تعوذات نبوية احرص على معرفتها
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف".
*المعنى العام *
رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد إلى بيت عائشة فوجد عجوزين تناقشان عائشة في عذاب القبر، كانتا من يهود المدينة، وكانتا تخدمان عائشة، وكانتا تستعيذان من عذاب القبر، وكانت عائشة تكذبهما وتقول: أفي القبر عذاب؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوافق عائشة على إنكاره حيث لم ينزل بذلك وحي، ويخشى أن يكون الخبر من صنع اليهود لفتنة المؤمنين.
ونزل الوحي وهو في المسجد، بأن عذاب القبر حق، ورجع ليجد العجوزين تناقشان عائشة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقيهما يا عائشة لقد أوحي إلي أن عذاب القبر حق.
تقول عائشة: فما رأيته صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يصلي إلا ويستعيذ في صلاته من عذاب القبر، وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاستعاذات كما يعلمهم القرآن وكان يرفع بها صوته في الصلاة، لتعليمهم وليقتدوا به،
كان يقول لهم: استعيذوا بالله في صلاتكم بعد نهاية التشهد الأخير، وقبل السلام، من أربع:
عذاب القبر، ومن فتنة وامتحان نزول المسيح الدجال، وممن فتنة الحياة وزينتها وزخارف الدنيا وملذاتها وشهواتها، ومن فتنة الممات والخاتمة وكان صلى الله عليه وسلم يكثر أمام أصحابه من الاستعاذة من المأثم والمغرم، أي من الإثم والعصيان ومن غلبة الدين والغرامات المالية، التي لا يقدر على أدائها.
فقيل له: يا رسول الله.
ما أكثر ما تستعيذ من المغرم.
فما خطره الذي أزعجك حتى أكثرت من الاستعاذة منه؟
قال صلى الله عليه وسلم: إن المغرم باب شر كبير، لأن الرجل إذا غرم ولم يستطع الأداء اختلق لصاحب الحق الأكاذيب، ووعد أن يوفي الدين في يوم كذا ثم لا يوفي، فيورث المغرم شعبتين من شعب المنافقين، الكذب وخلف الوعد، وما أقبح هاتين الرذيلتين!! وما أقبح من يتصف بهما.
وهكذا علم الرسول الكريم أمته دعاء يقيهم الشرور في الدنيا والآخرة.
صلى الله عليه وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه.
*فقه الحديث *
اختلف العلماء في عذاب القبر، هل يقع على الروح فقط، أو عليها وعلى الجسد؟ أو على الجسد وحده؟ جمهور العلماء أنه يقع على الروح والجسد واستدلوا بالحديث "إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم" وبحديث "إنه ليسمع خفق نعالهم" وحديث "تختلف أضلاعه لضمة القبر" وحديث "يضرب بين أذنيه" وحديث "فيقعدانه" مما يدل على عذاب الروح والجسد، فإن عذاب الروح وحده لا يسمع، وما ذكر من التعذيب من صفات الأجساد.
وعذاب القبر ثابت بهذه الأحاديث وغيرها، ويستدل له بقوله تعالى فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم إذ يفيد أن الضرب يعقب الوفاة، وبقوله تعالى عن آل فرعون النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب
وأنكر الخوارج وبعض المعتزلة عذاب القبر مطلقا، وذهب بعض المعتزلة إلى أنه يقع على الكفار دون المؤمنين، والأحاديث صريحة في أنه يقع على المؤمنين والكفار من أمتنا ومن الأمم السابقة.
وذهب ابن حزم وابن هبيرة إلى أن السؤال يقع على الروح فقط، من غير عود إلى الجسد، حملهم على هذا أن الميت قد يشاهد في قبره حال المساءلة ولا أثر فيه من إقعاد أو ضرب أو ضيق أو سعة، وكذلك غير المقبور كالمصلوب، والجواب عن ذلك أن ذلك غير ممتنع في القدرة، والخطأ من قياس الغائب على الشاهد، وأحوال ما بعد الموت على ما قبله.
والاستعاذة الواردة مستحبة بعد التشهد وقبل السلام، وليست بواجبة وأفرط ابن حزم، فقال بوجوبها في التشهد الأول والثاني.
وقد استشكل دعاؤه صلى الله عليه وسلم واستعاذته مما ذكر بأنه معصوم ومغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأجيب عن ذلك بأجوبة.
منها أنه قصد تعليم الأمة أو أن دعاءه واستعاذته لأمته، فيكون المعنى أعوذ بك لأمتي، أو أنه سلك بذلك طريق التواضع وإظهار العبودية، وفيه تحريض لأمته على ملازمة ذلك.
أما الاستعاذة من فتنة الدجال مع تحقق أنه لا يدركه فعلى الجوابين الأولين لا إشكال، أما على الثالث فقيل: يحتمل أن يكون ذلك قبل تحقق عدم إدراكه ويدل عليه قوله في حديث رواه مسلم "إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه"
قال البدر العيني: وفائدة استعاذته من المسيح الدجال أن ينتشر خبره بين الأمة من جيل إلى جيل، أنه كذاب، مبطل، مغتر، ساع على وجه الأرض بالفساد، مموه ساحر، حتى لا يلتبس على المؤمنين أمره عند خروجه.
وقد اختلف العلماء فيما يدعو به الإنسان في صلاته، فعند أبي حنيفة وأحمد:
لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة، أو الموافقة للقرآن الكريم لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم "إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن".
وقال مالك والشافعي:
يجوز أن يدعو فيها بكل ما يجوز الدعاء به خارج الصلاة من أمور الدنيا والدين، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري "ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه" وفي رواية "ثم ليتخير من الدعاء ما أحب".
ولا شك أن الدعاء بالمأثور وبأمور الآخرة أولى وأفضل، والخلاف في الجواز وعدم الجواز وبطلان الصلاة وعدم بطلان الصلاة.
*ويؤخذ من الحديث: *
1- إثبات عذاب القبر.
2-إثبات المسيح الدجال وأنه سيخرج في آخر الزمان، وأنه فتنة وشر.
3- الالتجاء إلى الله تعالى، والاستعاذة به من جميع الشرور الدنيوية والأخروية.
4- بشاعة الدين، والتنفير منه، لما يؤدي إليه من الكذب والخلف بالوعد عند العجز.
5- الاستعاذة بالله من الإثم والعصيان.
6- استحباب الدعاء في آخر الصلاة.
7- كمال شفقته صلى الله عليه وسلم وكمال حرصه على ما ينفع أمته. |
|
|
|