همس الشوق |
همس للقصص وحكايات وروايات خاص بشتى انواع القصص الواقعيه والخياليه |
![]() |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
رواية اولاد الافاعي كامله ![]() ![]()
( 1 ) برغم معارضة أبي وأميّ على سفري إلى الولايات المتحدة إلا أنني بذلت مجهودات خارقة لإقناعهما ، وقد تضرعتُ إلى الله أن يقذف في قلبيهما الموافقة على هذه الأمنية والتي كنتُ أترقبها بشغف منذ سنة كاملة .. أنا حاصل على درجة البكالوريوس في علم الأحياء وقد عزمتُ على إتمام دراساتي العليا هناك في أمريكا كانت والدتي تبكي كثيراً عند إلحاحي عليها بطلبي المستمر أما والدي فيظلّ يفتل شنبه الكثّ وبصوته المهيب يقذف على مسمعي كلمة ( لا ) فتغوص بداخلي ولها حدّ السيف فتظلّ تمزّق جوفي جيئة وذهاباً وأنا أتقطع حسرة وأتجرع غصص حزن مرير لا أدري لِمَ يصران هذا الإصرار العجيب على الرفض ؟! لكن في اعتقادي بأنها عاطفة الأبوّة والتي لا أعرف كنهها حدّ هذه اللحظة ! في مساء يوم جميل اجتمعت أسرتنا عند جدي مؤيد والد أبي .. لم يكن أحد يجرؤ منّا نحن الأحفاد على التحدث في حضرته حتى يستأذن وإن أُذن له فتصيبنا رعدة ورعشة وهيبة لا نكاد ننفك منها حتى تعود إلينا مجدداً هل جربتم الحديث في حضرة كسرى أنوشروان ؟!! إنني أشعر وقتها بأشدّ من ذلك ! هكذا أتخيل جدّي مؤيد لا يرد له طلب ولا يفكر أحد في معارضته أبداً أو كسر كلمته خطرت في ذهني مغامرة لا أدري أهي سذاجة منّي أم شجاعة ؟! وبدون مقدمات فتحتُ فمي ثم زمجرتُ عالياً وأنا أتحاشى النظر إلى وجه جدي مباشرة وقلتُ : - جدي هل تسمح لي بالتحدث ؟ سكت الجميع ورمقني والدي بنظرة تمنيت بأنّ الأرض انشقت وابتلعتني فهو يعرف ما يدور بذهني وأظنه قد كشف خططي .. لكني تماسكت قال جدي : نعم يا فارس ماذا تريد ؟ - أشكرك يا جدي .. عندي طلب بسيط أتمنى أن تكرمني به تحفّز والدي من مكانه وبدأت نظراته أشد شراسة ..! - أريد منك يا جدي الحبيب أن تقنع والدي بسفري لإكمال دراستي في أمريكا - ابتسم جدي وقال : قد توقعتُ أنّ هذا هو طلبك فأنا سمعت بعزمك على ذلك - شعرت بالخزي حينها واصطنعت على شفتي ابتسامة بلهاء لا معنى لها سكت جدي وسكتُّ أنا ووأدتُ تلك الابتسامة والتي ماتت في مهدها ونظرتُ إلى أبي فإذا هو يفرك يديه مستشرفاً لما سوف يقوله جدي * كانت لحظات مصيرية فلو قال جدي ليذهب فارس إلى أمريكا فقد تحققت أمنيتي ، وإن قال لا فهي ( لا الحسرة ) التي سوف تحطم كلّ أحلامي وطموحاتي .. رفع جدي رأسه وأشار بإصبعه السبابة لوالدي – وقد كانت هذه طريقته لإلقاء الأوامر – كتمتُ أنفاسي للاستماع للمرسوم المؤيدي الذي سوف يصدره كبير العائلة - لماذا يا أبا فارس لا تسمح لابنك بالذهاب لأمريكا ، إنه شاب ذكي وخلوق ويعرف جيداً كيف يحافظ على نفسه ! أصابتني رعشة محببة عندما سمعتُ هذا الإطراء المبجّل وممن ؟ من جدي الصارم ! تلعثم والدي قليلاً ثم قال : ولكن يا أبي - كم أكره كلمة لكن هذه .. قالها جدي بشيء من الغضب ثم تابع قائلاً : توكل على الله يا رجل واسمح له بالسفر صمت أبي قليلاً وأنا أترقب هذا الانتصار الذي بدأت تباشير فجره بالانبلاج - هاه ما تقول يا أبا فارس - وماذا أقول ؟ سمعاً وطاعة يا والدي فأنا لا أستطيع أن أردّ لك أي طلب الحقيقة وبرغم الموقف المحرج الذي أوقعتُ فيه والدي إلا أنني كدتُ أطير من الفرحة لسماع موافقته .. قفزتُ سريعاً وابتدرتُ رأس جدي ثم أهويت على رأس والدي ويديه وقبلتهما شعور بالزهوّ بدأ يساورني ليس لأنني استطعتُ إقناع والدي عن طريق جدي لكن لأنني أنا الشاب الوحيد من عائلتي الذي سوف يسافر لأمريكا لإكمال دراسته والعودة بإذن الله وشهادة الدكتوراه ترفرف بأجنحتها فوق رأسي تظللني بدالها المعظمة لم أستطع أن أنم تلك الليلة من كثرة التفكير .. أخذتْ تتقاذفني مخيلتي بأمواجها وأنا أركب زورقاً صغيراً وسط هذه الجبال من الأفكار .. وبدأتُ ألوم نفسي على هذا التهور والطيش وأعذلها على تسرعها وأقول : لقد تمّت الآن الموافقة فهل أنا فعلاً متهيأ لخوض هذه التجربة الشاقة ؟! بمعنى آخر هل أستطيع أن أواجه الغربة لوحدي وقد ترعرعتُ وسط أهلي وبين إخوتي وأخواتي ؟ حتى دراستي الجامعية لم أستطع أن أكملها خارج منطقتي بل عدت سريعاً قبل انتهاء الفصل الأول والتحقتُ بجامعة مدينتي آه كم أنا أحمق ! ليتني خرستُ قبل أن أطلب من جدي ذلك الطلب ليته لم يوافق ... ولكم وددت أن يرفض أبي ! الآن لا أستطيع أن أتراجع .. ماذا سيقول أبناء عمومتي وأقربائي الآخرين ؟ ألا يكفي ما سمعته منهم من استهزاء عندما تركت دراستي الجامعية وعدت إلى هنا ؟! هل أعلن عن تراجعي كما فعلتها بالأمس ؟ّ! ويحي ... يا لنفسي المتقلبة .. أشعر بالحماس يتفجر داخلي لأمر من الأمور ثم لا ألبث حتى أنطفي ويعود حماسي كنقطة ضوء بعثرتها مجاميع الظلام ! أهكذا هي روحي ؟ متذبذبة متقلبة لا تقرّ على قرار ولا ترسو على رأي ؟! أطنان من الخزي تجثم على صدري هل أعلنها لهم بأني جبان رعديد ؟ وليقولوا ما يشاؤون أليس ذلك أهون من السفر إلى تلك الديار البعيدة ؟ آه يا أميّ !! كم أحبكِ .. ليتكِ بجانبي الآن لأدفن وجهي بصدركِ الحنون ، برغم عدم رضاكِ إلا أنكِ كفكفتِ دموعكِ وغمرتِ وجهي بيدك الحانية ودعوتِ لي بأن يوفقني الله ..! لو تعلمين ما يدور بخاطري الآن لأقسمتِ عليّ بعدم الذهاب كانت الدقائق تمرّ بطيئة وأنا أسبح في بحور همومي القاتلة .. الليلة ماطرة وعصف الرياح يكاد يقتلع نوافذ حجرتي وصوت الرعد يزيدني هيبة وقشعريرة .. اجتمع عليّ رعد السماء ورعود سحائب نفسي المظلمة التي لم تزل تقصفني قصفاً موجعاً ذهلتُ عن نفسي لا أدري كم مضى من وقت ؟! هل نمتُ ؟ لا أعتقد ذلك قطرة من ماء أيقظتني من غفوتي يبدو بأنّ ماء المطر قد اجتمع في سطح منزلنا وبدأ سقف الغرفة يصبّ دونما شعور مني قفزتُ على سريري وأخذت كأساً صغيراً عندي ووضعته تحت المكان الذي بدأ بالتقطير أحسستُ بالبهجة قليلاً وأنا أراقب القطرات تنساب من الأعلى وتقطر في الكأس ... بدأتُ بمراقبتها وكأنني في كهف مليء بالخفافيش وقطرات سقفه تقطر رويداً رويداً الحقيقة لم تكن تلك الخفافيش إلا خفافيش خواطري المزعجة امتلأت الكأس نصفها .. تذكرتُ حينها الحكمة المشهورة : ( المتفائلون ينظرون إلى النصف الممتلئ فيقولون هذه نصفها مليء بالماء وأما المتشائمون فينظرون إلى نصفها الفارغة ويقولون هذه نصفها فارغة ) تسلل شعور لطيف داخل نفسي وبدأت تتلاشى تلك الغمامات السوداء من داخلي وتساءلت : لماذا لا أجعل هذه الرحلة بمثابة المغامرة الممتعة لي ؟ الحياة تجارب فلتكن سفرتي هذه من أعظم التجارب أنا ذكي ومتفوق في دراستي فلماذا لا أجعلها فرصتي للإبداع وكسب المزيد من المعرفة ولو لم أكسب سوى التعرف على ثقافات الآخرين لكانت كافية لأكون متفائلاً مسروراً رفعتُ طرفي مرة أخرى أتأمل قطرات الماء وهي تتساقط من الأعلى والكأس يكاد يمتلئ إذن فالنجاح خطوة بخطوة ومهما كانت ضآلة تلك الخطوات وبطء حركتها إلا أنها سوف تحقق هدفها وتصل في يوم من الأيام إلى مرادها أمنيتي أن أحقق حلمي بنيل الدكتوراه .. حتماً سأنجح في تحقيقه بعون الله المهم الثقة بالنفس وعدم اليأس نسائم الإيمان بدأت تغمر فؤادي وشقشقات العصافير أخذت تتسلل إلى مسمعي مؤذنة بيوم جديد يتفتق بالأمل ، وانسلخ مع تلك الليلة القاسية كل خور وضعف كنت أشعر به .. نظرتُ لكأس الماء وقد بدأ يتدفق وخاطبته وكأنه صديق حميم : كم أنت رائع أيها الكأس ! وكم أنتِ رائعة أيتها القطرات لقد بددتما كلّ الأسى والانخذال من روحي ونفثتما في نفسي أمل جديد .!! الموضوع الأصلي : رواية اولاد الافاعي كامله || الكاتب : البارونة || المصدر : شبكة همس الشوق
|
رسالة لكل زوار منتديات شبكة همس الشوق |
عزيزي الزائر أتمنى انك استفدت من الموضوع ولكن من اجل منتديات شبكة همس الشوق يرجاء ذكر المصدرعند نقلك لموضوع ويمكنك التسجيل معنا والمشاركة معنا والنقاش في كافه المواضيع الجاده اذا رغبت في ذالك فانا لا ادعوك للتسجيل بل ادعوك للإبداع معنا . للتسجيل اضغظ هنا . |
![]() | #2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() ![]() ![]()
| ![]() ( 2 ) في ظرف أسبوعين كنتُ قد أعددت كلّ شيء لرحلتي المرتقبة إلى الولايات المتحدة ... وفي صالة المطار كان جميع الأهل والأقرباء والأصدقاء في وداعي .. لحظات لا أستطيع وصفها إلا أنها مهولة وقاسية خاصة عندما عانقتُ أبي وأمي ، فكرت حينها بالاستسلام وإعلان العودة لكني كتمتُ مشاعري ورسمت على وجهي ابتسامة باهتة وأنا أعالج في نفسي آلاف الآهات والزفرات لكنني فعلتُ ذلك من أجل والديّ نداءات الرحلة المتكررة طرقت مسامعنا حملت حقيبتي الشخصية ثم أدرتُ ظهري ولم ألتفت أبداً إلى حيث يقف الجميع توجهتُ مباشرة صوب الصالة الداخلية ومنها إلى الطائرة .. بحثتُ عن مكاني وكان إلى جناح الطائرة بجانب إحدى نوافذها ارتميت على المقعد وسبحتُ في عالم آخر كله حزن ولوعة مريرة أطلقتُ سراح دموعي بعد أن حبستها طويلاً .. مضت ساعات وأنا على تلك الحال ... استفقتُ بعدها وأنا أشعر براحة جزئية جعلتني أتصرف كأيّ مسافر هنا على متن الطائرة ... تناولت كأس عصير مثلج وأخذتُ أتصفح جريدة أمامي ... حاولتُ ألا أفكر في الماضي فأنا هنا لأسير إلى الأمام ... هكذا قررت وقتها . بعد طيراننا لحوالي سبع ساعات هبطت الطائرة في مطار لندن وكان هذا هو خط سيرها .. شعرتُ بالضيق من طول مكوثنا فقد توقفنا لمدة ساعتين تقريباً فضلّت البقاء في مقعدي والتفرج على المناظر الخارجية ثم أمسكت برواية كانت معي وبدأت بقراءتها .. فأنا أحبّ قراءة الروايات وخاصة تلك التي تنمي حاسة الذكاء والتفكير المنطقي لديّ .. أقلعت الطائرة بعد أن تزودت بالوقود ونزول بعض المسافرين الراغبين في الإقامة بلندن وقد صعد ركّاب آخرون يقصدون التوجه للولايات المتحدة كان من ضمنهم رجلاً جلس إلى المقعد الذي بجواري ... رجل في الأربعين من عمره أبيض الوجه وتعلوه بعض الصفرة ... ألقى إليّ التحية بالانجليزية قائلاً مساء الخير سيدي ابتسمت إليه وأجبته مساء الخير .. مرحباً بك ثم ربط حزامه وتناول الجريدة التي أمامه وبدأ بقراءتها .. بعد وصول الطائرة إلى الارتفاع المقرر لها بدأ مضيفوها بتوزيع الوجبات على المسافرين .. اكتفيت بكأس عصير ناولنيه الرجل وهو يبتسم : تفضل يا سيّد فارس !!! كاد الكأس أن يسقط من يدي أحسست بمفاجأة صدمتني ... كيف عرف هذا الرجل اسمي ؟ هل لمح بطاقة الصعود ؟ لكنني متأكد بأنه لم يرها أبداً .. عصرتُ ذاكرتي لعلي أتذكره فلربما قابلته في يوم من الأيام خاصة وأنا أعرف أجانب كثيرين بحكم عمل والدي في إحدى الشركات الأجنبية فقد كان يزوره الكثير من زملائه ومن بينهم أمريكيين وبريطانيين ويابانيين وكان لاحتكاكي بهم إضافة إلى الكثير من الكورسات الفضل بعد الله في إتقاني الكبير للغة الانجليزية .. لكنني متأكد تماماً بأنني لم أقابله قبل اليوم ...! التفتُّ إليه وقلت عفواً يا سيد ... قال وهو يرتشف من عصيره ... اسمي جورج معذرة يا سيد جورج .. هل تقابلنا من قبل ؟ ضحك وقال : أرح نفسك يا سيد فارس فنحن لأول مرة نتقابل - لكن كيف عرفتني ؟ - سوف تعرف عن قريب فلا تستعجل ! إنها مفاجأة سارة يا عزيزي ولن أسمح لنفسي بقطع متعتها عليك - تساءلت : عفواً يا سيدي عن أيّ متعة تتحدث فأنا لا أفهم شيئاً ؟ نظر إليّ وقال : ينبغي أحياناً ألا نستبق الأحداث قبل وقوعها ليس من صالحك أن تتعرف عليّ الآن ! ولماذا ؟ ربما سوف تضرك معرفتي ! بدأت أتوجس من هذا الرجل فثمة غموض يحيط بشخصيته خاصة وأنه بدأ يتخبط بكلماته فكيف تجتمع متعة وضرر في نفس الوقت ؟! لكنني حاولتُ أن أتجاهله وعدت لإكمال روايتي .. بعد قليل مرّت إحدى المضيفات إلى جوار جورج ... رأيتُ وجهه يتهلل فرحاً .. توقفت المضيفة إلى جواره بشكل متعمد وبابتسامة ناعمة ربتت على كتفه وقالت : سعدتُ بلقائك عزيزي جورج إنها مصادفة ممتعة حقاً ضحك جورج وهو يبدي تعجبه لرؤيتها ثم علّق على كلامها : بحق إنها مفاجأة سارة تحدثا قليلاً ثم استأذنت بالانصراف عند نداء أحد الركاب لها نظر إليّ جورج وقال إنها فتاة لطيفة أليس كذلك ؟ لم أجبه على سؤاله وعدتُ مجدداً لقراءة الرواية التي بين يديّ بعد قليل بدأ جورج بالتثاؤب ثم أرخى رأسه على كرسيه وراح في نوم عميق ... الحقيقة وبرغم محاولتي تناسيه إلا أنني لم أستطع التركيز أثناء قراءتي فقد كانت هناك أسئلة عديدة تغزو مخيلتي .. يا ترى من هذا الرجل ؟ وكيف عرف اسمي ؟ ولماذا لا يتكلم ويريحني ؟! بدأت وساوس عديدة تنتابني وتقلقني ... فأنا لم أتعرض في حياتي لموقف مماثل أبداً ! لا بدّ من إجباره على الحديث ! لن أتركه حتى يخبرني كيف تعرّف على اسمي .. بحركة متعمدة أسقطتُ الكتاب الذي بيدي على رأسه انتبه من نومه.. أوه آسف يا سيدي لم أكن أقصد ذلك قلتها وأنا أبتسم ابتسامة اعتذار ! رماني بنظرة غضبى .. فجددت اعتذاري وتأسفت مرة ثانية مدّ يديه إلى الأمام وإلى الخلف ثم هدأ وقال : لا عليك لقد أيقظتني فحسب .. لكن كم بقي عن وصولنا ؟ أجبته أعتقد حوالي أربعين دقيقة أردف قائلاً أظنّ أنه يجب عليّ أن أتناول فنجالاً من القهوة ... هل أطلب لك فنجالاً لكي تنتعش قليلاً ؟ شكرته على لطفه نادى على إحدى المضيفات لكنها لم تسمعه ثم رأته صاحبته الأولى فأتت إليه وقالت : تفضل يا سيد جورج ما هو طلبك ؟ قبل أن يطلب طلبه قال : نسيت أن أعرفكِ يا عزيزتي على صديقنا الجديد فارس .. نظرتْ إليّ المضيفة مبتسمة .. وبنبرة دافئة قالت : تشرفنا برؤيتك يا سيد فارس بدت عليّ علامات الخجل والارتباك وقلت بكلمات متقطعة : شكراً يا آنسة سعدت بلقائك بعد أن أحضرتْ فنجال القهوة وناولته جورج انحنت عليه وهمست في أذنه عدة كلمات ثم قهقهت عالياً وانصرفت وضع جورج الفنجال أمامه ثم علت وجهه موجة سوداء وبدأ يتصبب بالعرق رغم برودة الطائرة ثم أخذ يهذي ببعض الكلمات لم أفهم منها سوى قوله عليك اللعنة يا وليم ... عليك اللعنة لا أدري ما الذي يحدث أمامي ؟ قبل قليل كان يضحك ويغنّي والآن أصبح مربدّ الوجه . لا أكاد أفهم منه كلمة واحدة كنتُ أراقبه وأنا أحسب بأني في كابوس مزعج أو أشاهد فلماً خيالياً يا ترى ما الذي قالته تلك المضيفة له حتى أصابه كل هذا التخبط والخوف المفزع فضلّتُ الصمت وسط هذه الطلاسم التي تحدث أمامي وتمنيت أن نصل بأسرع وقت ممكن مرّت دقائق لم أنزل نظري عن جورج وهو يقرض أظافره بأسنانه ثم يفرك يديه بشدة ثم يبدأ بقرض أظافره من جديد .. توقعتُ بأنه جنّ أو أصابه انهيار عصبي بدّدتُ هذا الصمت وانحنيت إلى جهته سألته معذرة سيد جورج : هل هناك أمر مزعج وقع لك ؟ - نظر إليّ وعيناه تقدحان بالشرر ... لا .. لا شئ على الإطلاق - لكن لماذا أنت بهذه الحالة المحزنة ؟! - قلت لك لا شئ ... صمتُّ مجدداً ... بعد لحظات أمال رأسه إلى يمينه وتفحص الممر لينظر هل هناك أحد قادم ، ثم اقتطع قصاصة صغيرة من الجريدة التي أمامه وكتب فيها بعض الكلمات ثم رماها تحت قدميّ وأشار إليّ بالتقاطها سريعاً أخذتها ونظرت فيها فإذا هو قد كتب : ( احذر يا فارس من وليم 666- fff ) نظرتُ إليه باستغراب وتساءلت ماذا تعني هذه الكلمات والرموز يا سيد جورج ؟ أشار إليّ بالصمت وقال هامساً : لا تتكلم فنحن مراقبان - مراقبان !! وممن ؟ - لم يجبني ! إنما قام مباشرة وذهب إلى مقدمة الطائرة !! بدأت أتأمل القصاصة .. من يكون وليم الذي حذرني منه ؟! * هل يقصد به صديقي الدكتور وليم هاف أستاذ الأحياء الدقيقة في جامعتي والذي درسني قبل سنوات فإنني لا أعرف شخصاً غيره بهذا الاسم لكن لماذا يحذرني منه ؟ فالدكتور وليم شخص مثالي وخلوق وصاحب أيادي بيضاء عليّ فهو الذي شجعني على إتمام دراستي ورتّب إجراءات قبولي في الجامعة التي ينتسب لها هناك في واشنطن .. شئ محيّر بالفعل ؟ ماذا يحدث هنا ؟ وما هي هذه الرموز الغريبة التي كتبها ؟ وهل حقاً نحن مراقبان ؟ وماذا فعلت حتى أراقب ؟ آه رأسي يكاد ينفجر من كثرة التفكير منذ أن صعدت الطائرة وأنا في دوامة مستمرة ، بداية كنتُ أفكر في أهلي وأصدقائي والآن أشغلني هذا الرجل الغريب بتصرفاته لكن لماذا أنا بالذات ؟ فهناك مئات الأشخاص يقبعون هنا في هذه الطائرة فلماذا لم يحذرهم ؟ هل الأمر فعلاً كما يقول يتعلق بالدكتور وليم ؟ مرّت عشر دقائق ولم يرجع جورج مما زاد قلقي ، خاصة وأنه قد أضيئت إشارة ربط الأحزمة استعداداً للهبوط ، بعد قليل مرّ إلى جواري أحد مضيفي الطائرة سألني أين الشخص الذي يقعد إلى جوارك ؟! أخبرته بأنه قد ذهب إلى الأمام منذ ربع ساعة تقريباً ولم يرجع حتى الآن .. هزّ رأسه دلالة على أنه سوف يبحث عنه لكن سرعان ما بدأت الطائرة تستعد للهبوط فاضطر أن يجلس على مقعده المخصص وعندما هبطنا على المدرج ذهب سريعاً ليبحث عن جورج يا ترى هل يكون قد جلس في مقعد من المقاعد الأمامية ؟ لكني لا أعتقد ذلك فكل المقاعد كما يتضح ممتلئة بالكامل ؟ إذن هل هو في دورة المياه ؟ ربما يكون ذلك بعد وقوف الطائرة بدأ الركاب بمغادرتها قررت الجلوس في مقعدي أنتظر المضيف لأعرف ماذا حدث لجورج ؟ غادر جميع الركاب ولم يبق غيري .. أخذت حقيبتي ثم توجهت إلى بوابة الطائرة وأنا أتلفت بحثاً عن جورج لكن المقاعد كلها خالية ، وعند سلم الطائرة رأيت ذلك المضيف فطلب مني أن أتعجل في النزول بسرعة لكنني توقفت وسألته عن جورج ، أشار بيده إلى خارج الطائرة وقال : إنه ذلك الرجل الذي يحمله المسعفون ... انصدمت لرؤية ذلك كانت سيارة الإسعاف واقفة بينما يُحمل جورج وقد وضع على فمه كمامة أكسجين التفتُّ إلى المضيف وسألته : - ماذا حدث له ؟ - لا أدري فقد وجدناه فاقداً للوعي في دورة المياه ! - كيف حدث ذلك لقد كان في كامل وعيه ؟ - لا أعرف حقيقة لكن وجدنا عنده جرعة كبيرة من أقراص تستخدم في علاج ضغط الدم .. يبدو بأنها محاولة انتحار انتحار !! لكن لماذا ؟ بدا الضجر على وجه المضيف وقال بصوت غاضب : معذرة يا سيدي فإنني لا أعرف أي تفصيلات أخرى وأرجو أن تنزل سريعاً فالعربة التي ستقلكم إلى صالة القدوم قد تأخرت كثيراً بسببك نزلت من السلم وعندما صعدت إلى العربة كان الجميع ينظر إليّ بغضب على تأخيري إياهم لم يكن بوسعي أن أعتذر فقد آثرتُ الصمت وطأطأت رأسي مسافة الطريق .! | | ![]()
|