بفضله يجتمع المسلمون من مختلف الأعراق والأجناس مرة واحدة كل سنة. ولأجله يتخلون عن كل ما يفرقهم فتختفي التعددات اللغوية، وتنمحي الفوارق الطبقية، وتتبخر الانتماءات الثقافية والعرقية، فيهتف الكل بلغة واحدة ملبين نداء الله، ويلبس الكل قماشا أبيض امتثالا لأمر الله، ويطوف الكل حول الكعبة المشرفة تعظيما لشعائر الله. يؤديه المسلمون فتُمحى ذنوبهم، ويقوم به المؤمنون فتُكَفَّر سيئاتهم، ويقبِل عليه القادرون على تحمل أعبائه فيغفر الله ذنوبهم وخطاياهم، ويعودون إلى الديار طاهرين كيوم ولدتهم أمهاتم. يتعلق الأمر بفريضة
الحج التي نستعرض فيما يلي بعضاً من أحكامها.
مشروعية الحج
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو فريضة على كل مسلم ومسلمة مرة واحدة في العمر بنصالقرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع العلماء. ودليل فرضيته في القرآن الكريم قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}. [آل عمران:97]. ودليل وجوبه في السنة النبوية قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا). رواه البخاري ومسلم. وعلى ذلك أجمع أهل العلم واتفقوا.
شروط الحج
شروط
الحج خمسة لا يصح
الحج بدونها ولا يقبل في غيابها، أولها الإسلام؛ لأن الكافر والمشرك وغير المسلمين ليسوا معنيين بشعائر الإسلام حتى يدخلوا فيه، فإن لم يفعلوا فلا حاجة لله بأعمالهم. وثانيها العقل؛ فالعاقل مكلَّف و المجنون مرفوع عنه القلم لكونه لا يميز بين الحق والباطل ولا يستطيع عقد نية القصد إلى الحج. وثالثها البلوغ؛ فالأطفال والمراهقون لا يُلزمهم الشرع بفريضة
الحج لأنهم لا يميزون مقاصده ولا يفهمون أحكامه. ورابعها الحرية؛ لأن العبد أو المملوك لا سلطة له على نفسه ولا استقلالية. وخامسها الاستطاعة أي القدرة المالية والمعنوية والجسدية على أداء مناسك
الحج وتحمل نفقاته والتزاماته.
أركان الحج
للحج أركان إذا أسقط المسلم أحدها فلا حج له. وهذه الأركان أربعة أولها الإحرام وهو نية أداء
الحج أو العمرة، حيث يصبح الحاج بعدها في وضع يحرم عليه إتيان بعض المباحات كارتداء المخيط والمحيط والتطيب بالعطور وتقليم الأظافر وممارسة الصيد. وثانيها الطواف وهو الدوران حول الكعبة المشرفة سبع مرات. وثالثها السعي وهو المشي بين جبلي الصفا والمروة جيئة وذهاباً بنِيَّة التعبد. ورابعها الوقوف بعرفة أي الحضور إلى جبل عرفات والوقوف فيه طاعة لله وأداءً لمناسكه من ظهر اليوم التاسع من شهر ذي الحجة إلى فجر اليوم العاشر منه.
واجبات الحج
واجبات
الحج سبعة على كل حاج أن يؤديها كلها، فإن ترك أحدها أو أكثر وجب عليه الدم أي ذبح شاة أو ما يقوم مقامها والتصدق بها على مساكين الحرم المكي، فإن لم يستطع، صام عشرة أيام متفرقة، ثلاثة في
الحج وسبعة عندما يعود إلى أهله. وأول هذه الواجبات هو الإِحرام من الميقات. وثانيها الوقوف بعرفة حتى تغرب الشمس. وثالثها المبيت بمزدلفة ليلة النحر. ورابعها رمي الجمرات ومنها جمرة العقبة. وخامسها حلْقُ شعر الرأس أو تقصيره. وسادسها المبيت بمِنى في ليالي التشريق. وسابعها طواف الوداع ويؤدى عند مغادرة مكة بعد الانتهاء من مناسك
الحج وشعائره.
ممنوعات الحج ومبطلاته
ممنوعات
الحج أربعة أولها لبس المخيط والمحيط. وثانيها القيام بكل ما من شأنه ترفيه البدن وتنظيفه. وثالثها المعاشرة الجنسية بين الزوجين ودواعيها أو النظر بشهوة أو التقبيل أو المداعبة. ورابعها ممارسة الصيد، حيث يمنع المحرم من صيد البر وقتله بغض النظر عن طبيعته ونوعه، كما يمنع من قطع شجر الحرم المكي. أما مفسدات
الحج فثلاثة أولها التخلف عن الوقوف بعرفة ليلة عيد الأضحى بين المغرب و طلوع الفجر. وثانيها ترْك إحدى واجبات
الحج التي لا تعوَّض بالذبيحة. وثالثها مجامعة الزوجين المُحْرِمَين قبل رمي جمرة العقبة وقبل طواف الإفاضة وقبل انتهاء يوم العيد، فإذا وقع بعد واحد من هذه الثلاثة وجب الهدي كي لا يفسد الحج.