رواية الجبل السحري
يحتاج قارئ «الجبل السحري» للروائي الألماني توماس مان، جهداً خارقاً لمواكبة الرواية الى نهايتها، سواء من جهة الموضوع أو الأبطال أو أسلوب الكتاب، وعليه أن يكون بطيئًا في القراءة بطء الكتابة نفسها.
نشر توماس مان «الجبل السحري» عام 1924 بعد عمل دام 12 سنة. وتصوّر مرضى في مصحة لعلاج الدرن، يجسّد وجودهم اتجاهات المجتمع الأوروبي قبل الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918) المتناقضة.
تعيدنا الرواية الى زمن الكلاسيكيات، بل الى زمن ولادة الرواية وشهرتها قبل أن ينحو هذا الجنس الأدبي نحو فضاءات مختلفة ومواضيع مشتتة فكرية وشعرية وتجريبية، وربما على حاملها الجلوس في عرزال يصارع معها من دون إزعاج من هنا وضجيج من هناك، فمئات الصفحات القائمة على السرد والوصف تبيِّن أن كاتبها كان صبوراً ويعيش في عزلة وربما كتبها لقارئ على شاكلته.
قال الناقد الأدبي مارسيل رايش - رانيكي عن «الجبل السحري»: «إنها قمة لم يصل إليها أحد سابقاً في تاريخ الأدب والفكر والثقافة في ألمانيا. وذلك ما تكلم به كثر هنا وهناك في العالم. فقد نجح مان فعلاً في أن يجعل هذه الحقيقة تذيع في العالم لتصل الى بلده مجدداً». واتكأ الروائي في «الجبل السحري»على معطيات العلم، للنفاذ إلى ما هو بيولوجي غامض في الإنسان، كما لو كان الإنسان تجريداً بارداً لا وجه له، ابن هو في لحظة، وأب عابر في لحظة لاحقة فعاشق، أو معشوق إلى تخوم التلف، وجود عابر ينحل ويتلاشى في سيرورة التبدٌل والتطوّر.
ولأن غاية الطبيعة الصارمة الاحتفاظ بالجنس الإنساني، لا صقله وتتويجه بكمال مفترض، ليست المرأة الفاتنة في «الجبل السحري» إلا قامة مؤسية، ينتظرها التفكّك والانحلال. والمقاطع التي اشتهرت من الرواية حول جو المصح الاستشفائي فيها، ومدى الصدق في تصويره والتعبير عنه، لم تكن من باب المصادفة ولا الخيال، بل كانت نموذجاً واقعياً، عندما كتب مان عن مصح في «دافو» في سويسرا، أمضت زوجته كاتيا فيه بعض الوقت، بسبب إصابة مرضية خفيفة في رئتيها آنذاك.
هناك اكتسب الكاتب انطباعات عن الجو والبيئة، انعكست لاحقاً الى أقصى درجات التفصيل والدقة في كتابه.
الروائي والقاص الألماني توماس مان أحد أبرز أعلام الأدب الألماني في القرن العشرين. ولد في مدينة لوبيك عام 1875 وتوفي عام 1955 بعد أن أمضى حياته مهتماً بالمشاكل البشرية، وباحثاً عن معانٍ انسانية... وقد لقيت كتاباته صدى في نفوس المؤمنين بمسؤولية الكلمة المكتوبة.
عقب النجاح الهائل الذي أحرزته «الجبل السحري»، اكتشف مان أن ابنه كلاوس يرغب في أن يصبح كاتباً أيضاً، فاستاء لذلك إذ إنه كان يريد أن يكون لأبنائه مستقبل آخر غير الأدب. وازداد استياؤه بعد ذلك حين أصرّت ابنته الكبرى إيريكا على أن تكون ممثلة وسافرت الى برلين بهدف تنفيذ أمنيتها.
تأثر مان بشوبنهاور ونيتشه أعمق التأثر وكان لهما دور كبير جداً في تكوينه الفكري والثقافي.
فقد تبنى فلسفة متشائمة ترى أن الحياة رهيبة وأن العالم سيئ، وتتغنى بالموت وبسحر العدم. وجاء حبه للموسيقى نتيجة تأثره وإعجابه بالموسيقار فاغنر، فجعل معظم رواياته يُعنى بالموسيقى والموسيقيين. إضافة الى أن معظم أبطاله يفكرون ويطيلون التفكير في شتى المشاكل التي تُطرح أمامهم وتمتلئ رواياته بحوارات طويلة عميقة تدور بين الأبطال وتمس أعمق المشاكل الإنسانية والفكرية.
مُنح مان عام 1919 درجة الدكتوراه الفخرية في الفلسفة من جامعة بون، وحصل عام 1929 على جائزة نوبل للآداب. كذلك، مُنح عام 1935 مع ألبرت آينشتاين درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة هارفرد.
كان مان إبناً لأحد أعضاء مجلس شيوخ مدينة لوبيك. وفي ذلك الجو البورجوازي نشأ... فرسم بعض شخصياته وبيئته في رواية «عائلة برودنبروك». واشتغل وهو ابن الثامنة عشرة في مكتب شركة للتأمين ضد الحرائق، وأصبح في ما بعد صحافياً. وما إن بلغ الثانية والعشرين بعد عام 1897، حتى قام برحلة الى إيطاليا، فبدأ بكتابة «عائلة برودنبروك» أثناءها، وجمع فيها صوراً واقعية عدة من بيئة أسرته نفسها.
هاجر مان عام 1933 من بلده، بعد أن سيطرت النازية على سدة الحكم في ألمانيا، فعاش خمس سنوات في سويسرا أولاً ثم انتقل الى الولايات المتحدة الأميركية... ليعود الى أوروبا عام 1952 ويعيش في سويسرا، لكنه لم ينقطع عن زيارة ألمانيا.
من قصصه ورواياته المهمة: «الموت في البندقية»، «الدكتور فاوستوس»، «لوته في فايمار»، «يوسف وإخوته» (بأربعة أجزاء)، «طونيو كروجر»، «البطة السوداء»، «فيلكس كرول»، «ماريو والساحر»، فضلاً عن «آل برودنبروك» و»الجبل السحري». |
|
|
|