يُحكى أن أسداً جسوراً ( ملكاً وزعيماً) لإحدى الغابات الإستوائية احتاج ذات مرةٍ لأن يغادرها هو وبقية أسود الغابة لبعض شأنهم فأوكل مهامها وضبطها لأحد الفهود ، وغاب ردحاً من الزمن ..وفي غيابه .. ساد الغابة هرجٌ ومرجٌ واضطراب أحوال ، فقد قاد أحد القردة حركة تمرد غريبة ، مارس خلالها كعادته وبني جنسه جميع حيل وألاعيب اللصوصية والانتهازية والصراخ والضباح والضحك والعويل كما هي طباع القردة وخاصةً تلك القاطنة الغابات الاستوائية .. وتمكن وبمساعدة قردة آخرين من حبك الدسائس حول الفهد المنصب ( خلفاً لملك الغابة ) وحول كافة أنواع السباع الضارية والمفترسة وخاصة الأسود وخصّ منها الملك الغائب فقد أخذ في كيل السباب والشتائم له واغتابه وبهته وقلل من شأنه في حين أنه لم يمكن يجرؤ مطلقاً على رفع بصره تجاه الأسد ساعة حضوره ، فسار كثيرون في ركب هذا القرد ( الأقرد ) وانطلت عليهم حيله ونصبوه فجأة ملكاً ( صورياً ) للغابة وقضى أول أسابيعه يصرخ وحيداً في عرين الأسد الغائب ويزمجر بأصواتٍ لا تشبه صوته المعتاد ( كقرد ) محاولاً تقليد زئير الأسود ولم يفلح ، بل غدا صوته في آخر محاولاته شبيهاً بصوت نهيق حمار ( أكرم الله القراء الكرام ) ، الأمر الذي احتجت بسببه بعض الحمير فأعتذر منها وعاد ليكرر ويكرر محاولاته حتى قرَّ به الأمر أخيراً على صوتٍ ظنّه ( لهوسه ) أنه شبيه بصوت زئير أسد غير أنه كان في واقعه أشبه ما يكون بضباح أنواع أخرى من القردة ( أقل جسماً وأخفت صوتاً ) ، غير أن صوتها حادٌ ومزعج وهي قردة ( الشمبازي ) ... وظل على حاله ، فالبعض يسايره اتقاءً لشره سيما وهو كثير الغدر كارهٌ لمواجهات الشجعان ، وآخرون يضحكون منه وعليه ، فكلٌ سائر في شأنه وأغلب أمور الغابة لا تحتاج لمن يقوم عليها خاصةً في فترات الإستقرار والأمان الحياتي والمعيشي التي تزامنت مع غياب الأسد وحركة تمرد ذلك القرد
مرت أسابيع أخرى ، وحانت عودة ملك الغابة ذاك وسيدها
وفور عودته ولرغبته الوقوف على شؤون الغابة وقاطنيها ، يمّم صوب عرينه ( مقام ملكه وسلطته ) ووقف على مدخله فرأى ووجد ما لم يخطر له ببال وما لم يكن في حسبانه ..قردٌ قزمٌ قبيح المنظر طويل الذنب يجلس مسترخياً على عرشه ويضع تاج الملك على رأسه الضئيل البشع ومتقنعاً بقناعٍ فيه ملامحُ من وجه ( أسد ) .. وبحضرته أعداد من بني جنسه وأصناف أخرى عُرفت في الغابة بتشابه طباعها وسلوكها كالسناجب والنمساوات ( جمع نمس ) والهررة والكلاب السلوقية وبعضٌ من ثعالب وحتى أعداد من طيور كالببغاوات والزبانية ( جمع زبني ) وغيرها فما كان من ملك الغابة الجسور والحكيم إلا أن أطرق بنظرهِ طويلاً محدقاً في القرد تارةً وفيمن حوله أخرى ثم وضع يده متكئاً على سدة مدخل عرينه الأشم وحرك ساقاً فوق آخر ليرتكز برأس قدم تلك الساق على الأرض متخذاً هيئة من يقف متأملاً حيراناً .. هنيهات قليلة .. ثم قال وبصوت جهوري ( رخيم ) وأقل بكثير مما عُهد منه من زئير وهو يهز رأسه ويومؤ به
(( إييييييييييييييييييييييييييييييييه ..... خلا لك الجو فبيضي واصفري .. ))فتبسم القرد تبسم الوجل الحذر وفرائصه ترتعد .. وجال بنظرة الخائف على من حوله قبل أن يعاجله الأسد بصرخة زئير مدوية أوثبته مرغماً من على العرش حتى ارتطم رأسه بسقف العرين ، ثم ارتد وارتطم بقوة على مقعدة العرش ، وما إن رأى الأسد يهم بالدخول موجهاً صوبه ليأخذ مقعده على عرشه المعتاد حتى بدأ يتصبب عرقاً واصطكت ركبتيه حتى كادتا تتفسخان عن بقية عظام أطرافه السفلية وأخذ ينكفيءُ على نفسه حتى ساوى منتصف رأسه كتفيه وزاحم ذقنه عظام ما بين نهديه واستوى ظهره الذي كان يلازم ظهر العرش على طرف مقعدة العرش ووصلت مؤخرته الحمراء المتيبسة والتي يشوب نعومتها وعلى غير عادة القِردة ( شعرٌ أسود كثيفٌ وأجعد ) الأرض وسااااااااااااااااااااح كما لو ساحت قطعةٌ ثلج وسط عراء في يوم شمسٍ محرقة .وما إن استقر على الأرض متشبثاً بقواعد العرش حتى عاجله الأسد بوكزةٍ ولطمةٍ ذات دوي وبكفٍ ذا مخلبٍ قاسٍ فقذف به بعيداً وإذ به يحتضن أحد جدران العرين ودماؤه تسيل .. وعاد فزأرَ أُخرى فصعق البقية وأخذوا يتقافزون ويتنافرون ويتزاحمون على مخرج العرين كلٌ يريد الفرار والنفاذ بالجلد ولسان حاله ( الغوث الغوث ، والنجاة النجاة ، ولا عودة ، لا عودة .. )
لقي بعدها هذا القرد جزاءه في جلسة محاكمة علنية بعد أن وقف ملك الغابة على تفاصيل كل ما حصل في غيابه ، ولقي من معه ومن آزره جزاءً مماثلاً ، وعادت أمور الغابة لسابق عهدها