بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فوائد الضحك
من النعم العظيمة التي منحنا الله إياها نعمة الفرح والضحك، فالبيت أو المجلس الذي تشع منه الفرحة تجد كل من فيه تعلو وجوههم الابتسامة ويملأ صدورهم الانشراح والحب.
والكل ينبض قلبه فرحاً، ويشعر بأحاسيس البهجة عندما يرى طفلاً يبتسم، إنه من المفعول السحري لهذا الفعل الفسيولوجي المسمى بـ"الضحك"، لكن ما هي التفاصيل العلمية وراء ذلك؟
ما الضحك؟ وهل يختلف ضحك الكبار عن الأطفال؟
الضحك بشكل عام يمكن تعريفه بأنه حالة يمر بها الإنسان من فترة لأخرى وتعتبر تتويجاً لمزاج الإنسان المرتفع، كما أنها تعتبر تعبيراً صريحاً عن السرور مع وجود استثناءات، في الضحك تتقلص عضلات في الوجه وخصوصاً حول الفم مؤدية لشد الفم إلى الجانبين، وتتكون تجاعيد السرور على جانبي الوجه، وقد تتشكل حفرة صغيرة على كل من الجانبين معطية الوجه جمالاً خاصاً، ومن ثم ينفتح الفم مظهراً الأسنان حسب شدة الضحك، ويرافق ذلك صدور صوت تختلف شدته من شخص لآخر، وذلك بسبب خروج الهواء على شكل زفير من الحنجرة، واهتزاز الحبال الصوتية وعناصر الصوت الأخرى.
إن خلاصة تقلصات العضلات الوجهية يؤدي لسحنة خاصة هي سحنة الفرح، تشارك العينان في الضحك حيث تنهمر الدموع منهما تعبيراً عن شدة الفرح، الأوعية الدموية تحتقن في الوجه وتمتلئ بالدم فتظهر حمرة الوجنات، إن التوازن الهرموني يتبدل خلال الضحك وكذلك العمليات الاستقلابية، إن الضغط داخل البطن يرتفع وقد يؤدي لانفلات المصرة البولية عند البعض، وخصوصاً إن كانت رخوة بالأصل والمثانة ممتلئة بالبول، قد يتحرك الإنسان حركات معينة أثناء الضحك كأن يحرك يديه أو يصفق بهما أو يمسكهما ببعضهما ويضعهما أمام صدره أو قد يقفز فرحاً، وأثناء الضحك الشديد قد يدخل بعض اللعاب إلى الرغامي (شردقة) ويحدث السعال.
الرضيع والمناغـاة :
أما عند الأطفال فتجد أن الرضيع يبتسم ويضحك ويصدر أصوات المناغاة والمكاغاة عندما يداعبه شخص كبير، وإذا كنت تحمله وشعر بالفرح تجده يتعلق بك أكثر ويقترب منك ويحرك رجليه صعوداً وهبوطاً ويشدد إمساكه بك، وبعد قليل يبتعد بوجهه عنك قليلاً ينظر إلى وجهك فتعيد أنت مداعبته فيكرر اغتباطه وسروره.
هل للضحك درجات؟
أفضل أن أقول إن للفرح درجات، فقد يكون انشراح الصدر داخلياً لا يشعر به إلا صاحبه، وقد يظهر عليه من خلال تصرفاته أنه سعيد، وقد تظهر بسمة خفيفة، وقد تشتد البسمة لتعطي ضحكة خفيفة، قد تتحول لضحكة شديدة أو ما يدعى بالقهقهة.
ويختلف التعبير عن الفرح من إنسان لآخر، فالبعض لا يبتسم إلا بمناسبات نادرة والبعض يقهقه لأبسط الأسباب.
ما أسباب الضحك عند الأطفال؟
هناك أسباب عديدة جداً، فكل ما يدخل السرور لقلب الطفل يجعله يضحك، فرؤيته لأمه وجلوسه في حضنها، واستقباله لوالده بعد انتهاء العمل فرحة، وحصوله على طعامه المفضل، أو ثياب جديدة وألعاب متنوعة، بل حتى مجرد شرائه أو تلبية رغبته في الحصول على شيء ما، كلها مناسبات سعيدة للطفل، إن الطفل الذي يحصل على درجات عالية بالامتحان، أو الذي ينجح بالمدرسة أو بمسابقة ما، يبقى مبتهجاً يقفز هنا وهناك لفترات طويلة، طبعاً لا يسعني إلا أن أذكر أن الأسباب تختلف باختلاف العمر، فالرضيع الصغير نراه يبتسم بشكل عفوي أحياناً، وربما يكون نائما أو يقظاً، والرضيع الأكبر يضحك عندما يداعبه شخص ما، وقد يكون سبب الضحك لمس مناطق معينة كالبطن أو تحت الإبط، أو أخمص القدمين أو العنق، حيث إن الأعصاب التي تنبه المراكز الدماغية المسؤولة عن الضحك يختلف توزعها في الجسم، كما أن عتبة الضحك تختلف من طفل لآخر.
قد يكون الباعث للضحك داخلي المنشأ كأن يتذكر الإنسان حادثة ما، أو خارجي المنشأ سمعياً كسماع قصة ما، أو بصرياً كرؤية ما يسر العين، أو لمسياً كمداعبة طفل، أو شمياً كشم رائحة عبقة تجعلك تنتشي وتبتسم، أو شم بعض أنواع الغازات الصناعية التي تؤدي لضحك إجباري وبلا سبب.
أحياناً يبتسم الطفل وهو نائم وعادة ما يكون بحالة حلم سعيد، وقد يكون الضحك مرضياً، حيث إن بعض الأمراض النفسية تؤدي للضحك في مناسبات حزينة، وهناك أمراض تؤدي لنوبات من الضحك والبكاء.
ما فوائد الضحك؟
الضحك هو عبارة عن حركات تنفسية نشطة وبطبيعة خاصة، فهو لذلك ينشط عضلات التنفس وينشط الدورة الدموية والعمليات الدماغية، وبارتفاع مزاج الإنسان يتحسن تحصيله عكس المكتئب، إن السعيد حتى ولو لم يظهر عليه مظهر الضحك يبقى بعيداً عن كثير من الأمراض بإذن الله، ولا أقصد الأمراض النفسية فقط، بل الجسدية أيضاً، فهؤلاء الأشخاص أقل عرضة للقرحات الهضمية ولارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين، كما أن إصابتهم بالاحتشاءات "الجلطات القلبية" أقل، لقد تبين علاقة أنواع عديدة من الأكزيما بالكآبة وشفاء الكثير منها عند تبدل المزاج نحو الأفضل.
إن بسمة الأطفال لا تسعد الأطفال فقط، بل هي تسعد كل من يراهم.
كيف نحافظ على فرح الأطفال؟
إن الإنسان يسعى للسعادة دوماً وكل ما نعمله يصب في هذا المجال، إن إعطاء الطفل حاجياته النفسية والجسدية، والروحية، والمادية، وإبعاد شبح ما يعكر صفو حياته من أمراض ومشاكل وتعليمه منذ الصغر على رحابة الصدر، وأن يواجه المصاعب بابتسامة، ويفكر بحلها منطقياً بنفسه أو بمساعدة من حوله، وأن نعلمه ألا يغضب لأتفه الأسباب، كل هذه الأمور مهمة، والأهم هو وجود بيئة سعيدة محيطة بالطفل، إن الأب سريع الغضب والاستثارة سينعكس سلوكه سلباً على أطفاله، والأب الحكيم لابد أن يطبع أطفاله بطابع محبب.
إن الضحك نعمة عظيمة تستوجب منا أن نشكر الله عليها علَّها تدوم ونراها في وجوه أطفالنا رمز البراءة، وقد صدق من قال: "اضحك تضحك الدنيا لك.. وابك تبك وحدك".
بقلم : د. عبد المطلب السـح
دمتم برعاية الله وحفظه