تفسير: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه)
الآية: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾.
السورة ورقم الآية: الكهف (28).
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾ مفسر في سورة الأنعام إلى قوله: ﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾؛ أَيْ: لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الهيئات والرُّتبة ﴿ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ تريد مجالسة الأشراف ﴿ وَلَا تُطِعْ ﴾ في تنحية الفقراء عنك ﴿ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾ جعلناه غافلًا ﴿ كَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾؛ أَيْ: ضَياعًا هلاكًا؛ لأنَّه ترك الإيمان والاستدلال بآيات الله تعالى واتَّبَع هواه.
تفسير البغوي "معالم التنزيل": قوله عز وجل: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ﴾ الآية نزلت في عيينة بن حصن الفزاري، أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم وعنده جماعة من الفقراء، فيهم سلمان، وعليه شملة قد عرق فيها، وبيده خوصة يشقها ثم ينسجها، فقال عيينة للنبي صلى الله عليه وسلم: أما يُؤذيك ريحُ هؤلاء، ونحن سادات مضر وأشرافها، فإن أسلمنا أسلم الناس، وما يمنعنا من اتِّباعك إلا هؤلاء، فنحِّهم عنك حتى نتَّبِعَكَ، أو اجعل لنا مجلسًا ولهم مجلسًا، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ﴾؛ أي: احبس يا محمد نفسك ﴿ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾ طرفي النهار ﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾؛ أي: يريدون الله لا يريدون به عَرَضًا من الدنيا.
قال قتادة: نزلت في أصحاب الصُّفَّة، وكانوا سبعمائة رجل فقراء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يرجعون إلى تجارة، ولا إلى زرع ولا ضرع، يُصلُّون صلاةً، وينتظرون أخرى، فلما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الحمد لله الذي جعل في أُمَّتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم)).
﴿ وَلَا تَعْدُ ﴾؛ أي: لا تصرف ولا تتجاوز ﴿ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾ إلى غيرهم ﴿ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أي: طلب مجالسة الأغنياء والأشراف وصحبة أهل الدنيا.
﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾؛ أي: جعلنا قلبه غافلًا عن ذكرنا؛ يعني: عيينة بن حصن، وقيل: أمية بن خلف ﴿ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾؛ أي: مراده في طلب الشهوات ﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ قال قتادة ومجاهد: ضياعًا، وقيل: معناه ضيَّع أمره، وعطَّل أيامه، وقيل: ندمًا، وقال مقاتل ابن حيان: سرفًا، وقال الفراء: متروكًا، وقيل: باطلًا، وقيل: مخالفًا للحق، وقال الأخفش: مجاوزًا للحد؛ قيل: معنى التجاوز في الحد هو قول عيينة: إن أسلمنا أسلم الناس، وهذا إفراطٌ عظيم.