قراءة: عبد الله البارقي: حملت كلمة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، التي ألقاها في قصر الإليزيه بباريس، في الزيارة الرسمية لفرنسا، رسالة سياسية واضحة في إطارها، محددة من القيم والمبادئ التي اعتادت السعودية على تبنيها في سياساتها العريقة، انطلاقاً من ثلاث ركائز الأساسية، هي: الموقع الديني، التأثير السياسي والأهمية الاقتصادية، إضافة إلى الأبعاد الكبيرة التي تطرقت إليها. وتسيد موقفها من الإرهاب ودعم مركز مكافحته سنام تلك الكلمة، وحضرت غزة ومعاناتها في موقف يدعو إلى وقف الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، واصفاً بعد ذلك حال البلدان العربية وما يحدث فيها، ومطالباً بتطبيق قرار (جنيف 1) لوضع سوريا، وكذلك تطلع السعودية في لبنان إلى اجتماع الفرقاء على رئيس واحد لتجاوز الأزمات بها، وكذلك مباركتها لتشكيل حكومة عراقية جديدة، والقلق الكبير من الوضع الأمني في اليمن. وتظهر في كلمة ولي العهد اتسام العلاقات السعودية - الفرنسية بالصداقة القديمة بين البلدين، وأن هذه الزيارة جاءت تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين، وحرصه على ذلك؛ إذ قال ولي العهد: "تدرك المملكة العربية السعودية مكانة فرنسا العالمية، هذه المكانة التي احتلتها بحكم إرثها الثقافي، ودورها السياسي، وثقلها الاقتصادي. كما نقدِّر لحكومتكم جهودها الرامية إلى تحقيق السلام والاستقرار في منطقتنا، التي تعيش - وللأسف الشديد - في دوامة من الأزمات المتتالية، نالت تداعياتها الاستقرار الإقليمي والسلام العالمي". وبيَّن ولي العهد موقف السعودية مع أصدقائها وتواصلها الدائم تجسيداً لما تتمسك به السعودية من قيم ومبادئ إسلامية، ومنها التسامح والإخاء والعدالة والدعوة إلى الحوار، ونبذ التطرف والعنف ومحاربة الإرهاب. وأشارت الكلمة بكل وضوح إلى الدور السعودي لمواجهة الإرهاب، والدعوة السعودية منذ عقد من الزمان؛ إذ دعا خادم الحرمين الشريفين لتأسيس مركز لمكافحة الإرهاب؛ وذلك لتبني مواجهة الإرهاب، ومحاربته عبر مشروع دولي، تتبناه الدول الكبرى والمؤثرة بجانب المنظمات العالمية ذات التأثير الدولي. وقال ولي العهد: "وأدركت حكومة المملكة العربية السعودية خطورة ظاهرة الإرهاب على المجتمع الدولي منذ وقت مبكر؛ إذ دعت إلى مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب، عُقد في مدينة الرياض في عام 2005، كما دعا سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى تأسيس مركز دولي لمكافحة الإرهاب؛ ليكون جزءاً من الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز مكافحة الإرهاب، وأمر ـ حفظه الله ـ بالتبرع بمائة مليون دولار لتفعيل المركز". وبيّن ولي العهد موقف السعودية ومطلبها الذي تلح فيه دائماً إلى الدول المحبة للسلام، بالإسهام في دعم المركز؛ حتى يؤدي دوره؛ إذ قال: "وفي هذا الصدد، فإننا في المملكة العربية السعودية لنأمل بأن تسارع الدول المحبة للسلام إلى الإسهام بفعالية في دعم هذا المركز؛ ليكون محوراً فاعلاً وركيزة أساسية للتعاون الدولي لمكافحة هذه الآفة التي تهدد الأمن والاستقرار في العالم". وربطت كلمة ولي العهد بين أحداث العالم العربي وما يجري في فلسطين تحديداً؛ إذ أكد ولي العهد أن الشعب الفلسطيني في غزه يتعرض لإبادة همجية وجرائم حرب من قِبل إسرائيل، التي تستخدم أعتى الأسلحة، ويقابل ذلك كله صمت عالمي غير مبرر؛ لأن ما يجري في غزة يشكّل جريمة حرب، يقع ضحيتها الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني. ولعل الإشارة الأقوى في البُعد التاريخي لهذه الكلمة حال البلدان العربية، وعدم تنفيذ قرار (جنيف 1) بخصوص القضية السورية، وسعي العراق إلى تشكيل حكومته، والقلق المستمر من الوضع الأمني في اليمن؛ إذ قال ولي العهد: "لقد أولت المملكة العربية السعودية اهتماماً بالغاً - ولا تزال - للقضية الفلسطينية؛ باعتبارها القضية الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط. وقد جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز التي أصبحت المبادرة العربية للسلام لتؤكد هذا الاهتمام؛ إذ تضمنت هذه المبادرة أسس وركائز الحل العادل للقضية الفلسطينية الذي يجنب الشعب الفلسطيني ويلات الحروب والمعاناة القاسية، ويحقق له تطلعاته المشروعة، وإقامة دولته المستقلة، تحقيقاً للسلام العادل والدائم في المنطقة. وفي هذا الخصوص فإننا نؤكد هنا أن ما تعرض له الشعب الفلسطيني الأعزل من عدوان وحشي مدمِّر على غزة أمر لا تقره المواثيق والمبادئ الدولية، وتستهجنه الشرائع كافة. وإننا لنهيب بالمجتمع الدولي أن ينهض بمسؤولياته لتأمين حماية الشعب الفلسطيني من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة". وتابع: "وفي سوريا دعونا إلى تنفيذ قرارات مؤتمر (جنيف1) وما تضمنه من تشكيل هيئة حكم انتقالية، تملك صلاحيات تنفيذية كاملة. وفي لبنان فإننا نأمل أن يتم الاتفاق على رئيس يجمع كل الفرقاء، ويمكّن لبنان من تجاوز أزمته الحالية. ولقد رحبنا في السعودية بالتوافق في العراق، واختيار قياداته، متمنين لهم النجاح في تشكيل حكومة وحدة وطنية، تحرص على وحدة العراق وأمنه واستقراره وسلامة أراضيه. وفيما يتعلق بالشأن اليمني فإننا إذ نعرب عن قلقنا البالغ لتدهور الوضع الأمني فيه، وما يتم القيام به من أعمال تهدف إلى تقويض العملية السياسية التي تستند إلى المبادرة الخليجية، لنأمل أن يسود الأمن والاستقرار في اليمن، والالتزام بالشرعية وما صدر عن مجلس الأمن في هذا الشأن. ولقد دعمنا كل هذه المبادرات والمواقف السياسية بمساعدات إنسانية وتنموية، وبرغبة جادة في تحقيق السلم والأمن والاستقرار السياسي في دول المنطقة". وختم كلمته بموقف السعودية تجاه الأزمة الاقتصادية التي مر بها العالم، وما قدمته من دعم لصناديق التنمية وتوفير الإمدادات البترولية إيماناً بدورها تجاه الاقتصاد العالمي.