كتب - صلاح العبّادي - في مشادة كلامية وقعت بين اثنين من الشباب في شارع المدينة المنورة في عمّان، الأسبوع الماضي، صرخ احد الشاب في وجه آخر قائلاً له:»ما بتعرف مع مين بتحكي».
هذه العبارة خيمت الصمت على الشاب الثاني الذي تبين بأنه «عامل وافد» يعمل بأجرة يومية متنقلاً من مكان الى آخر؛ الأمر الذي دفعه الى التزام الصمت وتحمل عبارات التوبيخ التي سمعها اثناء المشادة.
واقعة أخرى تختلف عن السابقة، وتتمثل في امرأة تروج لنفسها بأنها سيدة اعمال ذات مكانة مرموقة، ولديها شركات في الخارج، مستخدمة في تنقلاتها سيارة فارهة، يقودها سائق.
السيدة التي صدر بحقها احكام قضائية بخصوص شيكات «لا يقابلها رصيد» توهم الآخرين بأن لديها قوة اقتصادية ونفوذا واسعا؛ من خلال الاستعانة بسائق يقود مركبتها اثناء مقابلة اصحاب رؤوس اموال، في الوقت الذي بدلت فيه اكثر من سائق جراء «تركهم» للعمل نظراً لعدم تقاضيهم رواتبهم.
وفي جلسة عشاء ضمت مسؤولين سابقين وحاليين وشخصيات عامة، فإن احد الحضور اجرى اتصالاً هاتفياً طلب فيه من الشخص الذي تحدث معه أن يسرع عملية نقل «الشحنة» دون أن يوضح ماهيتها، لأن «تعليمات من فوق جاءت بهذا الخصوص»، الأمر الذي اثار حفيظة بعض الحضور، ما دفعهم لتبادل النظرات بينهم كون بعضهم اعتقد انه شخص له وزنه.
ما ان غادر الحضور مكان الدعوة حتى اجرى احدهم اتصالات هاتفية للسؤال عن ذلك الشخص، ليتبين فيما بعد أنه ليس الا موظف مستودعات في احدى شركات القطاع الخاص، على خلاف ما اوحى لهم.
يلجأ بعض الاشخاص إلى اتباع اساليب مختلفة، لتمويه الآخرين بأنهم من «العيار الثقيل»، نظراً لأهمية دورهم في العمل وامتداد وتشعب علاقاتهم الاجتماعية مع اصحاب نفوذ، وبذلك فإنهم يسعون إلى كسب ودّهم وبناء نسيج من علاقات.
يرى أستاذ التربية عودة أبو سنينة، أن إطلاق عبارات تدل على وجود علاقات مع صنّاع قرار وشخصيات ذات مرجعية، هو نوع من «السلوكيّات غير الطبيعية»، التي يبثها المرء حوله للإيحاء بأنه على مستوى معين أو من طبقة محددة من الناس لها مكانتها الاعتبارية.
وهذا -بحسب أبو سنينة- يأتي ضمن إطار «سياسة التدليس»، التي يتميّز صاحبها بـ»اللعب على الكلمات والعبارات كي يصل إلى مبتغاه ولخدمة مصالحه فقط».
المتخصص في علم النفس كرابيد زكريان، يصف هؤلاء بـ»الوصوليين» الذين يحلّلون لأنفسهم استخدام جميع الوسائل للوصول إلى غايتهم، مطبّقين المقولة الشائعة: «الغاية تبرر الوسيلة».
ويكشف أن بعض هؤلاء «يتمتع بمسحة ذكاء يوجهها نحو اختيار ضحاياه»، مبيناً أن الضحايا يتميزون عادة بأنهم «يهابون من ذكر أسماء شخصيات عامة أو مؤسسات ذات مرجعيات سياسية».
ويوضح أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية مجد الدين خمش، أن التنافس للحصول على امتيازات ومناصب والتقرّب لمسؤولين وصنّاع قرار، يدفع بعضهم إلى اتباع أساليب «ملتوية» لتحقيق أطماعه، ما يحفزه لتعلم «تكتيكات» لإعطاء صورة إيجابية عنه أمام آخرين، تزيد من قدرته التنافسية في بيئة العمل وربما في الحياة العامة.
وأرجع خمش سبب اتباع هذه «التكتيكات»، إلى اعتقاد هؤلاء أن هذا الأسلوب «يزيد من قيمتهم أمام المحيطين بهم في العمل أو الحياة العامة، في وقت يتمنون فيه أن تتحول هذه المظاهر إلى واقع، خصوصا إذا كانوا ينسجون للآخرين قصصاً غير حقيقية».
واشار إلى أن الشخص الذي يتسم بهذا السلوك هو من النوع الذي يتصف باشتباكه مع الزملاء للحصول على امتيازات داخل مؤسسة العمل.
وذكر أن الثقافة الفرعية في المجتمع تتضمن عقد تحالفات بين اشخاص لتحقيق اكبر قدر من المكتسبات، مشيراً إلى أن هذه الثقافة تتسم بما ينتج عنها من صراع بين المجموعات والافراد، وامتلاك مهارات مختلفة لزيادة حجم تأثيرهم في المجتمع.
وقال:»الافراد الذين يتسمون بهذا السلوك، وفي حال استقبالهم لضيف ذي مكانة اجتماعية مرموقة يحرصون على نشر الخبر في صفوف عملهم ومجتمعهم، لاظهار اهميتهم».
ستظل ثقافة «مش عارف مع مين بتحكي» تشيع في مجتمعنا حتى ذلك الوقت الذي لا تأخذنا فيه المظاهر الخداعة . |