خواطر حول
كتاب تنبيه المحتار على عدم صحة
القول بفناء النار عن
الصحابة الأخيار
الكاتب هو سليمان بن ناصر العلوان وموضوع الكتاب هو تبيين ضعف الأدلة على أن
النار تفنى بعد مدة من تعذيب الكفار
الكتاب سبب تأليفه هو الرد على من اتهم بعض
الصحابة وبعض الفقهاء بالقول
بفناء النار وهو قول الكاتب حيث قال :
"وقفت على رسالة لبعض ذوي الجهل، يقول بأن بعض
الصحابة قال
بفناء النار فتبديع القائل
بفناء النار يرجع التبديع إليهم، وقد كنت كتبت رسالة في الرد عليه بزعمه أن
النار تفني، وبينت فيها أنه لم يثبت
القول بفناء النار عن أحد من الصحابة، ولكنه لم يصغ إليه، وكذلك بينت في الرسالة أن ابن القيم وشيخه لم يقولا
بفناء النار، بل قال شيخ (الإسلام) في بيان تلبيس الجهمية ص 157 ج1 ثم أخبر ببقاء الجنة والنار بقاء مطلقا، قال المعلق على الكتاب وهو محمد عبد الرحمن بن القاسم: ((هذا مع ما يأتي يكذب ما افتراه عليه أعداؤه من
القول بفناء النار))."
وبين الكاتب أن ما كتبه هو بيان الآثار وهى الروايات التى نسبت لبعض
الصحابة في المسألة وانها كلها لا يصح منها شيئا بسبب علل الرواة حيث قال :
"وهذه الرسالة كتبتها لبيان الآثار التي تروى عن
الصحابة في هذه المسألة وبيان أسانيدهم وما قيل فيها، ثم اتبع ذلك البيان في أن تبديع القائل
بفناء النار لا يلزم منه تبديع ابن القيم ولا شيخه ولا على
القول به
الصحابة ولا غيرهم وأن من الزم بهذا فهو لازم باطل لم يقل به أحد من أهل المعرفة والتحقيق. "
وتناول أن الكذب على
الصحابة أو غيرهم هو أمر محرم حيث قال :
"وقيل أن الشرع في الموضوع أذكر ما قاله الذهبي في ((تذكرة الحافظ)) لأهميته ج1 ص30 قال على قول أبي بكر الصديق إياكم والكذب، فإن مجانب الإيمان صدق الصديق فإن الكذب رأس النفاق وآية المنافق. والمؤمن يطبع على المعاصي والذنوب الشهوانية لا على الخيانة والكذب فما الظن بالكذب على الصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليه وهو القائل: ((إن كذبا علي ليس ككذب على غيري، من يكذب على بني له بيت في النار)) ثم قال فإنا لله وإنا إليه راجعون ماذا إلا بلية عظيمة وخطر شديد ممن يروى الأباطيل والأحاديث الساقطة المتهم نقلتها بالكذب. فحق على المحدث أن يتورع في ما يؤديه, وأن يسأل أهل المعرفة والورع ليعينوه على إيضاح مروياته ولا سبيل إلا أن يصير العارف الذي يزكى نقلة الأخبار ويجرحهم جهبذا إلا بإدمان الطب عن هذا الشأن وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم مع التقوى والدين المتين والإنصاف والتردد إلى مجالس العلماء والتحري والإتقان وإلا تفعل فدع عنك الكتابة لست منها. ولو سودت وجهك بالمداد.. إلى آخر كلامه، فليرجع إليه في موضعه."
وأما الروايات التى نسبت لهم فقد فصل
القول في أسانيدها الواهية حيث قال :
"فصل
أبدأ الآن في بيان أسانيد الآثار التي يحتج فيها، وأبين ما قيل فيها على وجه الإنصاف وتحري الصدق والله الموفق.
(1) ورد في معجم الطبراني حديث مرفوع، من طريق عبد الله بن مسعر بن كدام عن جعفر عن القاسم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي على جهنم يوم ما فيها من بني آدم واحد تخفق أبوابها كأنها أبواب الموحدين)).
قلت: هذا حديث موضوع، لا يصح، فمن نسبه إلى النبي فقد دخل في الوعيد الشديد: ((من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم.
قال ابن الجوزي في كتابه الموضوعات ج3 ص268 [هذا حديث موضوع محال، وجعفر هو ابن الزبير، قال شعبة: كان يكذب، وقال يحيى: ليس بثقة، وقال السعدي: نبذوا حديثه، وقال البخاري والنسائي والدارقطني: متروك] أ.ه
وقال الذهبي في ترجمة جعفر بن الزبير: [ويروى بإسناد مظلم عنه حديث متنه: يأتي على جهنم يوم ما فيها أحد من بني آدم تخفق أبوابها] أ.ه ص47 ج1 ميزان الاعتدال.
وكذلك في إسناده عبد الله بن مسعر بن كدام، قال الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة [قال أبو حاتم: متروك الحديث] ثم قال الذهبي [وفي معجم الطبراني من حديث هذا التالف...] ثم ساق له هذا الحديث ثم قال: [وهذا باطل].
(2) الأثر الثاني والجواب عنه: روى عبد بن حميد في تفسيره فقال: حثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن قال: قال عمر: [لو لبث أهل
النار في
النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه].
فأقول: هذا الأثر رجاله كلهم ثقات ولكنه منقطع، فقولنا رجاله ثقات توفرت ثلاثة شروط من خمسة، وسبب انقطاع هذا الأثر هو أن الحسن لم يسمع من عمره، والمنقطع عند أهل الحديث من قبل الضعيف، والضعيف لا يحتج به في هذه المسائل، بل ذهب جماعة من العلماء إلى أن الحديث الضعيف لا يعمل به، ولا في فضائل الأعمال، فكيف بمسألة هي أكبر من الدنيا وما فيها كما قاله ابن القيم رحمه الله.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ج11 ص422: [هو منقطع] ثم قال [ولو ثبت حمل على الموحدين] أ.ه قلت: وظاهر هذا الأثر ليس فيه دلالة على أنهم الكفار فيجب حمله على الموحدين، وهذا لو ثبت، وإلا فهو ضعيف لا يحتج به، ونحن في غنية بالأحاديث الصحيحة الدالة على بقاء الجنة والنار أبد الآبدين، عن الأحاديث الموضوعة والآثار الواهية، ومما يُضاف إلى ذلك ما قاله الذهبي: ((كان الحسن كثير التدليس)) أ.ه ومعلوم أن المدلس لا يُقبل حديثه حتى يصرح بالسماع، قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ((ليس في المرسلات أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح، فإنهما كانا يأخذان عن كل أحد)).
(3) الأثر الثالث والجواب عنه: أخرج البزار من طريق أبي بلج سمع عمرو بن ميمون يحدث عن عبد الله ابن عمرو، قال: ((ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقاباً)).
الجواب عن هذا: أن يقال: هذا الأثر ضعيف كسابقه، لأن في إسناده أبا بلج، قال قال ابن مجر في تقريب التهذيب في ترجمته: ((صدوق ربما أخطأ)) أه قلت: هذا من أخطائه، ولذلك قال الحافظ الذهبي في ترجمته: ((ومن بلاياه: الفسوى في تاريخه حدثنا بندار عن أبي داود عن شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن عمرو أنه قال: ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد، وهذا منكر، قال ثابت البناني: سألت الحسن عن هذا فأنكره)) أه (ص385 ج4 ميزان الاعتدال.
وبذلك تعلم أن قول بعضهم [رجاله ثقات]، فيه نظر لما تقدم من ضعف أبي بلج. قال أحمد: [روى حديثاً منكراً]، وقال البخاري: [فيه نظر] قال الذهبي في الموقظة [عادة البخاري إذا قال (فيه نظر) أنه بمعنى أنه متهم أو ليس بثقة، فهو عنده أسوأ حالاً من الضعيف] أه.
مع أن هذا الأثر لو ثبت فهو محمول على الموحدين، ولذلك قال عبيد الله بن معاذ في هذا الأثر وأثر أبي هريرة (الآتي إن شاء الله). [كان أصحابنا يقولون: ((يعني من الموحدين))]
(4) الأثر الرابع والجواب عنه:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا) فأقول: هذا الأثر ذكره ابن جرير في تفسيره ج8 ص118 قال: حدثت عن المسيب عمن ذكره قال قال ابن مسعود، فكذره، وذكره البغوي في تفسيره بدون إسناد، وهذا أثر لا يصح، ابن جرير لم يذكر الذي حدثه، والمسيب لم يذكر من حدثه، فهو أثر تالف باطل.
وعلى سبيل صحته فقد قال البغوي في تفسيره: [معناه عند أهل السنة إن ثبت أن لا يبقى فيها أحد من أهل الإيمان، وأما مواضع الكفار فممتلئة أبداً] ج2 ص403.
(5) الأثر الخامس: ساقه ابن القيم في (حادي الأرواح) من رواية إسحاق بن راهويه قال حدثنا عبيد الله حدثنا أبي حدثنا شعبة عن يحيى بن أيوب عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ما أنا بالذي لا أقول أنه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد) وقرأ قوله { فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } . الآية قال عبيد الله: كان أصحابنا يقولون: يعني من الموحدين.
الجواب عنه: هذا الأثر إسناده على شرط الشيخين إلا يحيى بن أيوب فلم يخرجا له، وذكر العقيلي في
كتاب الضعفاء بإسناده عن يحيى بن معين أنه قال [ضعيف] ونقل عن يحيى بن معين أنه ثقة، قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: ((لا بأس به))، وهذه من صيغ توثيق الرجل وقبوله ولكنه في المرتبة الرابعة من المراتب التي ذكرها الحافظ في مقدمة تقريب التهذيب، فالذي يظهر لي أن هذا الأثر إسناده صحيح، ولكن جوابه من وجهين:
الوجه الأول: أنه ليس فيه دلالة على فناء النار، بل هو محمول على الموحدين للجمع بينه وبين الأحاديث الثابتة على بقاء النار، ولذلك قال عبيد الله: كان أصحابنا يقولون: يعني به الموحدين، فحمل هذا الأثر على الطبقة التي فيها عصاة المسلمين منعين لأنه به يحصل الجمع بين الأدلة.
الوجه الثاني: إن أبى القائل
بفناء النار إلا على حمله على فناء النار، فإنه يقال: هذا قول صحابي، وقول الصحابي إذا خالف القرآن أو خالف السنة لا يقبل، بل نفل ابن عقيل الإجماع على أن قول الصحابي على صحابي مثيله ليس بحجة، فكيف إذا خالف القرآن والسنة وقد ذكر الله التأبيد في ثلاثة مواضع في سورة النساء في قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } .
والثاني في قوله تعالى في سورة الأحزاب { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا... } . والثالث في سورة الجن في قوله تعالى: { وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } ، والأحاديث في أبدية
النار كثيرة ذكرنا بعضها في كتابنا (الأدلة والبراهين لإيضاح المعتقد السليم والرد على المخالفين) فليرجع إليها.
وهذا على
القول بأن هذا الأثر أعني أثر أبي هريرة يدل على فناء النار، وإلا فالصحيح أنه لا دلالة فيه البتة، ومن أجل ذلك قال الخازن في تفسيره على أثر أبي هريرة وابن مسعود المتقدم: [وهذا إن صحّ عن ابن مسعود وأبي هريرة فمحمول عند أهل السنة على إخلاء أماكن المؤمنين الذين استحقوا
النار بعد إخراجهم منها لأنه ثبت بالدليل الصحيح القاطع إخراج جميع الموحدين، وخلود الكافرين فيها] أه المقصود منه من الجزء الثالث ص254... وتقدم كلام البغوي على هذا الأثر بما يغني عن إعادته."
وبعد أن أنهى الكاتب كلامه عن الروايات مبينا أنها لا تصح سندا وأنها تعارض الروايات الكثيرة عن الأبدية قال الخلاصة وهى :
"وبعد هذا البيان يتضح للقارئ أنه لم يصح شيء عن
الصحابة في فناء النار، فنسبة
القول إليهم
بفناء النار خطأ قطعاً، يجب إنكاره والذب عن
الصحابة الأخيار أن ينسب إليهم ما لم يقولوه وخلاصة الكلام فيما تقدم أذكر ما قاله صاحب
كتاب الزواجر، قال: (لم يصح عنهم -يعني الصحابة- من ذلك شيء، وعلى التنزل، فمعنى كلامهم كما قاله العلماء ليس فيها أحد من عصاة المؤمنين، أما مواضع الكفار فهي ممتلئة بهم لا يخرجون عنها أبداً كما ذكره الله في آيات كثيرة) أه ج1 ص37.
فصل
أما قول القائل إن تبديع من قال
بفناء النار ينصرف إلى قائليه من
الصحابة وغيرهم، فالجواب تقدم أنه لم يثبت
القول بفناء النار عن أحد من الصحابة، أما هذا الإلزام فهو باطل، وقد أحسبت عن هذا في رسالتي ((الأدلة والبراهين لإيضاح المعتقد السليم والرد على المخالفين)) ونذكر خلاصته وهو أن العالم قد يقول قولاً مرجوحاً، ويكون مجتهداً فيه مأجوراً على اجتهاده فيه مغفوراً له خطؤه لعدم بلوغ المحجة إلى غير ذلك من الأعذار التي توجب العفو."
والأفضل في أمثال تلك الموضوعات هو الاستدلال بآيات القرآن فهو الفيصل في كل المسائل وألأدلة كثيرة اكتفى منها المؤلف بثلاثة وهى :
"وقد ذكر الله التأبيد في ثلاثة مواضع في سورة النساء في قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } .
والثاني في قوله تعالى في سورة الأحزاب { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا... } . والثالث في سورة الجن في قوله تعالى: { وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } "
ومن تلك الأدلة التى لم يذكرها الكتاب التالى :
الأول عدم خروج الكفار من
النار كما قال سبحانه :
قَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ"
الثانى إعادة الكفار للنار كلما ارادوا الخروج كما قال سبحانه:
"وأما الذين فسقوا فمأواهم
النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب
النار الذى كنتم به تكذبون "
الثالث عدم موت الكفار والمسلمين اطلاقا كما قال سبحانه :
"أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى"
وقال أيضا:
"ويتجنبها الأشقى الذى يصلى
النار الكبرى ثم لا يموت فيها"
الرابع الخلود وهو الاستمرارية فالعذاب هو عذاب الخلود كما قال سبحانه :
"ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون"
وقال أيضا:
وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون"
الخامس عدم تخفيف العذاب وفيه قال سبحانه :
" فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون"