ولادة بنت المستكفي أديبة وشاعرة
قرطبية أندلسية من بيت الخلافة
الأموية، كانت واحدة زمانها ومشار
إليها في أوانها، حسنة المحاورة
مشكورة المذاكرة، مشهورة الصيانة
والعفاف، جزلة القول حسنة الشعر،
وكانت تناضل الشعراء وتجادل الأدباء
وتفوق البرعاء، اشتهرت بأخبارها مع
الوزير ابن زيدون، وملأت أخبارهما
وأشعارهما كتب الأدب، وتعددت مراسلاتهما
الشعرية.
نسب ولادة بنت المستكفي ونشأتها
هي ولادة بنت الخليفة الأموي محمد بن عبد
الرحمن بن عبيد الله بن الناصر
عبد الرحمن بن محمد[1]، الملقب بالمستكفي بالله، وصفه المؤرخون بأنه كان جاهلًا ساقطًا[2]،
ضعيف الرأي ميالًا إلى الانغماس في الشهوات[3]، وأما أمها فهي جارية نصرانية[4]، قيل لعلها:
بنت سَكْرَى المورورية، وعلى الرغم ما وُصف
به والدها من انغماسه في المجون
والشهوات إلا أنه عني بها وأحضر لها
المعلمين والمثقفين، فسرعان ما استيقظت
مواهبها وفاح منها أريج الشعر والفن[5].
ولادة بنت المستكفي الأديبة الشاعرة
ظهرت ولادة بنت المستكفي في
مجتمع قرطبة ببهوها الأدبي الذي
يزينه جمال شِعرها الرائق[6]، فكانت
أديبة شاعرة جزلة القول حسنة الشعر،
جعلت بيتها قبلة الأدباء والشعراء والكتاب،
وصارت تخالطهم وتجالسهم وتحاضرهم
وتطارحهم[7]، يقول ابن بسام:
" وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر،
وفناؤها ملعبًا لجياد النظم والنثر، يعشو أهل
الأدب إلى ضوء غرتها، ويتهالك أفراد
الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها،
إلى سهولة حجابها، وكثرة منتابها"[8]،
وقيل: كان لها صنعة في الغناء ولها
نوادر كثيرة مع الأدباء والشعراء، ومعظم
شعرها يدور حول ابن زيدون[9]، وقد
عمَّت به كتب الأدب والتاريخ.
صفات ولادة بنت المستكفي
كانت ولادة بنت المستكفي امرأة
ظريفة متأدبة وذات جمال بارع وأدب
وأخلاق[10]، حسنة المحاضرة، مشكورة
المذاكرة، مشهورة بالصيانة والعفاف[11]،
وقد أثنى عبد الله بن مكي وكان معاصرًا
لها على نباهتها وفصاحتها، وحرارة
بادرتها، وجزالة منطقها وقال: لم يكن
لها تصاون يطابق شرفها[12]،
ويصفها ابن بسام بقوله: وكانت
في نساء أهل زمانها، واحدة أقرانها
حضور شاهد، وحرارة أوابد، وحسن
منظر ومخبر، وحلاوة مورد ومصدر،
لها علو نصاب وكرم أنساب، وطهارة
أثواب، وأما ذكاء خاطرها، وحرارة نوادرها،
فآية من آيات فاطرها، وكانت مع
ذلك فيها عبث واستهتار وصوَّر ذلك
ابن بسام فقال:" سمح الله لها وتغمد
زللها، أوجدت إلى القول فيها السبيل
بقلة مبالاتها ومجاهرتها بلذاتها[13].
قصة ولادة بنت المستكفي مع ابن زيدون
تنافس في التودد إلى ولادة بنت المستكفي الشعراء والأدباء، وكان
من أبرز المتوددين إليها الشاعر ابن
زيدون[14]، ووزير قرطبي يدعى أبو عامر بن عبدوس[15]، ولكن كان لولادة ميل إلى
ابن زيدون بخلاف غيره من الشعراء
وذلك لحسن أدبه وتقدمه على أهل
زمانه، وكثيرًا ما كتبت إليه من الشعر
والرسائل، وكان ابن زيدون أيضًا كثير
الشغف بها والميل إليها، وأكثر غزل
شعره فيها[16]، وكان حبه لـها أعظم
حدث في حياته وأعظم وحي لروائع
شعره، فقد هام بها ونظم في حبها
طائفة من أروع قصائده، ولكن بعد
مدة من الزمن ساءت العلاقة بينهما
ووقع بينهما ما وقع فهجرته ولادة
وتزوجت أبو عامر بن عبدوس[17].
ومن كلام ابن زيدون فيها قصيدته
المشهورة التي منها:
أضحى التنائي بَديلًا من تَـدانينا ...
وناب عن طِيب لُقْيانا تَـجافينَا
بِتْمُ وبِنِّا فما ابــتلَّـت جوانــحُـنـا ...
شَــوْقًـا إليـكم ولا جَـفَّت مآقينا
تكـاد حيـن تُنـاجيكـم ضمائُـرنا ...
يَقْضي علينا الأسَى لولا تأسِّينا
حـالـتْ لفـقـدكُمُ أيّـامُنـا فـغَـدتْ ...
سُـوداً وكـانتْ بكُم بيضاً لَيالينا
لِيَتبْقَ عهدُكُم عهدُ السرور فما ...
كُـنـتـم لأرواحِـنا إلاّ ريـاحِــينـا[18].
كانت ولادة بنت المستكفي من أروع
الشعراء والأدباء في زمانها، وكانت
لها مكانة مميزة في الشعر، وقد
طال عمرها وعمرت عمرًا طويلاً [19]،
وماتت في قرطبة سنة 484هـ= 1091م[20]،
وقيل: سنة 480ه، والأول أشهر[21].
المراجعة
[1] ابن بشكوال: الصلة في تاريخ أئمة
الأندلس، مكتبة الخانجي، الطبعة الثانية، 1374هـ = 1955م، ص657.
[2] المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس
الرطيب، دار صادر، بيروت، لبنان، الطبعة
الأولى، 1997م، 4/ 208.
[3] تولى المستكفي أمر الخلافة الأموية
في الأندلس نحو سنة وخمسة أشهر،
بداية من سنة 414 هـ= 1024م
إلى سنة 416هـ= 1025م. انظر: محمد عنان:
دولة الإسلام في الأندلس، مكتبة الخانجي،
القاهرة، الطبعة الرابعة،
1417هـ= 1997م، 1/ 666، 667.
[4] محمد عنان: دولة الإسلام في
الأندلس، 2/ 425.
[5] شوقي ضيف: ابن زيدون، نوابغ
الفكر العربي، ص19.
[6] محمد عنان: دولة الإسلام في
الأندلس، 2/ 25.
[7] ابن بشكوال: الصلة في تاريخ
أئمة الأندلس، ص657.
[8] ابن بسام: الذخيرة في محاسن أهل
الجزيرة، تحقيق: إحسان عباس، الدار
العربية للكتاب، ليبيا، تونس، الطبعة
الأولى، 1981م، 1/ 429.
[9] زينب فواز: الدر المنثور في طبقات
ربات الخدور، المطبعة الكبرى الأميرية،
مصر، الطبعة الأولى، 1312هـ، ص545.
[10] ابن حجة الحموي: خزانة الأدب
وغاية الأرب، تحقيق: عصام شقيو،
دار ومكتبة الهلال، بيروت، 2004م، 1/ 410.
[11] ابن شاكر الكتبي: فوات الوفيات،
تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت،
الطبعة الأولى، 1974م، 4/ 251.
[12] ابن بشكوال: الصلة في تاريخ أئمة
الأندلس، ص657.
[13] ابن بسام: الذخيرة في محاسن أهل
الجزيرة، تحقيق: إحسان عباس، الدار
العربية للكتاب، ليبيا، تونس،
الطبعة الأولى، 1981م، 1/ 429، 432.
[14] ابن زيدون (394- 463هـ = 1004- 1071م)
وزير وكاتب وشاعر من أهل قرطبة،
انقطع لخدمة أحد ملوك الطوائف
بالأندلس يدعى ابن جهور، ولكن
خصوم ابن زيدون أفسدوا العلاقة
بينهما فسخط عليه ابن جهور وألقاه
في السجن، فهرب ابن زيدون من
محبسه واتصل بالمعتضد صاحب إشبيلية
فجعله وزيرًا له، وأقام مبجلًا مقربا
إلى أن توفي بإشبيلية في أيام المعتمد
على الله بن المعتضد. انظر: الزركلي:
الأعلام، دار العلم للملايين، الطبعة
الخامسة، 2002م،1/ 158.
[15] علي عبد العظيم: ديوان ابن
زيدون ورسائله، مصر، القاهرة،
مكتبة نهضة مصر، 1376هـ= 1957م، 34.
[16] ابن حجة الحموي: خزانة الأدب
وغاية الأرب، 1/ 410، 411.
[17] محمد عنان: دولة الإسلام في
الأندلس، 2/ 425- 426.
[18] ابن سعيد المغربي: المغرب في
حلى المغرب، تحقيق: شوقي ضيف،
دار المعارف، القاهرة، الطبعة
الثالثة، 1955م، 1/ 66.
[19] ابن شاكر الكتبي: فوات الوفيات، 4/ 252.
[20] ابن بشكوال: الصلة في تاريخ
أئمة الأندلس، ص657، وابن عميرة:
بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل
الأندلس، دار الكاتب العربي،
1967م، ص547، والزركلي: الأعلام،
دار العلم للملايين، الطبعة
الخامسة، 2002م، 8/ 118.
[21] زينب فواز: الدر المنثور في طبقات
ربات الخدور، ص549.
قصة الإسلام
عزيزي الزائر أتمنى انك استفدت من الموضوع ولكن من
اجل منتديات شبكة همس الشوق يرجاء ذكر المصدرعند نقلك لموضوع ويمكنك التسجيل معنا والمشاركة معنا والنقاش في كافه المواضيع الجاده اذا رغبت في ذالك فانا لا ادعوك للتسجيل بل ادعوك للإبداع معنا . للتسجيل اضغظ هنا .
طرح رآقي وأنتقـــاء مميـــز
الله يعطيكـ العافيه
لـروحكـ السعاده الدائمــه
هناك اشخاص نحبهم ليس لشيء
انما نحبهم لطيب نواياهم
و اشخاص لا نعرفهم وربما لم نراهم أبدا في حياتنا
و مع ذلك نحبهم ونحترمهم وندعو لهم بظهر الغيب
اللهم اسعدهم اينما كانوا
شكراً لروعة الطرح المرصع بالجمال
وتقديري الكبير لجهداً مصاغ بالذهب
من الروعة أن نغوص في بحر العلم والمعرفه
والأروع أن نشكر ما بذلتموه من تعب
إمتناني ومودتي لشدوى هذا الوصال أمل أن تكون حروفي على لوحة الإستقبال
وأن نبقى وإياكم عبر أثير الود على إتصال