهر الكرامات وأعظم الكرامات أن يمن الله عليك بالعتق من النار ، والذنوب والمعاصي من أعظم الأسباب التي بها يحرم العبد التوفيق والخير والكرامة من الله تعالى،
ولذلك تأمل في دعاء سليمان عليه السلام لما أراد أن يسأل الله تعالى الكرامة العظيمة بأن يعطيه ملكاً ليس لأحدٍ بعده قال في دعائه( رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي) فقبل أن يطلب الكرامة بالملك العظيم سأل الله المغفرة لعلمه أنه لن ينال تلك الكرامة إلا بعد أن تغفر ذنوبه.
ومن أعظم كرامات رمضان ما يرزق فيه العبد من الروحانية وحلاوة الخلوة بالقرآن والتلذذ به ، وذلك لا يمكن أن يتحصل لقلب مثخن بجراحات الذنوب والآثام فإن الذنوب تمنع العقل من تدبر القرآن وفهمه، وتحجب عن القلب قوّة التأمل قال تعالى: (لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون) وقال تعالى: ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)
وتأمل معي أيها المبارك كيف أن من أراد أن يحصل على كرامة ليلة القدر وإدراك فضيلتها ، أوصاه النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب العفو والمغفرة: (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ) وكأنه يقول لن تكرم بليلة القدر إلا أن بعد أن يعفو الله عنك ويغفر لك فاستقبلوا شهركم رعاكم الله بالإكثار من الإستغفار والتوبة والإنابة حتى تصلح قلوبكم ونفوسكم لأن يكرمها الله بكرامات رمضان.
الوصية الثالثة :
ادع الله تعالى وتضرع إليه بأن يعينك ويوفقك في رمضان لما يحب ويرضى فإنك لن توفق إلى شيء إلا إذا أعانك الله تعالى ،
قال العز بن عبد السلام : ( والله لن يصلوا إلى شيء بغير الله فكيف يصلوا إلى الله بغير الله )
والشأن ليس في بلوغ الأجساد لشهر رمضان ولكن الشأن كله في أن يبلغ الله قلبك إلى رضاه والأنس به في هذه الشهر وإلا فكم ممن وصل بجسده ولكن قلبه مقطوع عن الله فلا توفيق إلا لمن وفقه الله،
ولأهمية الدعاء في التوفيق لما يقرب إلى الله تعالى تأمل في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حيث أوصاه أن يدعو بعد كل الصلاة ( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) ، فتضرع إلى الله وابتهل إليه ليمن عليك فيصلك مع الواصلين.
الوصية الرابعة:
حدث نفسك بحلاوة اللقاء ولذة الإنس ومعانقة الصيام لتبعث في نفسك الشوق إلى شهر الخيرات كشوقك إلى لقاء حبيب طال انتظاره لابد أيها المبارك من إثارة كوامن شوقك إلى الله عز وجل حتى تلين لك الطاعات فتؤديها ذائقًا حلاوتها ولذتها، وأية لذة يمكن أن تحصلها من قيام الليل ومكابدة السهر ومراوحة الأقدام المتعبة أو ظمأ الهواجر أو ألم جوع البطون إذا لم يكن كل ذلك مبنيًا على معنى: { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى } ؟! ومن لبى نداء حبيبه بدون شوق يحدوه فهو بارد سمج، دعوى محبته لا طعم لها .
الوصية الخامسة:
احذر مصاحبة الكسالى والبطالين الذين يقعدونك عن التشمير في رمضان فليس هناك أشأم على السائر إلى الله من البطالة وصحبة البطالين، فالصاحب ساحب، والقرين بالمقارّن يقتدي.
وقد أمر الله خير الخلق صلى الله عليه وسلم بصحبة المجدّين في السير إلى الله وترك الغافلين فقال عز من قائل : { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا }
مع هذه الصحبة تتحاثون على تدارك الثواني والدقائق، تحاسبون أنفسكم على الزفرات والأوقات الغاليات، ترى البطالين يصلون التراويح سويعة ثم يسهرون ويسمرون ويسمدون وتضيع عليهم صلاة الفجر { وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا }.
فاحذر مصاحبة هؤلاء وصاحب من يذكرك حديثه بالله تعالى .
الوصية السادسة :
اعرف قدر الموسم فإنك إن لم تعرف قدر رمضان لم تجتهد في استغلاله فاشتغل هذه الأيام بالإكثار من القراءة في فضائل هذه الموسم وقدره ومنزلته عند الله تعالى، فشهر رمضان شهر تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران، ولك في كل ليلة عند فطرك دعوة مستجابة، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة، ومن قام ليلة واحدة منه وهي ليلة القدر غفر له ما تقدم من ذنبه.
وفضائله أكثر من أن تعد وتحصى فاحرص على أن تسمع لبعض المواد الصوتية النافعة المتعلقة بفضائل الصيام ومنزلته لتحرك همتك لاغتنامه على ما يحب الله تعالى.
الوصية السابعة :
تعلم فقد التعبد في رمضان ، أو ما يمكن أن نسميه فقه الأوليات، ومعنى ذلك أن هناك أعمال عظيمة مفضلة في رمضان أكثر من غيرها فمن تمام الفقه أن تكون أكثر حرصاً عليها حتى لا يفوت عليك الشهر وأنت ربما منشغل بأعمال قد تكون صالحة ولكن غيرها أفضل منها ،
والمتأمل في النصوص الواردة في الحث على استغلال رمضان يجد أن أعظم الأعمال التي رغب الله فيها في رمضان هي:
1ـ قراءة القرآن فرمضان شهر القرآن (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) وكان جبريل عليه السلام ينزل من السماء في رمضان ليتدارس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن.
الصيام والقرآن حبيبان متلازمان في الدنيا والآخرة قال صلى الله عليه وسلم : (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فيشفعان) حسنه الألباني
2ـ قيام رمضان ، والفضل فيه ظاهر وقد كاد أن يكون قسيم الصيام لولا أن الصيام فرض، ومن أجل تسهيل القيام على الناس شرعت صلاة التراويح جماعة،ومن فضل الله تعالى أن من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة كاملة.
3ـ الصدقة وإطعام الطعام فإن ذلك من أجل الأعمال في رمضان وقد كان صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان، وقال صلى الله عليه وسلم ( من فطر صائماً فله مثل أجره).
4ـ الدعاء.فهو من أعظم عبادات الشهر ، ولعل هذا هو السر في ذكر آية الدعاء في ثنايا آيات الصيام وهي قوله تعالى : (وإذا سألك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان..)
وقد قال صلى الله عليه وسلم :( للصائم دعوة مستجابة وذلك عند فطره) وأعظم ما تدعو به غفران الذنوب والعتق من النيران ، فإن العتق من النار هو جائزة رمضان الكبرى.
ولذلك لا جرم أن تكون أكثر دعوة كان يرددها رسول الله صلى الله عليه سلم هي دعوة النجاة من النار ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال : "كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".
وزاد مسلم في روايته: "وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، فإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه".
5ـ العمرة فإن العمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
أيها ألأخوة هذه هو رمضان شهر النقاء والطهر فنقوا ذنوبكم وطهروا أنفسكم وقلوبكم.
شَهْرُ النَّقَاءِ ورُوضَةِ الطُّهرِ ـ هَا قَدْ أَتيتَ كَنَسْمَةِ الفجر
رمضان جِئتَ وأنتَ مَدرسةٌ ـ للجُودِ والإخلاصِ والصَّبرِ
فيكَ السَّكِينةُ قد أظلتنا ـ فِيكَ الخُشُوعُ ودَمعَةُ الوتر
كم تائب وافاك مبتهلاًـ يرجو عتاقاً من لظى الوزرِ
رمضانُ فيك الرُّوحُ مُشرِقةٌـ بِتلاوةِ الآياتِ والذِّكرِ
فيكِ المَلائكُ تَحتَفيْ فَرَحاً ـ جبريلُ يَنزلُ ليلَةَ القَدْرِ
طُوبى لِعَبدٍ باتَ مُنْكَسِراً يدعو الإلهَ ودمعُهُ يجري
يدعو وفي شَفَتيهِ رائحةٌ ـ أزكى إذا فاحتْ من العِطْرِ
رمضان هلَّ هلالُهُ يَدعُو أينَ التَّقيُّ وباغي الخيْرِ؟!
هَيَّا إلى الجَنَّاتِ فاستَبِقُوا وتَنَافَسُوا في سَاحَةِ البِّرِ