بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الرحمن
[ سبب النزول - الفضل - المميزات ]
إن لكل سورةٍ سببَ نزولٍ خاصًّا بها، وسوف نُفصِّل الآن سبب نزول سورة الرحمن.
فقيل إن سبب نزول هذه السورة هو قول المشركين المحكي عنهم: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴾ [الفرقان: 60]، فتكون تسميتها باعتبار إضافةِ سورةٍ إلى الرحمن على معنى إثبات وصفِ الرحمن... فردَّ الله على المشركين بأن الرحمن هو الذي علَّم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وهي من أول السور نزولاً[1].
وقيل: إن هذه السورة نزلت بسببِ قول المشركين في النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ﴾ [النحل: 103]؛ أي: يُعلِّمه القرآن، وكان الاهتمام بذكر الذي يُعلِّم النبي صلى الله عليه وسلم القرآنَ أقوى من الاهتمام بالتعليم.
وورد أيضًا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ذكر ذاتَ يوم القيامة والموازين والجنة والنار، فقال: وددتُ أني كنتُ خضراءَ من هذه الخضر تأتي على بهيمة تأكلني، وأني لم أُخلَق[2]، فنزل قوله تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن: 46].
فضل ومميزات سورة الرحمن:
نتحدَّث أولاً عن فضل سورة الرحمن، وهو قليل الذكر في فضائلها، وفيها الكثير من الأحاديث الضعيفة.
وقد ذكرت في السنة النبوية فضائل بعض السور، ومن هذه الفضائل فضل سورة الرحمن التي سُمِّيت بعروس القرآن.
فعن جابر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: ((لقد قرأتُها على الجنِّ ليلةَ الجن، فكانوا أحسن مردودًا منكم، كنت كلما أتيتُ على ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾، قالوا: لا بشيءٍ من نعمِك ربَّنا نُكذِّب، فلك الحمد))[3].
والآن نذكر مميزات هذه السورة العظيمة، فلها مميزات كثيرة، ولا شك أن لكل شيء مميزات حبَاه الله بها دون غيره، وهذا الكلام ينطبق على الإسلام، فالإسلام فيه من المميزات والخصائص ما تجعله لا يتشابه مع الأديان الأخرى، وكذلك فإن رسولَنا الأعظم محمدًا صلى الله عليه وسلم قد خصَّه الله بخصائص جعلته يتميز عن غيره من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، لذلك فإن نقول: إن الله قد خصَّ كتابه الكريم بخصائص جعلته يختلف عن غيره من الكتب السماوية؛ ومنها: الحفظ، والإعجاز، والتحدي، والشمولية، وإن أهم خصيصةٍ فيه وأبرز ميزة أنه كلام الله سبحانه، ولا شك أن لكل سورةٍ من سوره أشياء وصفات تختصُّ بها عن غيرها من السور، وهذا ما سنحاول أن نُبيِّنَه في هذا المطلب:
فقد ورد عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل شيء عروس، وعروس القرآن سورة الرحمن))[4]، وهذا لا يعدو أن يكون ثناءً على هذه السورة، وليس هو في التسمية في شيء[5].
ولذلك يقال لها عروس القرآن، وأنها مجمع النِّعم والجمال والبهجة في نوعها والكمال[6].
ومن مميزات سورة الرحمن:
• بديع أسلوبها، وافتتاحها الباهر باسمه الرحمن، وهي السورة الوحيدة المفتتحة باسم من أسماء الله، لم يتقدَّمه غيره.
• وكذلك منه التَّعداد في مقام الامتنان والتعظيم قولُه ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؛ إذ تكرَّرت هذه الآية في سورة الرحمن إحدى وثلاثين مرة، وذلك أسلوب عربي جليل[7].
• وكذلك من مميزاتها تعداد آلاء الله الباهرة ونِعَمه الكثيرة الظاهرة على العباد، التي لا يُحصِيها عدٌّ، في مقدمتها نعمة (تعليم القرآن) بوصفه المنةَ الكبرى على الإنسان.
• تناولتِ السورةُ في البداية نِعَم الله الكثيرة، وبعدها دلائل القدرة الباهرة في تسيير الأفلاك، وتسخير السفن الكبيرة، وبعدها الاستعراض السريع لصفحة الكون المنظور.
• استخدام أسلوب الترغيب والترهيب؛ لأن الله سبحانه ذكر أهوال يوم القيامة، وتحدَّث سبحانه عن حال الأشقياء المجرمين، وما يلاقونه من فزع، وبعدها يذكر مشهد النعيم للمتقين في شيء من الإسهاب والتفصيل؛ إذ يكونون في الجنان مع الحور العين.
• تعدُّ سورة الرحمن ذاتَ نسقٍ خاصٍّ وملحوظ؛ فهي إعلان عامٌّ في ساحة الوجود الكبير، وإعلام آلاء الله الباهرة الظاهرة في جميل صنعه، وإبداع خلقه، وفي فيض نعمائه، وفي تدبيره للوجود وما فيه، وتوجه الخلائق كلها إلى وجهه الكريم، وهي إشهادٌ عامٌّ للوجود كله على الثَّقلينِ (الإنس والجن) المخاطبينِ بالسورة على السواء في ساحة الوجود، على مشهد من كل موجود مع تحديهما إن كانا يملكانِ التكذيب بآلاء الله، تحديًا يتكرَّر عقب بيان كل نعمة من نعمه التي يُعدِّدها ويُفصِّلها، ويجعل الكون كله مَعرِضًا لها، وساحة الآخرة كذلك، ورنة الإعلان تتجلَّى في بناء السورة كله، وفي إيقاع فواصلها، تتجلى في إطلاق الصوت إلى أعلى، وامتداد التصويت إلى بعيد، كما تتجلى في المطلع الموقظ الذي يستثير الترقب والانتظار لِما يأتي بعد المطلع من أخبار[8].
• أكثر ميزة في هذه السورة أنها جميلةٌ بتناسق الكلمات؛ ومما يجلي وضوحَ جمال هذه السورة، ما روي أن قيس بن عاصم المنقري قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "اتلُ عليَّ مما أُنزِل عليك، فقرأ عليه سورة ﴿ الرَّحْمَنُ ﴾، فقال: أعِدها، فأعادها ثلاثًا، فقال: والله إن له لطلاوةً، وإن عليه لحلاوةً، وأسفله لَمُغْدِق، وأعلاه مُثمِر، وما يقول هذا بشرٌ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله"، ففي هذه الرواية أسلم قيسٌ بسبب جمال هذه السورة وطلاوتها وصياغة كلماتها[9].
• وفي هذه السورة ذُكِرت نِعَم الله التي لا تُعَدُّ ولا تُحصَى، منها الكبرى المستقرة، ومنها الصغرى المتجددة بتجدد الحياة الإنسانية، فعلى كل إنسان شكرُ هذه النعم اعترافًا بها وإجلالاً لها ووفاءً لحق المُنعِم[10].