بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
(195-220هـ)
هو حفيد الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وكان ورث الأخلاق العالية والصفات الشريفة عن ابيه علي بن موسى الرضا وجده الكاظم (عليهما السلام) واجداده الكرام (عليهم السلام)، فقد كان الجواد هذا، فاضلا، عالما، وافر الحكم، حليما، صريحا في قول الحق، عابدا وقورا، بحرا في عميق الايمان بالله والاخلاق الرفيعة والمعرفة الحكيمة، ومتقيدا بالقرآن والسنة النبوية الشريفة، وهو من الشخصيات التاريخية والرموز الدينية التي نعتز بها ونفتخر بها جدا، فهو سليل الدوحة الهاشمية الطيبة ومن أئمة اهل البيت الكرام الطاهرين ومن الذرية النبوية المبجلة، وهو من ابرز الاعلام في تاريخنا العربي والاسلامي فضلا وعلما ونسبا وسموا وحسبا وعلوا في الورع والفضائل والمكارم، وفوق هذا وذاك فهو زوج ام الفضل بنت الخليفة العباسي المأمون وابن ولي عهده الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام).. فقد جمع المجد والسؤدد من جميع الجوانب وتكاملت فيه كافة الشمائل الطيبة، وترعرع في افضل البيوتات، وتسلق قمة الفخار فاصبح مكانه كالنجم العالي يبهر انظار الجميع، فغدا اصحاب العقول والعلوم والاداب والدراسات القرآنية والادبية والاخبارية واصحاب السنن يقصدونه وينهلون من سعة بحر معارفه، ويستلهمون منها المعاني والافكار والاسرار والدلالات. وهو محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن الامام علي بن ابي طالب (عليهم السلام) القرشي، الهاشمي، المدني، والمدفون ببغداد. وقبر هذا الامام الهمام المدفون بجنب قبر الكاظم (عليه السلام)، وكان وما زال مقصد الزوار من كل صوب وحدب، وذلك لكونهما من ذرية المصطفى والامام علي (عليهما الصلاة والسلام) ولكونهما من الائمة الراسخين والعلماء المستبحرين والعباد الزاهدين والمشهورين كرامة وحكمة وعبادة ووقار وفضلا....الخ. وامه السيدة الفاضلة، سبيكة النوبية، وكانت من اهل بيت ام مارية ام ابراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت مشورة بالورع والعفاف وحب الخير وصنع المعروف، والتقوى. يقول عنه صاحب جامع الانوار:(4) وهو تاسع الائمة الاثني عشر يكنى بابي جعفر الثاني ويلقب بالجواد والتقي، وذكر في تاريخ ابن خلكان انه (عليه السلام) كان يروي مسند أئمة آبائه الى الامام علي (عليه السلام). ولد عليه السلام بالمدينة المنورة في ليلة الجمعة الموافق 19 من شهر رمضان المبارك من سنة (195هـ)، وكان ابيضا معتدلا حسن القوام، اما تلقيبه بأبي جعفر الثاني فذلك لتمييزه عن الامام محمد الباقر (عليه السلام) دفين البقيع بالمدينة. وكان نقش خاتمه (نعم القادر الله). وزوجاته: سمانة المغربية، وام الفضل بنت الخليفة المأمون. وكان اولاده من البنين: الامام علي الهادي (عليه السلام) وموسى، ومن البنات: فاطمة وأمامة، واضاف بعضهم فقال: حكيمة، وام كلثوم، وقيل خديجة. وكان شعراؤه: حماد، وداود بن القاسم الجعفري. وبوابه: عمر بن الفرات وفي رأي اخر كما يضيف البعض: عثمان بن سعيد السمّان. وقد عاصر من الخلفاء كلا من الخليفتين العباسيين: المأمون والمعتصم. وكان المعتصم العباسي اشخصه من المدينة المنورة، فورد بغداد لليلتين بقيتا من محرم سنة (220هجرية). وقد صادف وفاته ببغداد يوم السبت اخر ذي القعدة سنة (220هجرية) ويقال انه توفي مسموما بعد ان دبر له ذلك. ودفن (عليه السلام) مع جده الامام الكاظم (عليه السلام) وعلى قبره قبة متصلة بقبة جده باحكام واتقان عجيب ودقيق –وقبره- كما يلاحظ اليوم ينافس السماء علوا وازدهارا وشموخا، على اعتابه يتكدس الذهب، ويتنافس المسلمون من جميع انحاء المعمورة من المغرب والمشرق والشمال والجنوب على زيارته، والتبرك بقبره الشريف، (وهو يزار في جميع الاوقات). وله منزلة عالية في قلوب المسلمين عامة ولدى اهل بغداد بصورة خاصة، والادعية عند قبره وقبر جده الكاظم (عليهما السلام) مستجابة. وتاريخ الامام الجواد (عليه السلام) تاريخ مرصع بزخارف النور والبركة فقد اوتي من حسن السريرة والتقوى وكمال الورع وبلوغ الحكمة وفضل الخطاب حتى فاق اهل عصره، فاعجب به المأمون واحبه وزوجه ابنته ام الفضل وحملها معه الى المدينة المنورة. وكان رغم زواجه بابنة الخليفة متواضعا الى اقصى الحدود، بسيطا، متقشفا، زاهدا.. وكانت له شمائل سامية، فقد كان شخصية بارزة وعلم شامخ في العلم والحلم والصدق وحسن المروءة وكمال الادب والنجابة والعبادة. والاحاطة التامة باحكام القرآن والسنة، وكان وافر العقل، صائب الرأي، صبورا، فاضلا، متواضعا. وقد بلغ منزلة كبرى في الرسوخ في العلوم العقلية والنقلية، واسع الفقه، راويا للاحاديث الصحيحة باسنادات مرفوعة الى جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) معنعنة عن أبائه الكرام (عليهم افضل السلام)، وكان عالما بالتفسير والتأويل وسائر المعارف الاخرى. وكان الامام محمد الجواد (عليه السلام) احد اجواد العرب حقا، وكان من الموصوفين والمشهورين بالسخاء وال كرم والعطاء ولذلك لقب بالجواد. وقال الصفدي كما اشار الى ذلك في الوافي بالوفيات ان الامام محمد الجواد (عليه السلام) كان يبعث الى المدينة في كل عام باكثر من الف الف درهم. وقد ترك لنا الامام محمد الجواد (عليه السلام) كنزا غاليا من وصاياه واقواله الجليلة وحكمه البليغة والتي حوت على العظات والعبر الفريدة وطبعت خطوطا عريضة ذات مواصفات وخصائص انسانية في المنجز الاخلاقي المترابط بهدي القرآن والسنة ومنهاج الصالحين، وهي تعتبر في ذات الوقت نبراسا وهاجا ينير لنا الدرب، درب الخير والعدل والاستقامة والدعوة الى الحرية واعتماد الحكمة والحث على التعاون ونشر الفضائل والسجايا المحمودة، ووصاياه ثرة وعديدة ويطول نبا استعراضها لذلك يكتفي ببعض منها:
فمن وصية له (عليه السلام) وهو يخاطب ابناء المجتمع: (لا تعالجوا الامر قبل بلوغه فتندموا، ولا يطولن عليكم الامر فتقسوا قلوبكم، وارحموا ضعفاءكم، واطلبوا من الله الرحمة بالرحمة فيهم). وقال (عليه السلام): اياك ومصاحبة الشرير، فانه كالسيف المسلول بحسن منظره، وبقبح أثره. وجاءه رجل، وقال له: أوصيني!! قال: اوتقبل؟ قال: نعم. فقال (عليه السلام): توسد الصبر، واعتق الفقر، وارفض الشهوات، وخالف الهوى، واعلم انك لن تخلو من دين الله، فانظر كيف تكون. واوصى (عليه السلام) قائلا: لا تكن وليا لله في العلانية، وعدوا له في السر. وله اقوال وحكم عديدة منها: اظهار الشيء قبل ان يستحكم مفسدة. وقال: من وثق بالله واتكل عليه نجاه الله من كل سوء، وحرزة من كل عدو، ولو كانت السماوات رتقا على عبد ثم اتقى الله لجعل الله له مخرجا منها. وقال: العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم. وله ادعية جليلة، فمن شذرات دعائه خالص ذكره، قال (عليه السلام) في دعاء الخاشعين: يا من لا شبيه له ولا مثال، انت الله لا اله الا انت، ولا خالق الا انت، تفني المخلوقات وتبقى انت، حلمت عن عصاك، وفي المغفرة رضاك.. ومن بليغ اشاراته قوله: عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه.. وقوله: من سلامة الانسان قلة حفظه لعيوب غيره وعنايته باصلاح عيوب نفسه. وقوله: العامل بالظلم، والمعين عليه، والراضي به شركاء.. وقوله: ثلاث يبلغن العبد رضوان الله تعالى: 1-كثرة الاستغفار.. 2-ولين الجانب.. 3- وكثرة الصدقة.. هذا بعض ما ورد من وصايا وحكم ومواعظ الامام محمد الجواد (عليه السلام) وهي كالبحر الزاخر في المعاني والمقاصد وما احرانا ان نتشبه باقواله وافعاله المستمدة من القرآن الكريم والسنة ونهج آبائه الكرام، قال الشاعر:
وتشبـهوا ان لم تكونوا مثلهم ان التـشــبـه بالكـرام فـلاح
الكاتب جميل ابراهيم حبيب
مراجعة وتقديم ناطق ابراهيم العبيدي
ا