قال ابن القيم رحمه الله:
"فما امتُحن الإسلام بمحنةٍ قطّ، إلَّا وسببها التأويل! فإن محنته إما مِن المُتأوّلين، وإما أن يُسلَّط عليهم الكفار؛ بسبب ما ارتكبوا من التأويل، وخالَفوا ظاهر التنزيل، وتعلَّلوا بالأباطيل، وهل اختلف الأممُ على أنبيائهم إلا بالتأويل؟!
وهل وقعَت في الأمَّة فتنٌة كبيرة أوصغيرة؛ إلا بالتأويل؟! فمِن بابِه دُخل إليها، فأصلُ خراب الدين والدنيا، إنما هو من التأويل، الذي لم يُرده اللهُ ورسولهُ بكلامه، ولا دَلَّ عليه أنه مُراده" (انظر: إعلام المُوقِّعين).
قلتُ:
والتأويل المذموم ها هنا هو كلُّ توظيفٍ لنصوص الكتاب والسّنة، وقع مُخالفًا لمراد الله ورسوله!
وجماعُه: الانحراف بالألفاظ والأدلة والوقائع عن دلالاتها الظاهرة، وسياقاتها المُحدَّدة، إلى معانٍ أخرى غير مرادة، بدون دليل أو حجة، أو بشبهة يظنها المُؤول دليلًا وحجة، وليست كذلك..
ويحمله على ذلك الهَوى، وزينة الدنيا من جاهٍ أو مالٍ أو سُلطان، أو حفظ النفس، والمال.. إلخ.
وقد يصدر جهلًا من صاحبه، أو تلبيسًا، أو تعمّدًا؛ وهو أشدّها! فيظنّ صاحبُه أنه يُحسن صنعًا، وهو من الأخسرين أعمالًا!
- لذا: احذر التأويـل إلا عن تحقيقٍ وتعليلٍ وتدليل، فقد يستحلّ المرء به الحرام الصّراح، والكفر البواح، ويغوص ويسبح؛ في العقائد الباطلة، والنواقض الظاهرة، والشركيات المتواترة، كلّ ذلك.. يُزيّنه له شيطانُه، ويَعدُه ويُمنّيه؛ أنه على الحقّ ومن أهله! حتى ربما كفَر باستحلاله ذاك، فيُورده الموارد.
* قال ابن الوزير اليماني رحمه الله:
"الاستحلال بالتأويل قد يكون أشدّ من التعمّد مع الاعتراف بالتحريم، وذلك حيث يكون المُسْتحَلُّ بالتأويل معلومَ التحريم بالضرورة؛ كترك الصلاة، فإن مَن تركها متأولًا كفَّرناه بالإجماع، وإن كان عامدًا معترفًا، ففيه الخلاف، فكان التأويل هنا أشد تحريمًا" (انظر: الروض الباسم).
ومن ها هنا تقرَّر عند العلماء قاطبةً خطورة التأويل الفاسد، وخطر جنايته على الدّين والبلاد والعباد، وخاصةً التأويل عند ارتكاب ناقضٍ من نواقض الإيمان، والتلبّس بشركٍ يُخرج من الإسلام، ويظن صاحبُه غُرورًا وكِبرًا أنه على الجادّة، بل في سبيل الله يعمل..! لذا: كان الأصل عدم قبول تأويل مَن هذه حالُه
* يقول الشيخ الطريفي في رسالته (تعظيم الله تعالى):
"والأصلُ عدم قَبول تأويل مُتأوِّل؛ لارتكابه أحد نواقض الإسلام، فليس أحدٌ يتجرأ على هذه النواقض من شركٍ، أو تعدٍّ على الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ من غير تأويلٍ، ومن غير شُبهةٍ تنقدحُ في قلبه، ومن غير دَعْوى، حتى عُبَّاد الأصنام! ولذا حَكى الله عز وجل قولَ الكفَرة لنبي الله صلى الله عليه وسلم: {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء من الآية:62]".
وفي الجملة:
فليس كلّ تأويلٍ حُجَّة، ولا كلّ تأويلٍ يسوغ فيه الإعذار، إلَّا تأويلًا يُقرّه الشرع والنصّ والعقل، وله حظّه من النظر والاعتبار، يتحقق صاحبُه بالتقوى، ويقصد الإنصاف والحقّ.