﴿ إِنَّ رَبّنَا لغفورٌ شَكُور ﴾.
يَجُود عَلَى عَبِيده بِالنَّوَال قَبْلَ السُّؤَال، وَيُعْطِي سَائِلهُ فَوْقَ مَا تَعَلَّقَت بِهِ مِنْهُمْ الْآمَال، يَغْفِر لِمَنْ تَاب إِلَيْهُ وَلَوْ بَلَغَت ذُنُوبهُ عَدَد الْأَمْوَاج وَالْحَصَى وَالتُّرَاب وَالرِّمَال،
أَرَحِم بِعِبَاده مِنَ الْوَالِدَة بِوَلَدهَا، وَأَفْرَح بِتَوْبَة التَّائِب مِنَ الْفَاقِد لِرَاحَلَتهُ الَّتِي عَلَيْهَا طَعَامهُ وَشَرَابهُ فِي الْأرْض الْمُهْلِكَة إِذَا وَجْدهَا،
تَعَرَّف إِلَى عِبَاده بِأَوْصَافه وأسمائه وَتُحْبَب إِلَيْهُمْ بِحُلْمه وآلائه، وَلَمْ تُمَنِّعهُ مَعَاصِيهُمْ أَنَّ جَادّ بآلائه، وَ وَعْد مَنْ تَاب إِلَيْهُ وَأَحْسَن طَاعَته بِمَغْفِرَته يَوْم لقائه،
أَفَاض عَلَى خُلُقه النَّعَمَة، وَكَتَب عَلَى نَفْسُهُ الرحمه، وَضُمَّنّ الْكِتَاب أَنَّ رَحْمَتهُ تَغْلَب غَضَبهُ، يُطَاع فَيَشْكُر، وَيُعْصَى فَيَحْلَم،
وَيَتُوب إِلَيْهُ فَاعِل الْقَبِيح فَيَغْفِر لَهُ، الْحُسْنَة عِنْدَهُ بِعُشُرَة أَمِثَالهَا أَوْ يُضَاعِفهَا بِلَا عَدَد وَلَا حُسْبَان، وَالسَّيِّئَة عِنْدَهُ بِوَاحِدَة وَمَصِيرهَا إِلَى الْعَفْو وَالْغُفْرَان،
حَيَاة الْقَلُوب فِي مَعْرِفَته وَمَحَبَّته، وَكَمَال الْجَوَارِح فِي التَّقَرُّب إِلَيْهُ بِطَاعَته، وَالْأَلْسَنَة فِي ذِكْره وَالثَّنَاء عَلَيْهُ، فَأَهَّل شُكْرهُ أَهَّل زِيَادَتهُ،
وَأهْل ذِكْره أهْل مُجَالَسَته، وَأَهَّل طَاعَتهُ أَهَّل كَرَامَتهُ، وَأَهَّل مَعْصِيَتهُ لَا يُقْنِطُون مِنْ رَحْمَته، يَبْتَلِيهُمْ بِأَنْوَاع الْمَصَائِب لِيُكَفِّر عَنْهُمْ الْخَطَايَا وَيُطَهِّرهُمْ مِنَ الْمَعَايِب.
[ عِدَّة الصَّابِرِينَ لـ اِبْن الْقَيِّم
مُخْتَصَرَة مِنْ صـ ٥٤٦ - ٥٤٨ ]