مرض دوالى المريء وكيفية الوقاية منه
دوالي المريء والمعدة هي تجمع مرضي وغير عادي لأوردة متفاوتة الحجم ومتعرجة وذات جدار غير سميك في منطقة المريء (خاصة الثلث السفلي منه أعلى فتحة الفؤاد) أو المعدة (خاصة الجزء العلوي منها أسفل فتحة الفؤاد) وقد تتكون هذه الدوالي في أماكن أخري من القناة الهضمية وملحقاتها وفي تجويف البطن. وتسمى هذه الأوردة المرضية بالدوالي لشدة وغزارة النزيف الناتج عن انفجارها والذي قد يودي بالحياة إن لم يتم اكتشافه وعلاجه بصورة علمية صحيحة وفي أماكن مجهزة وعلى أيدي فريق طبي ذو خبرة ودراية.
الاسباب
تنشأ هذه الدوالي - وفي هذه الأماكن بالذات - نتيجة وجود تحويلات وريدية – تكون مغلقة في الحالة الطبيعية – تنفتح وتكبر نتيجة أي مرض يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدورة الدموية مثل تليف الكبد (بكل أسبابه) والبلهارسيا المزمنة وانسداد الوريد البابي أو الأوردة الكبدية. والدورة الدموية البابية هي المختصة بنقل الدم المحمل بالغذاء بعد هضمه وامتصاصه من القناة الهضمية ومن الطحال والبنكرياس إلى الكبد.
العلاج
العلاج يشتمل على محاور رئيسية هي: الغذاء والدواء والمناظير العلاجية بالإضافة إلى الآشعة التداخلية والجراحة (في حالات قليلة).
وعند حدوث نزيف من الدوالي يجب اسعاف المريض والتحرك السريع لنقله إلى مركز متخصص والعلاج عادة يشمل الإسعافات الأولية وتحاليل طبية وملاحظة وعلاج بالأدوية والعقاقير ومضاد حيوي، وقد يحتاج المريض إلي نقل دم أو عناية مركزة والمناظير من أجل التشخيص والعلاج، وفي بعض الحالات قد يحتاج المريض إلى تدخل فريق ألأشعة التداخلية أو الجراحين لوقف النزيف. لذا ينصح في كثير من المحافل الطبية المتخصصة بعمل فريق طبي متعدد الأنظمة ومتكامل من أطباء الجهاز الهضمي والمناظير وطب الطوارئ والعناية لمركزة والأشعة التداخلية والجراحين في كل منطقة جغرافية لاستقبال واسعاف وعلاج ومتابعة حالات نزيف دوالي المرئ والمعدة وتحديد العلاج الأمثل لكل حالة على حدة.
المضاعفات
كمن أهمية الدوالي في مضاعفاتها الخطيرة وهي نزيف الجهاز الهضمي الحاد، وفي مكانها حيث الضغط السلبي والاحتكاك المباشر بالطعام أثناء البلع. وقد يظهر نزيف الدوالي في صورة القيء الدموي أو خروج براز أسود لامع مثل المازوت بالإضافة إلى ما يترتب على النزيف من الأنيميا (فقر الدم) وهبوط بوظائف الكبد وضعف عام.
الوقاية
الوقاية من الدوالي تكمن في تلافي أسباب حدوثها، ونظرا لصعوبة هذا الحل فإن المتاح حاليا هو الاكتشاف المبكر وتحديد حجمها وأماكن تواجدها ومحاولة منع تفاقمها والتخلص منها كي لا تنزف وكي لا يتكرر النزيف – في حال حدوثه - والبعد كل البعد عن كل ما يساعد على زيادة الضغط داخل هذه الأوردة أويؤدي إلى جرحها وتآكل الأغشية المحيطة بها، بالإضافة إلى الأقراص التي تقلل من ضغط الدورة الدموية البابية والتخلص من الدوالي بربطها من خلال المناظير. الوقاية تشتمل على ثلاثة محاور رئيسية هي: الغذاء والدواء والمناظير العلاجية. ونفس هذه المحاور هي المستخدمة في العلاج بالإضافة إلى الآشعة التداخلية والجراحة (في حالات قليلة).
الإرشادات الغذائية الخاصة بمرضى الدوالي
لتجنب تآكل وجرح وتقرح جدار الدوالي والأغشية المحيطة بها ينصح بتجنب الشطة والبهارات الحارة، وإزالة الأشواك والبذور واللب والقشور الجافة من أي طعام يحتوي على أي منها، وتليين أي طعام جاف، ومضغ المأكولات جيدا قبل البلع. كل هذا كي لا يحدث احتكاك بين هذه المأكولات الحادة والجافة والدوالي.
ومن الإرشادات المهمة والتي أثبتها البحث العلمي أن معظم حالات النزيف تحدث بعد تناول المريض وجبات دسمة وكبيرة من حيث الحجم، والسبب وراء ذلك تبين من خلال دراسات أخري وهو أن الوجبات الكبرى تؤدي إلى زيادة احتقنان أوعية البطن بالدم (Splanchnic congestion) وارتفاع ضغط الدورة الدموية البابية مما يؤدي إلى انفجار الدوالي. لذلك نشدد ونكرر ضرورة أن يتناول مريض دوالي المريء والمعدة وجبات صغيرة متكررة.
إرشادات غذائية قبل وبعد المناظير
تستخدم مناظير الجهاز الهضمي العلوية في هذه الأيام على نطاق واسع في تشخيص ومتابعة وعلاج مرضى دوالي المريء والمعدة، ويتعين على المرضى الصيام لمدة لا تقل عن 8 ساعات قبل المنظار لا يسمح لهم فيها إلا بقليل من الماء إن اشتدت الحاجة لذلك كما يسمح فيها بتناول العلاجات المضادة لارتفاع الضغط وأدوية القلب والربو والصرع مع قليل من الماء في الأوقات المعتادة ولكن لا يسمح بتناول أدوية الحموضة. وللصيام قبل المناظير أهمية قصوى حيث أن فراغ المعدة من أي غذاء يساعد علي تشخيص وتحديد نوع ومكان مصدر النزيف، وكثير من المرضى يحتاجون إلى نوع من التخدير البسيط مع الاحتفاظ بالوعي، وفي حال حدوث قيء – لا قدر الله – والمرضى تحت تأثير هذا المخدر فإن الصيام هنا يكون بمثابة وقاية من حدوث شهق أو وصول محتويات المعدة إلى الجهاز التنفسي مما قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة منها الالتهاب الرئوي.
بعد المنظار سيمكث المريض في وحدة المناظير حوالي ساعتين لحين زوال تأثير الأدوية المخدرة وقد يشعر بتنميل وألم في الحلق والزور نتيجة رش مخدر موضعي فيهما لذلك يجب على المريض الامتناع عن الطعام والشراب حتى تعود عملية البلع لطبيعتها (بعد ساعة على الأقل) يمكنه بعدها العودة لنظامه الغذائي العادي إلا إذا طلب منه غير ذلك ويفضل تناول الأطعمة اللينة والعصائر والسوائل بقية اليوم خاصة في الحالات التي يتم فيها تدخل علاجي كربط أو حقن الدوالي. ومن الجدير بالذكر هنا أن المريض ربما يشعر بانتفاخ خفيف بسبب الهواء الذي تم دفعه من خلال المنظار ولكن سرعان ما يزول ذلك.
إرشادات خاصة بالمضاعفات التي تصاحب الدوالي
إذا كان مريض الدوالي يعاني من الغيبوبة الكبدية (Hepatic encephalopathy) الشديدة أو يشعر بأنه مشوش الذهن أو ميالا أكثر للنوم في كل الأوقات فعليه التوقف عن تناول البروتينات الحيوانية واستبدلها بالحليب والزبادي والبروتينات النباتية كالبقول والحبوب المطهية واللينة مثل العدس والفاصوليا والفول والحمص لأن هذا النوع من البروتين أسهل هضما من البروتين الحيواني ولأن هذه المصادر النباتية أقل غني بالبروتين من المصدر الحيواني فإنه يجب الإكثار منها لتعويض احتياج الجسم الزائدللبروتين ولكن على صورة كميات قليلة متكررة.
,إن كان مريض الدوالي يعاني من تجمع السوائل في قدميه (Edema) أوفي تجويف البطن ( (Ascitesأو الاستسقاء فعليه تجنب الملح والأطعمة المحتوية عليه مثل اللحوم الباردة والأطعمة المعلبة والصلصات الجاهزة والمخللات لأنها تساعد على تراكم هذه السوائل بالجسم وتعاكس مفعول المدرات التي يتم تناولها في كثير من هذه الحالات.
الكحول وتأثيره على الدوالي
من رحمة الله – سبحانه وتعالى – أن حرم علينا شرب الكحوليات، ورغم تعدد فوائد هذا التشريع المعجز، فإن ما يهمنا في سياق هذا المقال عن دوالي المريء والمعدة ما قد ثبت بالدليل والبرهان الساطعين من أن تناول المشروبات الكحولية يؤدي إلي ارتفاع ضغط الدورة الدموية البابية، مما ينتج عنه حدوث نزيف من هذه الدوالي. ليس هذا فحسب ولكن ثبت أيضا أن الامتناع عن تناول الكحوليات يقلل من فرص هذا النزيف، بل ويحسن من وظائف الكبد بالإضافة إلى الكثير من الفوائد الأخرى مما لا يتسع لها المجال سواء على الجهاز الهضمي أو ما عداه من أجهزة الجسم المختلفة.
الطعام والشراب الملوث وتأثيره على الدوالي
من الثابت علميا أن القناة الهضمية تكون أكثر احتقانا بالدم في مرضى دوالي المريء والمعدة – نظرا لارتفاع ضغط الدورة الدموية البابية – وبالتالي فهي أكثر عرضة للنزف، ومن الثابت علميا أيضا أن العدوى بالجراثيم تودي إلى احتقان أكثر في العضو أو النسيج المصاب بالعدوى، ومن هذه الجراثيم وأشهرها "جرثومة المعدة الحلزونية" Helicobacter pylori والتي تلعب دورا أساسيا في حدوث وانتكاس تقرحات المعدة والإثنى عشر. لذلك فإن إتباع العادات الصحية السليمة من قص للأظافر وغسل لليدين بعد التبرز وقبل الأكل، والغسل الجيد للخضروات والفواكه وشتى المأكولات التي يتم تناولها طازجة وبدون طهي، وشرب للمياه النقية المطابقة للمواصفات الصحية، وكل ما من شأنه المساعدة في تجنب عدوى القناة الهضمية كل هذا يساعد في تقليل احتمالية نزيف دوالي المريء والمعدة.
ومن الثابت علميا أيضا أن 20% أو أكثر من حالات نزيف الجهاز الهضمي في مرضى دوالي المريء والمعدة لا تكون الدوالي هي المصدر ولكن يكون مصدرها تقرحات أو تسلخات في الغشاء المخاطي المبطن للمريء والمعدة والإثنى عشر، وبالتالي يكون تنظير القناة الهضمية ضروري في المراحل الأولي للعلاج ليس فقط من أجل معرفة وتشخيص مصدر النزيف، ولكن أيضا من أجل تقديم العلاج المناسب والمباشر ورأي العين والتأكد من توقف النزيف قبل سحب المنظار، بل ويمكن أيضا تصوير مصدر النزيف وتسجيل عملية إيقافه لخدمة غرض المتابعة الدقيقة للحالة. وكما سبق نؤكد على دور الميكروبات في حدوث تلك تقرحات والتسلخات بل وفي تأخير التئامها.
ومما يؤكد أهمية الدور الذي تلعبه الجراثيم في ليس فقط في حدوث نزيف دوالي المريء والمعدة بل في التكرار المبكر لعملية النزف بعد توقفها ما توصي به المجامع العلمية المتخصصة والثابت قطعيا من خلال الأبحاث العلمية عالية الجودة من ضرورة أن يتناول مرضى دوالي المريء والمعدة النازفة مضاد حيوي واسع المفعول وذو فعالية خاصة حيال ميكروبات الجهاز الهضمي ولمدة 7 أيام متتالية.
البعد عن الإمساك
يجب على مرضى دوالي المريء والمعدة تجنب الإمساك لأنه قد يكون سببا في تفاقم الغيبوبة الكبدية وزيادة التشويش الذهني لديهم كمه أن الإمساك يساعد على حدوث نزيف من البواسير التي كثيرا ما تكون مصاحبة للدوالي وناشئة نتيجة ارتفاع ضغط الدورة الدموية البابية أيضا. يكون تجنب ذلك بالحرص على تناول الفواكه والخضروات واستبدال الخبز والأرز الأبيض بالأسمر وشرب حوالي ثمانية أكواب من الماء يوميا، ويكون علاجه بتناول دواء اللاكتيلوز الملين بجرعات مناسبة وهي التي تسمح بالتبرز 2-3 مرات يوميا.
ونلخص ونجمل ما سبق بأن مريض دوالي المريء والمعدة عليه إتباع الإرشادات الغذائية التالية:
تناول وجبات صغيرة في فترات متقاربة (6 وجبات يوميا).
الامتناع عن إضافة التوابل والبهارات والشطة الحارة إلى الطعام.
تليين الطعام الصلب وتقطيع الطعام إلى قطع صغيرة ومضغه جيدا.
نزع البذور أو اللب أو الشوك عن الطعام المحتوي على أي منها قبل عملية البلع.
الحرص دوما على نظافة أسنانه.
البعد تماما عن تعاطي الكحوليات.
تجنب ما يؤدي إلى الإمساك وبادربعلاجه إن حدث.
اتباع عادات النظافة السليمة عند الأكل والشرب.
اتصل بطبيبك المعالج أو بإخصائي التغذية العلاجية إذا كان لديك
استفسار عن طبيعة الغذاء المناسب لحالتك.