المحاربة العثمانية نينه خاتون
"نينه خاتون"، إنها المرأه العثمانية التي يعرفها جيدا إلى يومنا هذا. هي بطلة شعبية تركية، عُرفت ببسالتها في قتال الجنودفي ساحة المعركة، بعد الاستيلاء على حصن "العزيزية" في مقاطعة أرضروم، من قبل القوات الروسية، في بداية الحرب الروسية- التركية، التي وقعت في الفترة ما بين 1877–1878.
كانت نينه خاتون تعيش في حي من أحياء أرضروم، في الدولة العثمانية، يُعرف باسم "العزيزية".
وكان هذا الحي، يقع بالقرب من أحد الحصون الهامة التي كانت تدافع عن المدينة ضد جحافل الجيوش الروسية، وفي ليلة السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1877، قام الجيش الروسي بالاستيلاء على حصن العزيزية، بعد أن قتل كل الحامية العثمانية التي استبسلت في القتال.
وقد كان الجيش الروسي في تلك الحرب، ثلاثة أضعاف الجيش العثماني، إضافة إلى تفوقه الكاسح في عدد المدافع، وشاركت معه قوات رومانيا، وبلغاريا، وصربيا، والجبل الأسود.
وقد جرت كثير من المعارك في الحرب في القوقاز، والبلقان، تخللتها هزائم وانتصارات، نجح خلالها الجيش العثماني في البداية بدحر الروس، رغم تفوقهم في العدد والسلاح في القوقاز، ومطاردتهم إلى داخل الأراضي الروسية، تحت قيادة المجاهد البطل "أحمد مختار باشا".
ولكن عززوا قواتهم، واستطاعوا تحريض عدد من الزعماء القبليين الأكراد، في شرق الأناضول، على القيام ببعض القلاقل ضد التجنيد الإلزامي، ورفض تقديم المساندة للقوات العثمانية، فلم يتلقى القائد "أحمد مختار باشا" حينها تعزيزات.
استعادالمواقع التي استولى عليها العثمانيون داخل أراضيهم، ثم تخطوا خط الحدود السابق، واحتلوا عددًا من المدن داخل الأراضي العثمانية، لكن توقف تقدمهم عند "أرضروم" التي شارك أهاليها الجيش العثماني في الدفاع عنها، حتى اشتهر من أبطال المقاومة فيها الفتاه "نينة خاتون".
والحكاية أنه كان لدى "نينة خاتون" شقيق يُدعى "حسن"، توفي متأثرًا بجراحٍ شديدة للغاية في مساء يوم المعركة، بعد ان أثبت بسالته وشجاعته في الحرب، وفي الدفاع عن أرضه ضد الغزاة الروس.
وفي الصباح، عندما وصل إليها خبر استيلاء على حصن العزيزية، قبِّلت شقيقها المتوفى، وأقسمت أن تنتقم لموته، ولله، وللوطن الجريح.
تركت "نينه" وراءها في المنزل، ابنتها الصغيرة، ذات الأشهر الثلاثة، ودموعها تمتزج بدموع ابنتها التي ستفارقها، وانضمت إلى الأهالي، الذين قرروا لقاء العدو، انتقاما للدين والوطن ولشباب الجيش، الذين قاتلوا حتى قُتلوا.
واصطحبت نينه معها بندقية شقيقها المتوفى، بالإضافة إلى فأس صغيرة.
ومع أن الهجمات قام بها المدنيون العثمانيون، ومعظمهم من النساء وكبار السن، المسلحين بالفؤوس ومعدات الزراعة، إلا أنها كانت في عيون الجيش الروسي أقوى من جيوش العالم.
زحف الأهالي بسلاحهم البسيط، ليواجهوا الترسانة الروسية، وكانت في مقدمتهم "نينه خاتون"، التي أخذت تركض حتى سبقت الأهالي في الهجوم، في نظرهم هي معها فأس وبندقية فقط، لكنها كانت ترى أن الله معهم ضد الظلم والاحتلال.
تجهز الجيش الروسي، وهو يرتجف، فهو لا يقابل جيشًا ولا أسلحة ثقيلة، إنه يقابل قلوب كالجبال والحديد، ابتدأ القتال وقُتل مئات من المدنيين العثمانيين برصاص الجانب الروسي، ولكن غلبت الكثرة والإصرار والحق في النهاية، واستطاع الأتراك دخول الحصون بعد أن كسروا أبوابها الحديدية.
وأسفر القتال الذي دار بالأيدي والفؤوس والسكاكين، عن مقتل نحو 2000 جندي روسي، وهرب بقية الجنود الروس.
وعندما عُثر على "نينه خاتون" كانت فاقدة الوعي ومصابة، وكانت يداها المخضبتان بالدماء لا تزال تقبضان بشدة على فأسها.
وكانت "نينه خاتون" باعتراف الجميع هي الأكثر بطولية، وأصبحت رمزًا للشجاعة، ليس في تركيا فقط بل في روسيا والعالم أيضا.
وعاشت "نينه خاتون" بقية حياتها في العزيزية، وفي السنوات التالية، فقدت زوجها وابنها يوسف الذي قُتل في الحرب العالمية الأولى، وتحديدًا في معركة "جاليبولي".
وبعد حرب الاستقلال التركية، قام الجنرال الأمريكي ريدجواي بزيارتها في عام 1952، وعندما سألها عما إذا كان من الممكن أن تشارك في حرب جديدة، أجابته بقولها "بالتأكيد سأفعل".
في عام 1954، كانت "نينه خاتون" هي آخر من تبقى على قيد الحياة، من المشاركين في الحرب الروسية – التركية، التي وقعت في الفترة ما بين 1877–1878.
وقام كذلك بزيارتها قائد الجيش التركي الثالث، الجنرال "براناسيل"، ومنذ ذلك الوقت، وحتى وفاتها، عُرفت نيني خاتون باسم "أم الجيش الثالث"، وحصلت على لقب "أم الأمهات" في عيد الأم في عام 1955.
وتوفيت "نينه خاتون" نتيجة الإصابة بمرض الالتهاب الرئوي، في الثاني والعشرين من أيار/ مايو عام 1955، عن عمر يناهز الثامنة والتسعين عاما، ودُفنت في مقبرة الشهداء، بحصن العزيزية