وَسَـائِل عَمَلِيَّة مُعَيَّنَةً عَلَى الِانْتِفَـاعِ بِالْقُـرْآن:
١- الْإِلْحَاحَ عَلَى اللَّهِ عزّ وَجَلّ:
بِأَن يفتحَ قلوبَنا لأنوارِ كتابِه، وَإِن يكرمَنا ويعينَنا عَلَى التدبُّرِ والتأثُّرِ، أمرٌ ضروريٌ قَبْل الشروعِ فِي تلاوةِ القرآنِ وَذَلِك لأهميتِه وفائدتِه العظيمةِ فِي استثارةِ مشاعرِ الرغبةِ فِي الانتفاعِ بالقرآنِ، وتهيئةِ القلبِ لاِسْتِقْبالِه.
٢- الْإِكْثَارُ مِنْ التِّلَاوَةِ وَإِطَالَة فَتْرَة الْمُكْثَ مَعَهُ، وَعَدَمُ قَطْعِ الْقِرَاءَةِ بِأَيِّ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ ( مَا أَمْكَنَ ذَلِكَ ) حَتَّى لَا نَخْرُجُ مِنَ جوِّ الْقُرْآن، وَسُلْطَان الِاسْتِعَاذَة،
خَاصَّةً فِي الْبِدَايَةِ، ويُفضّل أَنْ يَكُونَ اللِّقَاء بِالْقُرْآنِ فِي مكانٍ هَادِي - قَدْر الْمُسْتَطَاع - وبعيدًا عَن الضَّوْضَاء لِيُسَاعِد الْمَرْءُ عَلَى التركيز وَعَدَم شُرُود الذِّهْن، وَلَا ننسى الوضوءَ والسواكَ قَبْل القراءةِ فَهِي أيضًا مِن الْمُعَيَّنَات.
٣- الْقِرَاءَةِ مِنْ الْمُصْحَفِ وبصوتٍ مسموعٍ وبترتيل:
فالترتيلُ لَه وظيفةٌ كبيرةٌ فِي الطَّرق عَلَى الْمَشَاعِر وَمَن ثمَّ استثارتُها وتجاوبُها مَع الفهمِ الَّذِي سيولِّده التدبُّرُ، لينشأَ بِذَلِك الإيمانُ حِينَمَا يتعانقُ الفهمُ مَع التأثُّرِ؛
وَهُنَا تَبَرَّز أَهَمِّيَّة تعلّم أَحْكَام التلاوةِ حَتَّى تتحقّقَ الفائدةُ مِن الترتيلِ؛ فَلَابُدّ وَأَنْ يَجْتَهِدَ كلٌّ مِنَّا فِي تعلُّمِ أحكامِ التلاوةِ والنطقِ الصحيحِ لِلآيَات فِي أسرعِ وقتٍ حَتَّى يتسنى لَه الانتفاعُ بِالْقُرْآن.
٤- الْقِرَاءَة الْهَادِيَة والحزينة:
عَلَيْنَا وَنَحْنُ نرتِّلُ الْقُرْآن، أَن نُعطي الحروفَ والغُنَّاتِ والمدودَ حقّها حَتَّى يتيسّرَ لَنَا معايشةُ الآياتِ وتدبُّرُها والتأثُّرُ بِهَا، وَعَلَيْنَا كَذَلِكَ إنْ نقرأَ القرآنَ بصوتٍ حزينٍ لاستجلابِ التأثُّرِ.
٥- الفهم الْإِجْمَالِيّ لِلآيَات:
مِن خلالِ إعمالِ الْعَقْلَ فِي تفهُّم الْخَطَّاب، وَهَذَا يَسْتَلْزِم مِنَّا التركيز التَّامّ مَعَ الْقِرَاءَةِ؛
وَلَيْسَ مَعْنَى أَعْمَال الْعَقْلَ فِي تفهّم الْخَطَّابِ أَنَّ نَقِفَ عِنْدَ كلِّ كلمةٍ ونتكلّف فِي مَعْرِفَةِ مَعْنَاهَا وَمَا وَرَاءَهَا، بَلْ يَكْفِي الْمَعْنَى الْإِجْمَالِيِّ الَّذِي تدلّ عَلَيْهِ الْآيَةُ حَتَّى يتسنى لَنَا الاسترسالُ فِي الْقِرَاءَةِ وَمِنْ ثمَّ التصاعدُ التدريجي لِحَرَكَة المشاعرِ فتصل إلَى التأثُّر والانفعالِ فِي أسرعِ وقتٍ.
٦- الِاجْتِهَادِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْقُرْآنِ:
كَأَنَّه أُنزل عَلَيْك، وَكَأَنَّك المخاطبُ بِه، والاجتهادُ كَذَلِكَ فِي التفاعلِ مَعَ هَذَا الخطابِ مِن خلالِ الردِّ عَلَى الأسئلةِ الَّتِي تتضمنها الآياتُ، والتأمينُ عِنْد مواضعِ الدُّعَاء .. وَهَكَذَا.
٧- تَكْرَار وَتَرْدِيد الْآيَة أوالآيات الَّتِي حَدَّثَ مَعَهَا تجاوبٌ وتأثُرٌ قَلْبِي حَتَّى يتسنى للقلبِ الاستزادةُ مِن النورِ الَّذِي يَدْخُلُ، والإيمانِ الَّذِي ينشأُ فِي هَذِهِ اللحظاتِ، وَيَسْتَمِرّ ترديدُ وتكرارُ تِلْك الآيةِ أَو الْآيَات حَتَّى يتوقّفَ التأثُّرُ والانفعالُ، فَكَمَا قِيل: "الآيةُ مثلُ التَّمْرَة كُلَّمَا مضغتَها، استخرجتَ حلاوتَها".
فَإِن داومنا عَلَى هَذِهِ الْوَسَائِل أَخِي الْقَارِئ أُخْتِي الْقَارِئَة، وثابرنا عَلَيْهَا وَسِرْنَا بِهَا جنباً إلَى جنبٍ مَع المحورين السَّابِقِين « تقوية الرَّغْبَة، وَالْإِلْحَاح عَلَى الله »،
فلنبشر جميعاً بقربِ شروقِ شمسِ القرآنِ عَلَى قلوبِنا لتبدأَ مَعَهَا حياةٌ جديدةٌ تكسوها السكينةُ والطمأنينةُ، وروحٌ جديدةٌ وثّابةٌ توّاقةٌ لِفِعْل الخيرِ، وأهمّ مِنْ هَذَا كلّه التجلببُ بجلبابِ الْعُبُودِيَّة، وَالرِّضَا بِاَللَّه رباً، وَالِاكْتِفَاءُ بِهِ، وَالِاسْتِغْنَاء عَنْ النَّاسِ.
كُلُّ هَذَا، أَخِي الْحَبيبْ، وَغَيْرِهِ مِنْ الثمارِ العظيمةِ ينتظرنا جميعًا إنْ نَحْنُ أحسَنَّا الإقبالَ عَلَى القرآنِ وداومنا عَلَى ذَلِكَ، فَكُلَّمَا أَعْطَيْنَا للقرآنِ حقّه أَعْطَانَا مِنْ خيرِه وكنوزِه الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا،
فَلَوْ كَانَ البحرُ مداداً والأشجارُ أقلاماً، تكتبُ مَا يَحْمِلُهُ كلامُ اللَّهُ مِنْ معانٍ هاديةٍ، لَنَفِد البحرُ قَبْلَ أَنْ تنفدَ أسرارُ وَمَعَانِي هَذَا الْكَلَامِ.
واعِلَم أخِي اخُتيِ بأننا إذَا أحسنَّا الإقبالَ عَلَى القرآنِ، وأكثرنا مِن تلاوتِه بالليلِ والنهارِ، فسَنجد بِعَوْنِ اللَّهِ لذةَ المناجاةِ، وسنأنسُ بكلامِ اللَّه أكثرَ مِن أُنسنا بِأَيّ شيءٍ آخَر، وستأتينا الفتوحاتُ مِنْ حَيْثُ لانحتسب.