:: أو تبكي السماء والأرض (آخر رد :أسير الصمت)       :: تهنئه بـ الالفيه الرابعه للشاعر حمد فهد والف مبروك (آخر رد :عيونها لك)       :: قصيدة غريبة شكل (آخر رد :ناطق العبيدي)       :: قصيدة الإعجاب يسرني والتعليق يزيد الطاقة (آخر رد :حمدفهد)       :: وتكبر الدنيا بعيوني (آخر رد :تووفه الحربي)       :: اللحوم والدهون تسرطن الجلد (آخر رد :تووفه الحربي)       :: حين يكسرك القريب ويجبرك الغريب (آخر رد :تووفه الحربي)       :: سلسلة احداث السيرة النبوية/الحلقة السادسة (آخر رد :تووفه الحربي)       :: سفراء النبي صلى الله عليه وسلم/5/العلاء بن الخضرمي (آخر رد :تووفه الحربي)       :: الشاعرة والاديبة الفلسطينية مي زيادة (آخر رد :تووفه الحربي)       :: علماء وعباقرة العرب/10/ابن ابي اصبيعة اخلاقيات الطب وتاريخه (آخر رد :تووفه الحربي)       :: تاريخ العراق القديم/البابليين يلجاون للاختباء خوفا من الاشوريين (آخر رد :تووفه الحربي)       :: تاريخ العراق القديم/اتفاقيات الاشوريين للتجارة مع الاناضول (آخر رد :تووفه الحربي)       :: بغداد ياحسرة قلوب السلاطين (آخر رد :تووفه الحربي)       :: روايه نور في غسق الدجى (آخر رد :ناطق العبيدي)       :: روايةقلب المحب دليله رواية سعودية رومنسية (آخر رد :تووفه الحربي)       :: قصيدة هيضت خافي أحزاني (آخر رد :حمدفهد)       :: ابسط وجهك للناس تكسب ودهم (آخر رد :تووفه الحربي)       :: روائع الشعر العراقي/سعدي يونس/لزوم ما لا يلزم (آخر رد :الــســاهر)       :: روائع الشعر العراقي/نازك الملائكة/اغنية الهاوية (آخر رد :تووفه الحربي)       :: روائع الشعر العراقي/كريم العراقي/سبحان الله الغفار (آخر رد :تووفه الحربي)       :: يا نصفي الثاني من العمر مسموح (آخر رد :ناطق العبيدي)       :: قصيدة شوقي وذوقي (آخر رد :حمدفهد)       :: حدود دول وأقاليم غريبة تقع فعليًا داخل دول أخرى/بارل هرتوغ وبارل ناسو (آخر رد :عيونها لك)       :: توائم عن أشهر المعالم السياحية التاريخية في العالم/معبد أنغكور وات / معبد بوروبودور (آخر رد :تووفه الحربي)       :: قبائل منسية اختار البقاء بعيدا عن الحضارة /قبيلة تورومونا السكان الاصليين في بوليفيا (آخر رد :تووفه الحربي)       :: علاجات غريبة كان يعالجون فيها قديمًا /علاج جميع الامراض المزمنة (آخر رد :تووفه الحربي)       :: دعونا نرحب بضيفنا الجديد حياك الله يا الأصيله (آخر رد :تووفه الحربي)       :: بر الوالدين (وبالوالدين إحساناً) (آخر رد :أسير الصمت)       :: التفسير الموضوعي للجهل في القرآن: دراسة لآية “يحسبهم الجاهل أغنياء” (آخر رد :أسير الصمت)       :: قصيدةفي الجو الرهيب (آخر رد :حمدفهد)       :: قصيدة هلاك المحبين (آخر رد :حمدفهد)       :: طريقة عمل خبز الثريد (آخر رد :عيونها لك)       :: هل خطر ببالك يوما الأعمى ماذا يرى (آخر رد :عيونها لك)       :: عظمة بعض الكلمات (آخر رد :عيونها لك)       :: دعونا نرحب بضيفنا الجديد حياك الله يا ابو طلال (آخر رد :الــســاهر)       :: دعونا نرحب بضيفنا الجديد حياك الله يا ثلوج دافئة (آخر رد :الــســاهر)       :: قصيدة عزاه لمن دكه الهوجاس (آخر رد :حمدفهد)       :: سلسلة اعلام المسلمين/الامام الثقة عبدالله بن ابي نجيح (آخر رد :تووفه الحربي)       :: تاريخ السلالات في التاريخ/11/الصفويون (آخر رد :تووفه الحربي)       :: سيرة العشرة المبشرة/11/عمر بن الخطاب/ج2 (آخر رد :تووفه الحربي)       :: سلسلة التعريف بسور القران الكريم/سورة العصر (آخر رد :تووفه الحربي)       :: تفسير اسماء الله الحسنى/الحكيم (آخر رد :ناطق العبيدي)       :: كلمات متوهجه (آخر رد :نظرهـ خجولهـ)       :: أصدقاؤك مثل أسنانك (آخر رد :نظرهـ خجولهـ)       :: رواية ليتني عرفتك باول العمر (آخر رد :تووفه الحربي)       :: روايةسئمت المثاليه فقررت الانحراف (آخر رد :تووفه الحربي)       :: رواية ذكريات قصر عمي (آخر رد :تووفه الحربي)       :: سالم يقود الأخضر في خليجي 26والعقيدي يعودويعتذر (آخر رد :أسير الصمت)       :: التفاوت بين البشر وأعمالهم (آخر رد :أسير الصمت)       :: دعونا نرحب بضيفنا الجديد حياك الله يا أسير الصمت (آخر رد :عيونها لك)       :: رواية لو كرر التاريخ امرأه اخرى مـثلك لـعشقت الخيانة ياسيدتي (آخر رد :تووفه الحربي)       :: دعونا نرحب بضيفنا الجديد حياك الله يا فيرتي سبيرم (آخر رد :تووفه الحربي)       :: جنود مجندة (آخر رد :عاشق الكتابة)       :: لك غلا واحساس صادق مع البوح (آخر رد :تووفه الحربي)       :: رواية جبروت الأبتسامة (آخر رد :تووفه الحربي)       :: رواية امراة في ظل الاسلام (آخر رد :تووفه الحربي)       :: تاريخ العراق القديم/تعرف على السفن النهرية البابلية (آخر رد :تووفه الحربي)       :: دعونا نرحب بضيفنا الجديد حياك الله يا الشيخة (آخر رد :تووفه الحربي)       :: ماعرفت افسر اسراره (آخر رد :تووفه الحربي)       :: روايه لقيطه في الثلاثين تروي بجرأه كل مايدور (آخر رد :تووفه الحربي)       :: الى لندن (آخر رد :تووفه الحربي)       :: ياليل فيك أسرار (آخر رد :تووفه الحربي)       :: دعونا نرحب بضيفنا الجديد حياك الله يا حمدفهد (آخر رد :تووفه الحربي)       :: لحظات مختلفة (آخر رد :نظرهـ خجولهـ)       :: يكفي حنيني (آخر رد :تووفه الحربي)       :: فقدنا في ليالينا مواعيد وفقدنا ناس (آخر رد :تووفه الحربي)       :: حل مشكلة هاك الشكر عند ترقية النسخه الى 3.8.11 او 3.8.12 (آخر رد :تووفه الحربي)       :: دعونا نرحب بضيفنا الجديد حياك الله يا ياسر بريمادر (آخر رد :تووفه الحربي)       :: دعونا نرحب بضيفنا الجديد حياك الله يا وطن قلبك (آخر رد :تووفه الحربي)       :: دعونا نرحب بضيفنا الجديد حياك الله يا شبية الريح (آخر رد :تووفه الحربي)       :: دعونا نرحب بضيفنا الجديد حياك الله يا نجـــــــم (آخر رد :تووفه الحربي)       :: دعونا نرحب بضيفنا الجديد حياك الله يا برستيج انثى (آخر رد :تووفه الحربي)       :: دعونا نرحب بضيفنا الجديد حياك الله يا حُلم (آخر رد :تووفه الحربي)       :: حيرتني يا ضنيني (آخر رد :تووفه الحربي)       :: الكنز الداخلى (آخر رد :نظرهـ خجولهـ)       :: دعونا نرحب بضيفنا الجديد حياك الله يا نور سعيد (آخر رد :تووفه الحربي)       :: كفو الملامة (آخر رد :عيونها لك)       :: السلام عليكم (آخر رد :تووفه الحربي)       :: انا المتيم لم اتب (آخر رد :ناطق العبيدي)       :: دعونا نرحب بضيفنا الجديد حياك الله يا دانه سعيد (آخر رد :ناطق العبيدي)       :: رواية شكيت من حظي وخيبتني ظنوني للكاتبة بحر الغلا (آخر رد :ناطق العبيدي)       :: قصص من التراث العراقي/الف ليلة وليلة/الدرويش الاول (آخر رد :عيونها لك)       :: معركة فتح الاندلس بين المسلمين والصليبيين (آخر رد :عيونها لك)       :: سيرة التابعي الجليل/ جعفر بن موسى (آخر رد :عيونها لك)       :: سيرة الصحابية الجليلة/14/اروى بنت عبدالمطلب (آخر رد :عيونها لك)       :: سيرة الصحابي الجليل/17/الضحاك بن قيس (آخر رد :عيونها لك)       :: تفسير أيات سورة الشعراء (آخر رد :عيونها لك)       :: سلسلة الاخلاق الاسلامية/12/التعاون (آخر رد :حوريه)       :: شريان تدفقي (آخر رد :عاشق الكتابة)       :: من منا قام بشكر اخطاءه يوما (آخر رد :نظرهـ خجولهـ)       :: كن ناصحا لا فاضحا (آخر رد :نظرهـ خجولهـ)       :: تاريخ العراق القديم الملك شمش شوم اوكين واستلامه المنحة المالية (آخر رد :البارونة)       :: بهذه الحياه من المستحيل (آخر رد :نظرهـ خجولهـ)       :: الحياة مجرد كتاب (آخر رد :نظرهـ خجولهـ)       :: روائع الشعر العراقي اديب كمال الدين قرر ان يذهب اليها (آخر رد :تووفه الحربي)       :: روائع الشعر العراقي بدر شاكر السياب سوف امضي اسمع الريح (آخر رد :تووفه الحربي)       :: روائع الشعر العراقي عبدالرزاق عبدالواحد واخيرا نطقت بها (آخر رد :تووفه الحربي)       :: روايه ما فادني زينه كامله (آخر رد :عيونها لك)       :: في بحر الحياة (آخر رد :نظرهـ خجولهـ)      

 

{ شبكة همس الشوق  )
   
 
 
   
{ اعلانات شبكة همس الشوق ) ~
 
 
 
   
فَعاليِات شبَكة همَس الشُوقِ
 
 
Elegant Rose - Double Heart
 غير مسجل  : بصفتك أحد ركائز المنتدى وأعضائه الفاعلين ، يسر الإدارة أن تتقدم لك بالشكر الجزيل على جهودك الرائعه .. وتأمل منك فضلاً لا أمراً المشاركة في أغلب الأقسام وتشجيع كافة الأعضاء بالردود عليهم والتفاعل معهم بقدر المستطاع . ( بكم نرتقي . غير مسجل  . وبكم نتطور ) همس الشوق

اخي الزائر لديك رسالة خاصة من شبكة همس الشوق للقراءة ! اضغط هنا !


الملاحظات

مع تحيات : همس الشوق


همس القرآن الكريم خير كتاب أُنُزل على خير الأنام



تفسير القر ن الكريم للقرطبي البقرة

همس القرآن الكريم


إنشاء موضوع جديد  إضافة رد

بحث حول الموضوع انشر علي FaceBook انشر علي twitter
العوده للصفحه الرئيسيه للمنتدى انشاء موضوع جديد ردود اليوم من يجيب المضطر إذا دعاه مقطع صوتى رائع للقارى خالد الجليل
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23 - 5 - 2020, 12:53 PM   #41



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » يوم أمس (09:59 PM)
 فترةالاقامة » 3846يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)}
قوله تعالى: {قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا} فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {سُبْحانَكَ} أي تنزيها لك عن أن يعلم الغيب أحد سواك. وهذا جوابهم عن قوله: {أَنْبِئُونِي} فأجابوا أنهم لا يعلمون إلا ما أعلمهم به ولم يتعاطوا ما لا علم لهم به كما يفعله الجهال منا. و{ما} في: {ما عَلَّمْتَنا} بمعنى الذي، أي إلا الذي علمتنا، ويجوز أن تكون مصدرية بمعنى إلا تعليمك إيانا.
الثانية: الواجب على من سئل عن علم أن يقول إن لم يعلم: الله أعلم ولا أدري، اقتداء بالملائكة والأنبياء والفضلاء من العلماء، لكن قد أخبر الصادق أن بموت العلماء يقبض العلم، فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون. وأما ما ورد من الاخبار عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه والتابعين بعدهم في معنى الآية فروى البستي في المسند الصحيح له عن ابن عمر أن رجلا سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي البقاع شر؟ قال: «لا أدرى حتى أسأل جبريل» فسأل جبريل، فقال: لا أدري حتى أسأل ميكائيل، فجاء فقال: «خير البقاع المساجد، وشرها الأسواق».
وقال الصديق للجدة: ارجعي حتى أسأل الناس. وكان علي يقول: وأبردها على الكبد، ثلاث مرات. قالوا وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: أن يسأل الرجل عما لا يعلم فيقول: الله أعلم. وسأل ابن عمر رجل عن مسألة فقال: لا علم لي بها، فلما أدبر الرجل. قال ابن عمر: نعم ما قال ابن عمر، سئل عما لا يعلم فقال لا علم لي به! ذكره الدارمي في مسنده.
وفي صحيح مسلم عن أبي عقيل يحيى بن المتوكل صاحب بهية قال: كنت جالسا عند القاسم بن عبيد الله ويحيى بن سعيد، فقال يحيى للقاسم: يا أبا محمد إنه قبيح على مثلك عظيم أن يسأل عن شيء من أمر هذا الدين فلا يوجد عندك منه علم ولا فرج، أو علم ولا مخرج؟ فقال له القاسم: وعم ذاك؟ قال: لأنك ابن إمامي هدى: ابن أبي بكر وعمر. قال يقول له القاسم: أقبح من ذاك عند من عقل عن الله أن أقول بغير علم أو آخذ عن غير ثقة. فسكت فما أجابه.
وقال مالك بن أنس: سمعت ابن هرمز يقول: ينبغي للعالم أن يورث جلساءه من بعده لا أدري حتى يكون أصلا في أيديهم، فإذا سئل أحدهم عما لا يدري قال: لا أدري. وذكر الهيثم بن جميل قال: شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري.
قلت: ومثله كثير عن الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين. وإنما يحمل على ترك ذلك الرياسة وعدم الانصاف في العلم. قال ابن عبد البر: من بركة العلم وآدابه الانصاف فيه، ومن لم ينصف لم يفهم ولم يتفهم. روى يونس بن عبد الأعلى قال سمعت ابن وهب يقول سمعت مالك بن أنس يقول: ما في زماننا شيء أقل من الانصاف.
قلت: هذا في زمن مالك فكيف في زماننا اليوم الذي عم فينا الفساد وكثر فيه الطغام! وطلب فيه العلم للرئاسة لا للدراية، بل للظهور في الدنيا وغلبة الاقران بالمراء والجدال الذي يقسي القلب ويورث الضغن، وذلك مما يحمل على عدم التقوى وترك الخوف من الله تعالى. أين هذا مما روي عن عمر رضي الله عنه وقد قال: لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية ولو كانت بنت ذي العصبة- يعني يزيد بن الحصين الحارثي- فمن زاد ألقيت زيادته في بيت المال، فقامت امرأة من صوب النساء طويلة فيها فطس فقالت: ما ذلك لك! قال: ولم؟ قالت لان الله عز وجل يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} [النساء: 20] فقال عمر: امرأة أصابت ورجل أخطأ! وروى وكيع عن أبي معشر عن محمد بن كعب القرظي قال: سأل رجل عليا رضي الله عنه عن مسألة فقال فيها، فقال الرجل: ليس كذلك يا أمير المؤمنين، ولكن كذا وكذا، فقال علي: أصبت وأخطأت، وفوق كل ذي علم عليم.
وذكر أبو محمد قاسم بن أصبغ قال: لما رحلت إلى المشرق نزلت القيروان فأخذت على بكر بن حماد حديث مسدد، ثم رحلت إلى بغداد ولقيت الناس، فلما انصرفت عدت إليه لتمام حديث مسدد، فقرأت عليه فيه يوما حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه قدم عليه قوم من مضر من مجتابي التمار فقال: إنما هو مجتابي الثمار، فقلت إنما هو مجتابي النمار، هكذا قرأته على كل من قرأته عليه بالأندلس والعراق، فقال لي: بدخولك العراق تعارضنا وتفخر علينا! أو نحو هذا. ثم قال لي: قم بنا إلى ذلك الشيخ- لشيخ كان في المسجد- فإن له بمثل هذا علما، فقمنا إليه فسألناه عن ذلك فقال: إنما هو مجتابي النمار، كما قلت. وهم قوم كانوا يلبسون الثياب مشققة، جيوبهم أمامهم. والنمار جمع نمرة. فقال بكر بن حماد واخذ بأنفه: رغم أنفي للحق، رغم أنفي للحق. وانصرف.
وقال يزيد بن الوليد بن عبد الملك فأحسن:
إذا ما تحدثت في مجلس *** تناهى حديثي إلى ما علمت
ولم أعد علمي إلى غيره *** وكان إذا ما تناهى سكت
الثانية: قوله تعالى: {سُبْحانَكَ} سبحان منصوب على المصدر عند الخليل وسيبويه، يؤدي عن معنى نسبحك تسبيحا.
وقال الكسائي: هو منصوب على أنه نداء مضاف. و{الْعَلِيمُ} فعيل للمبالغة والتكثير في المعلومات في خلق الله تعالى. و{الْحَكِيمُ} معناه الحاكم، وبينهما مزيد المبالغة. وقيل معناه المحكم يجئ والحكيم على هذا من صفات الفعل، صرف عن مفعل إلى فعيل، كما صرف عن مسمع إلى سميع ومؤلم إلى أليم، قاله ابن الأنباري.
وقال قوم: {الْحَكِيمُ} المانع من الفساد، ومنه سميت حكمة اللجام، لأنها تمنع الفرس من الجري والذهاب في غير قصد. قال جرير:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم *** إني أخاف عليكم أن أغضبا
أي امنعوهم من الفساد.
وقال زهير:
القائد الخيل منكوبا دوابرها *** قد أحكمت حكمات القد والأبقا
القد: الجلد. والأبق: القنب. والعرب تقول: أحكم اليتيم عن كذا وكذا، يريدون منعه. والسورة المحكمة: الممنوعة من التغيير وكل التبديل، وأن يلحق بها ما يخرج عنها، ويزاد عليها ما ليس منها، والحكمة من هذا، لأنها تمنع صاحبها من الجهل. ويقال: أحكم الشيء إذا أتقنه ومنعه من الخروج عما يريد. فهو محكم وحكيم على التكثير.


 توقيع : جوهرة بغداد



رد مع اقتباس
قديم 23 - 5 - 2020, 12:54 PM   #42



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » يوم أمس (09:59 PM)
 فترةالاقامة » 3846يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)}
قوله تعالى: {قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ} فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ} أمره الله أن يعلمهم بأسمائهم بعد أن عرضهم على الملائكة ليعلموا أنه أعلم بما سألهم عنه تنبيها على فضله وعلو شأنه، فكان أفضل منهم بأن قدمه عليهم وأسجدهم له وجعلهم تلامذته وأمرهم بأن يتعلموا منه. فحصلت له رتبة الجلال والعظمة بأن جعله مسجودا له، مختصا بالعلم.
الثانية: في هذه الآية دليل على فضل العلم واهلة، وفي الحديث: «وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم» أي تخضع وتتواضع وإنما تفعل ذلك لأهل العلم خاصة من بين سائر عيال الله، لأن الله تعالى ألزمها ذلك في آدم عليه السلام فتأدبت بذلك الأدب. فكلما ظهر لها علم في بشر خضعت له وتواضعت وتذللت إعظاما للعلم واهلة، ورضا منهم بالطلب له والشغل به. هذا في الطلاب منهم فكيف بالاحبار فيهم والربانيين منهم! جعلنا الله منهم وفيهم، إنه ذو فضل عظيم.
الثالثة: اختلف العلماء من هذا الباب، أيما أفضل الملائكة أو بنو آدم على قولين: فذهب قوم إلى أن الرسل من البشر أفضل من الرسل من الملائكة، والأولياء من البشر أفضل من الأولياء من الملائكة. وذهب آخرون إلى أن الملا الأعلى أفضل. احتج من فضل الملائكة بأنهم عِبادٌ مُكْرَمُونَ. {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 26- 27] {لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]. وقوله: {لنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء: 172] وقوله: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام: 50].
وفي البخاري: يقول الله عز وجل: «من ذكرني في ملا ذكرته في ملا خير منهم». وهذا نص. احتج من فضل بني آدم بقوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البريئة} [البينة: 7] بالهمز، من برأ الله الخلق. وقوله عليه السلام: «وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضي لطالب العلم» الحديث. أخرجه أبو داود، وبما جاء في أحاديث من أن الله تعالى يباهي بأهل عرفات الملائكة، ولا يباهي إلا بالأفضل، والله أعلم.
وقال بعض العلماء: ولا طريق إلى القطع بأن الأنبياء أفضل من الملائكة، ولا القطع بأن الملائكة خير منهم، لأن طريق ذلك خبر الله تعالى وخبر رسوله أو إجماع الامة، وليس هاهنا شيء من ذلك، خلافا للقدرية والقاضي أبي بكر رحمه الله حيث قالوا: الملائكة أفضل. قال: وأما من قال من أصحابنا والشيعة: إن الأنبياء أفضل لان الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم، فيقال لهم: المسجود له لا يكون أفضل من الساجد، ألا ترى أن الكعبة مسجود لها والأنبياء والخلق يسجدون نحوها، ثم إن الأنبياء خير من الكعبة باتفاق الامة. ولا خلاف أن السجود لا يكون إلا لله تعالى، لأن السجود عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله، فإذا كان كذلك فكون السجود إلى جهة لا يدل على أن الجهة خير من الساجد العابد وهذا واضح. وسيأتي له مزيد بيان في الآية بعد هذا.
الرابعة: قوله تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} دليل على أن أحدا لا يعلم من الغيب إلا ما أعلمه الله كالأنبياء أو من أعلمه من أعلمه الله تعالى، فالمنجمون والكهان وغيرهم كذبة. وسيأتي بيان هذا في الأنعام إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ}
الخامسة: قوله تعالى: {وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ} أي من قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} حكاه مكي والماوردي.
وقال الزهراوي: ما أبدوه هو بدارهم بالسجود لآدم. {وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} قال ابن عباس وابن مسعود وسعيد بن جبير: المراد ما كتمه إبليس في نفسه من الكبر والمعصية. قال ابن عطية: وجاء {تَكْتُمُونَ} للجماعة، والكاتم واحد في هذا القول على تجوز العرب واتساعها، كما يقال لقوم قد جنى سفيه منهم: أنتم فعلتم كذا. أي منكم فاعله، وهذا مع قصد تعنيف، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4] وإنما ناداه منهم عيينة، وقيل الأقرع. وقالت طائفة: الإبداء والمكتوم ذلك على معنى العموم في معرفة أسرارهم وظواهرهم أجمع.
وقال مهدي بن ميمون: كنا عند الحسن فسأله الحسن بن دينار ما الذي كتمت الملائكة؟ قال: إن الله عز وجل لما خلق آدم رأت الملائكة خلقا عجبا، وكأنهم دخلهم من ذلك شي، قال: ثم أقبل بعضهم على بعض وأسروا ذلك بينهم، فقالوا: وما يهمكم من هذا المخلوق! إن الله لم يخلق خلقا إلا كنا أكرم عليه منه. و{ما} في قوله: {ما تُبْدُونَ} يجوز أن ينتصب بـ {أَعْلَمُ} على أنه فعل، ويجوز أن يكون بمعنى عالم وتنصب به {ما} فيكون مثل حواج بيت الله، وقد تقدم.


 توقيع : جوهرة بغداد



رد مع اقتباس
قديم 23 - 5 - 2020, 12:55 PM   #43



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » يوم أمس (09:59 PM)
 فترةالاقامة » 3846يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34)}
فيه عشر مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنا} أي واذكر. وأما قول أبى عبيدة: إن {إذ} زائدة فليس بجائز، لأن إذ ظرف وقد تقدم. وقال: {قُلْنا} ولم يقل قلت لان الجبار العظيم يخبر عن نفسه بفعل الجماعة تفخيما وإشادة بذكره. والملائكة جمع ملك، وقد تقدم. وتقدم القول أيضا في آدم واشتقاقه فلا معنى لإعادته. وروي عن أبي جعفر بن القعقاع أنه ضم تاء التأنيث من الملائكة اتباعا لضم الجيم في: {اسْجُدُوا}. ونظيره {الْحَمْدُ لِلَّهِ}.
الثانية: قوله تعالى: {اسْجُدُوا} السجود معناه في كلام العرب التذلل والخضوع، قال الشاعر:
يجمع تضل البلق في حجراته *** ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
الأكم: الجبال الصغار. جعلها سجدا للحوافر لقهر الحوافر إياها وأنها لا تمتنع عليها. وعين ساجدة، أي فاترة عن النظر، وغايته وضع الوجه بالأرض. قال ابن فارس: سجد إذا تطامن، وكل ما سجد فقد ذل. والاسجاد: إدامة النظر. قال أبو عمرو: وأسجد إذا طأطأ رأسه، قال:
فضول أزمّتها أسجدت *** سجود النصارى لاحبارها
قال أبو عبيدة: وأنشدني أعرابي من بني أسد:
وقلن له أسجد لليلى فأسجدا ***
يعني البعير إذا طأطأ رأسه. ودراهم الاسجاد: دراهم كانت عليها صور كانوا يسجدون لها، قال:
وافى بها كدراهم الاسجاد ***
الثالثة: استدل من فضل آدم وبنيه بقوله تعالى للملائكة: {اسْجُدُوا لِآدَمَ}. قالوا: وذلك يدل على أنه كان أفضل منهم. والجواب أن معنى: {اسْجُدُوا لِآدَمَ} اسجدوا لي مستقبلين وجه آدم. وهو كقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أي عند دلوك الشمس وكقوله: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ} [ص: 72] أي فقعوا لي عند إتمام خلقه ومواجهتكم إياه ساجدين. وقد بينا أن المسجود له لا يكون أفضل من الساجد بدليل القبلة. فإن قيل: فإذا لم يكن أفضل منهم فما الحكمة في الامر بالسجود له؟ قيل له: إن الملائكة لما استعظموا بتسبيحهم وتقديسهم أمرهم بالسجود لغيره ليريهم استغناءه عنهم وعن عبادتهم.
وقال بعضهم: عيروا آدم واستصغروه ولم يعرفوا خصائص الصنع به فأمروا بالسجود له تكريما. ويحتمل أن يكون الله تعالى أمرهم بالسجود له معاقبة لهم على قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} لما قال لهم: {إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] وكان علم منهم أنه إن خاطبهم أنهم قائلون هذا، فقال لهم: {إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ} [ص: 71] وجاعله خليفة، فإذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. والمعنى: ليكون ذلك عقوبة لكم في ذلك الوقت على ما أنتم قائلون لي الآن. فإن قيل: فقد استدل ابن عباس على فضل البشر بأن الله تعالى أقسم بحياة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]. وأمنه من العذاب بقوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} [الفتح: 2].
وقال للملائكة: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 29]. قيل له: إنما لم يقسم بحياة الملائكة كما لم يقسم بحياة نفسه سبحانه، فلم يقل: لعمري. وأقسم بالسماء والأرض، ولم يدل على أنهما أرفع قدرا من العرش والجنان السبع. وأقسم بالتين والزيتون. وأما قول سبحانه: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ} [الأنبياء: 29] فهو نظير قوله لنبيه عليه السلام: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ} [الزمر: 65] فليس فيه إذا دلالة، والله أعلم.
الرابعة: واختلف الناس في كيفية سجود الملائكة لآدم بعد اتفاقهم على أنه لم يكن سجود عبادة، فقال الجمهور: كان هذا أمرا للملائكة بوضع الجباه على الأرض، كالسجود المعتاد في الصلاة، لأنه الظاهر من السجود في العرف والشرع، وعلى هذا قيل: كان ذلك السجود تكريما لآدم وإظهارا لفضله، وطاعة لله تعالى، وكان آدم كالقبلة لنا. ومعنى: {لِآدَمَ}: إلى آدم، كما يقال صلى للقبلة، أي إلى القبلة.
وقال قوم: لم يكن هذا السجود المعتاد اليوم الذي هو وضع الجبهة على الأرض ولكنه مبقي على أصل اللغة، فهو من التذلل والانقياد، أي اخضعوا لآدم وأقروا له بالفضل. {فَسَجَدُوا} أي امتثلوا ما أمروا به. واختلف أيضا هل كان ذلك السجود خاصا بآدم عليه السلام فلا يجوز السجود لغيره من جميع العالم إلا لله تعالى، أم كان جائزا بعده إلى زمان يعقوب عليه السلام، لقوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً} [يوسف: 100] فكان آخر ما أبيح من السجود للمخلوقين؟ والذي عليه الأكثر أنه كان مباحا إلى عصر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن أصحابه قالوا له حين سجدت له الشجرة والجمل: نحن أولى بالسجود لك من الشجرة والجمل الشارد، فقال لهم: «لا ينبغي أن يسجد لاحد إلا لله رب العالمين». روى ابن ماجه في سننه والبستي في صحيحه عن أبي واقد قال: لما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما هذا» فقال: يا رسول الله، قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم، فأردت أن أفعل ذلك بك، قال: «فلا تفعل فإني لو أمرت شيئا أن يسجد لشيء لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه». لفظ البستي. ومعنى القتب أن العرب يعز عندهم وجود كرسي للولادة فيحملون نساءهم على القتب عند الولادة.
وفي بعض طرق معاذ: ونهى عن السجود للبشر وأمر بالمصافحة.
قلت: وهذا السجود المنهي عنه قد اتخذه جهال المتصوفة عادة في سماعهم وعند دخولهم على مشايخهم واستغفارهم، فيرى الواحد منهم إذا أخذه الحال بزعمه يسجد للإقدام لجهله سواء أكان للقبلة أم غيرها جهالة منه، ضل سعيهم وخاب عملهم.
الخامسة: قوله: {إِلَّا إِبْلِيسَ} نصب على الاستثناء المتصل، لأنه كان من الملائكة على قول الجمهور: ابن عباس وابن مسعود وابن جريج وابن المسيب وقتادة وغيرهم، وهو اختيار الشيخ أبي الحسن، ورجحه الطبري، وهو ظاهر الآية. قال ابن عباس: وكان اسمه عزازيل وكان من أشراف الملائكة وكان من الأجنحة الاربعة ثم أبلس بعد. روى سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان إبليس من الملائكة فلما عصى الله غضب عليه فلعنه فصار شيطانا.
وحكى الماوردي عن قتادة: أنه كان من أفضل صنف من الملائكة يقال لهم الجنة.
وقال سعيد بن جبير: إن الجن سبط من الملائكة خلقوا من نار وإبليس منهم، وخلق سائر الملائكة من نور.
وقال ابن زيد والحسن وقتادة أيضا: إبليس أبو الجن كما أن آدم أبو البشر ولم يكن ملكا، وروى نحوه عن ابن عباس وقال: اسمه الحارث.
وقال شهر بن حوشب وبعض الأصوليين: كان من الجن الذين كانوا في الأرض وقاتلتهم الملائكة فسبوه صغيرا وتعبد مع الملائكة وخوطب، وحكاه الطبري عن ابن مسعود. والاستثناء على هذا منقطع، مثل قوله تعالى: {ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ} [النساء: 157] وقوله: {إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] في أحد القولين، وقال الشاعر:
ليس عليك عطش ولا جوع *** إلا الرقاد والرقاد ممنوع
واحتج بعض أصحاب هذا القول بأن الله عز وجل وصف الملائكة فقال: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، وقوله تعالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف: 50] والجن غير الملائكة. أجاب أهل المقالة الأولى بأنه لا يمتنع أن يخرج إبليس من جملة الملائكة لما سبق في علم الله بشقائه عدلا منه، لا يسأل عما يفعل، وليس في خلقه من نار ولا في تركيب الشهوة حين غضب عليه ما يدفع أنه من الملائكة. وقول من قال: إنه كان من جن الأرض فسبي، فقد روي في مقابلته أن إبليس هو الذي قاتل الجن في الأرض مع جند من الملائكة، حكاه المهدوي وغيره.
وحكى الثعلبي عن ابن عباس: أن إبليس كان من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم، وخلقت الملائكة من نور، وكان اسمه بالسريانية عزازيل، وبالعربية الحارث، وكان من خزان الجنة وكان رئيس ملائكة السماء الدنيا وكان له سلطانها وسلطان الأرض، وكان من أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما، وكان يسوس ما بين السماء والأرض، فرأى لنفسه بذلك شرفا وعظمة، فذلك الذي دعاه إلى الكفر فعصى الله فمسخه شيطانا رجيما. فإذا كانت خطيئة الرجل في كبر فلا ترجه، وإن كانت خطيئته في معصية فارجه، وكانت خطيئة آدم عليه السلام معصية، وخطيئة إبليس كبرا. والملائكة قد تسمى جنا لاستتارها، وفي التنزيل: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} [الصافات: 158]، وقال الشاعر في ذكر سليمان عليه السلام:
وسخر من جن الملائك تسعة *** قياما لديه يعملون بلا أجر
وأيضا لما كان من خزان الجنة نسب إليها فاشتق اسمه من اسمها، والله أعلم. وإبليس وزنه إفعيل، مشتق من الإبلاس وهو اليأس من رحمة الله تعالى. ولم ينصرف، لأنه معرفة ولا نظير له في الأسماء فشبه بالأعجمية، قاله أبو عبيدة وغيره.
وقيل: هو أعجمي لا اشتقاق له فلم ينصرف للعجمة والتعريف، قاله الزجاج وغيره.
السادسة: قوله تعالى: {أَبى} معناه امتنع من فعل ما أمر به، ومنه الحديث الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله- وفي رواية: يا ويلي- أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار». خرجه مسلم. يقال: أبى يأبى إباء، وهو حرف نادر جاء على فعل يفعل ليس فيه حرف من حروف الحلق، وقد قيل: إن الألف مضارعة لحروف الحلق. قال الزجاج: سمعت إسماعيل بن إسحاق القاضي يقول: القول عندي أن الألف مضارعة لحروف الحلق. قال النحاس: ولا أعلم أن أبا إسحاق روى عن إسماعيل نحوا غير هذا الحرف.
السابعة: قوله تعالى: {وَاسْتَكْبَرَ} الاستكبار: الاستعظام فكأنه كره السجود في حقه واستعظمه في حق آدم، فكان ترك السجود لآدم تسفيها لأمر الله وحكمته. وعن هذا الكبر عبر عليه السلام بقوله: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر». في رواية فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال: «إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس». أخرجه مسلم. ومعنى بطر الحق: تسفيهه وإبطاله. وغمط الناس: الاحتقار لهم والازدراء بهم. ويروى: «وغمص» بالصاد المهملة، والمعنى واحد، يقال: غمصه يغمصه غمصا واغتمصه، أي استصغره ولم يره شيئا. وغمص فلان النعمة إذا لم يشكرها. وغمصت عليه قولا قاله، أي عبته عليه. وقد صرح اللعين بهذا المعنى فقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص: 76]. {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} [الإسراء: 61]. {لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 33] فكفره الله بذلك. فكل من سفه شيئا من أوامر الله تعالى أو أمر رسوله عليه السلام كان حكمه حكمه، وهذا ما لا خلاف فيه.
وروى ابن القاسم عن مالك أنه قال بلغني أن أول معصية كانت الحسد والكبر، حسد إبليس آدم، وشح آدم في أكله من الشجرة.
وقال قتادة: حسد إبليس آدم، على ما أعطاه الله من الكرامة فقال: أنا ناري وهذا طيني. وكان بدء الذنوب الكبر، ثم الحرص حتى أكل آدم من الشجرة، ثم الحسد إذ حسد ابن آدم أخاه.
الثامنة: قوله تعالى: {وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ} قيل: كان هنا بمعنى صار، ومنه قوله تعالى: {فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}.
وقال الشاعر:
بتيهاء قفر والمطي كأنها *** قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها
أي صارت.
وقال ابن فورك. كان هنا بمعنى صار خطأ ترده الأصول.
وقال جمهور المتأولين: المعنى أي كان في علم الله تعالى أنه سيكفر، لأن الكافر حقيقة والمؤمن حقيقة هو الذي قد علم الله منه الموافاة.
قلت: وهذا صحيح، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صحيح البخاري: «وإنما الأعمال بالخواتيم».
وقيل: إن إبليس عبد الله تعالى ثمانين ألف سنة، وأعطي الرياسة والخزانة في الجنة على الاستدراج، كما أعطى المنافقون شهادة أن لا إله إلا الله على أطراف ألسنتهم، وكما أعطي بلعام الاسم الأعظم على طرف لسانه، فكان في رئاسته والكبر في نفسه متمكن. قال ابن عباس: كان يرى لنفسه أن له فضيلة على الملائكة بما عنده، فلذلك قال: أنا خير منه، ولذلك قال الله عز وجل: {ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ} [ص: 75] أي استكبرت ولا كبر لك، ولم أتكبر أنا حين خلقته بيدي والكبر لي! فلذلك قال: {وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ} [ص: 74]. وكان أصل خلقته من نار العزة، ولذلك حلف بالعزة فقال: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82] فالعزة أورثته الكبر حتى رأى الفضل له على آدم عليه السلام. وعن أبي صالح قال: خلقت الملائكة من نور العزة وخلق إبليس من نار العزة.
التاسعة: قال علماؤنا- رحمة الله عليهم-: ومن أظهر الله تعالى على يديه ممن ليس بنبي كرامات وخوارق للعادات فليس ذلك دالا على ولايته، خلافا لبعض الصوفية والرافضة حيث قالوا: إن ذلك يدل على أنه ولي، إذ لو لم يكن وليا ما أظهر الله على يديه ما أظهر. ودليلنا أن العلم بأن الواحد منا ولي لله تعالى لا يصح إلا بعد العلم بأنه يموت مؤمنا، وإذا لم يعلم أنه يموت مؤمنا لم يمكنا أن نقطع على أنه ولي لله تعالى، لأن الولي لله تعالى من علم الله تعالى أنه لا يوافي إلا بالايمان. ولما اتفقنا على أننا لا يمكننا أن نقطع على أن ذلك الرجل يوافي بالايمان، ولا الرجل نفسه يقطع على أنه يوافي بالايمان، علم أن ذلك ليس يدل على ولايته لله. قالوا: ولا نمنع أن يطلع الله بعض أوليائه على حسن عاقبته وخاتمة عمله وغيره معه، قال الشيخ أبو الحسن الأشعري وغيره. وذهب الطبري إلى أن الله تعالى أراد بقصة إبليس تقريع أشباهه من بني آدم، وهم اليهود الذي كفروا بمحمد عليه السلام مع علمهم بنبوته، ومع قدم نعم الله عليهم وعلى أسلافهم.
العاشرة: واختلف هل كان قبل إبليس كافر أو لا؟ فقيل: لا، وإن إبليس أول من كفر.
وقيل: كان قبله قوم كفار وهم الجن وهم الذين كانوا في الأرض. واختلف أيضا هل كفر إبليس جهلا أو عنادا على قولين بين أهل السنة، ولا خلاف أنه كان عالما بالله تعالى قبل كفره. فمن قال إنه كفر جهلا قال: إنه سلب العلم عند كفره. ومن قال كفر عنادا قال: كفر ومعه علمه. قال ابن عطية: والكفر عنادا مع بقاء العلم مستبعد، إلا أنه عندي جائز لا يستحيل مع خذل الله لمن يشاء.


 توقيع : جوهرة بغداد



رد مع اقتباس
قديم 23 - 5 - 2020, 12:56 PM   #44



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » يوم أمس (09:59 PM)
 فترةالاقامة » 3846يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)}
فيه ثلاث عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى-: {وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ} لا خلاف أن الله تعالى أخرج إبليس عند كفره وأبعده عن الجنة، وبعد إخراجه قال لآدم: اسكن، أي لازم الإقامة واتخذها مسكنا، وهو محل السكون. وسكن إليه يسكن سكونا. والسكن: النار، قال الشاعر:
قد قومت بسكن وأدهان ***
والسكن: كل ما سكن إليه. والسكين معروف سمي به لأنه يسكن حركة المذبوح، ومنه المسكين لقلة تصرفه وحركته. وسكان السفينة عربي، لأنه يسكنها عن الاضطراب.
الثانية: في قوله تعالى: {اسْكُنْ} تنبيه على الخروج، لأن السكنى لا تكون ملكا، ولهذا قال بعض العارفين: السكنى تكون إلى مدة ثم تنقطع، فدخولهما في الجنة كان دخول سكنى لا دخول إقامة.
قلت: وإذا كان هذا فيكون فيه دلالة على ما يقوله الجمهور من العلماء: إن من أسكن رجلا مسكنا له أنه لا يملكه بالسكنى، وأن له أن يخرجه إذا انقضت مدة الإسكان. وكان الشعبي يقول: إذا قال الرجل داري لك سكنى حتى تموت فهي له حياته وموته، وإذا قال: داري هذه أسكنها حتى تموت فإنها ترجع إلى صاحبها إذا مات. ونحو من السكنى العمرى، إلا أن الخلاف في العمرى أقوى منه في السكنى. وسيأتي الكلام في العمرى في هود إن شاء الله تعالى. قال الحربي: سمعت ابن الأعرابي يقول: لم يختلف العرب في أن هذه الأشياء على ملك أربابها ومنافعها لمن جعلت له العمرى والرقبى والإفقار والاخبال والمنحة والعرية والسكنى والاطراق. وهذا حجة مالك وأصحابه في أنه لا يملك شيء من العطايا إلا المنافع دون الرقاب، وهو قول الليث بن سعد والقاسم بن محمد، ويزيد بن قسيط. والعمرى: هو إسكانك الرجل في دار لك مدة عمرك أو عمره. ومثله الرقبى: وهو أن يقول: إن مت قبلي رجعت إلي وإن مت قبلك فهي لك، وهي من المراقبة. والمراقبة: أن يرقب كل واحد منهما موت صاحبه، ولذلك اختلفوا في إجازتها ومنعها، فأجازها أبو يوسف والشافعي، وكأنها وصية عندهم. ومنعها مالك والكوفيون، لأن كل واحد منهم يقصد إلى عوض لا يدري هل يحصل له، ويتمنى كل واحد منهما موت صاحبه.
وفي الباب حديثان أيضا بالإجازة والمنع ذكرهما ابن ماجه في سننه، الأول رواه جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «العمرى جائزة لمن أعمرها والرقبى جائزة لمن أرقبها» ففي هذا الحديث التسوية بين العمرى والرقبى في الحكم.
الثاني رواه ابن عمر قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا رقبى فمن أرقب شيئا فهو له حياته ومماته». قال: والرقبى أن يقول هو للآخر: مني ومنك موتا. فقوله: «لا رقبى» نهي يدل على المنع، وقوله: «من أرقب شيئا فهو له» يدل على الجواز، وأخرجهما أيضا النسائي. وذكر عن ابن عباس قال: العمرى والرقبى سواء.
وقال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «العمرى جائزة لمن أعمرها والرقبى جائزة لمن أرقبها». فقد صحح الحديث ابن المنذر، وهو حجة لمن قال بأن العمرى والرقبى سواء. وروي عن علي وبه قال الثوري وأحمد، وأنها لا ترجع إلى الأول أبدا، وبه قال إسحاق.
وقال طاوس: من أرقب شيئا فهو سبيل الميراث. والإفقار مأخوذ من فقار الظهر. أفقرتك ناقتي: أعرتك فقارها لتركبها. وأفقرك الصيد إذا أمكنك من فقاره حتى ترميه. ومثله الاخبال، يقال: أخبلت فلانا إذا أعرته ناقة يركبها أو فرسا يغزو عليه، قال زهير:
هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا *** وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
والمنحة: العطية. والمنحة: منحة اللبن. والمنيحة: الناقة أو الشاة يعطيها الرجل آخر يحتلبها ثم يردها، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم». رواه أبو أمامة، أخرجه الترمذي والدارقطني وغيرهما، وهو صحيح. والاطراق: إعارة الفحل، أستطرق فلان فلانا فحله: إذا طلبه ليضرب في إبله، فأطرقه إياه، ويقال: أطرقني فحلك أي أعرني فحلك ليضرب في إبلي. وطرق الفحل الناقة يطرق طروقا أي قعا عليها. وطروقة الفحل: أنثاه، يقال: ناقة طروقة الفحل للتي بلغت أن يضربها الفحل.
الثالثة: قوله تعالى: {أَنْتَ وَزَوْجُكَ} {أنت} تأكيد للمضمر الذي في الفعل، ومثله {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ}. ولا يجوز اسكن وزوجك، ولا اذهب وربك، إلا في ضرورة الشعر، كما قال:
قلت إذ أقبلت وزهر تهادى *** كنعاج الملا تعسفن رملا
فزهر معطوف على المضمر في أقبلت ولم يؤكد ذلك المضمر. ويجوز في غير القرآن على بعد: قم وزيد.
الرابعة: قوله تعالى: {وَزَوْجُكَ} لغة القرآن زوج بغير هاء، وقد تقدم القول فيه. وقد جاء في صحيح مسلم: زوجة حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مع إحدى نسائه فمر به رجل فدعاه فجاء فقال: «يا فلان هذه زوجتي فلانة»: فقال يا رسول الله، من كنت أظن به فلم أكن أظن بك، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم». وزوج آدم عليه السلام هي حواء عليها السلام، وهو أول من سماها بذلك حين خلقت من ضلعه من غير أن يحس آدم عليه السلام بذلك، ولو ألم بذلك لم يعطف رجل على امرأته، فلما انتبه قيل له: من هذه؟ قال: امرأة قيل: وما اسمها؟ قال: حواء، قيل: ولم سميت امرأة؟ قال: لأنها من المرء أخذت، قيل: ولم سميت حواء؟ قال: لأنها خلقت من حي. روي أن الملائكة سألته عن ذلك لتجرب علمه، وأنهم قالوا له: أتحبها يا آدم؟ قال: نعم، قالوا لحواء: أتحبينه يا حواء؟ قالت: لا، وفي قلبها أضعاف ما في قلبه من حبه. قالوا: فلو صدقت امرأة في حبها لزوجها لصدقت حواء.
وقال ابن مسعود وابن عباس: لما أسكن آدم الجنة مشى فيها مستوحشا، فلما نام خلقت حواء من ضلعه القصرى من شقه الأيسر ليسكن إليها ويأنس بها، فلما انتبه رآها فقال: من أنت؟ قالت: امرأة خلقت من ضلعك لتسكن إلي، وهو معنى قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها} [الأعراف: 189]. قال العلماء: ولهذا كانت المرأة عوجاء، لأنها خلقت من أعوج وهو الضلع.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن المرأة خلقت من ضلع»- في رواية: «وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه- لن تستقيم لك على طريقة واحدة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها».
وقال الشاعر:
هي الضلع العوجاء ليست تقيمها *** ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
أتجمع ضعفا واقتدارا على الفتى *** أليس عجيبا ضعفها واقتدارها
ومن هذا الباب استدل العلماء على ميراث الخنثى المشكل إذا تساوت فيه علامات النساء والرجال من الحية والثدي والمبال بنقص الأعضاء. فإن نقصت أضلاعه عن أضلاع المرأة أعطي نصيب رجل- روي ذلك عن علي رضي الله عنه- لخلق حواء من أحد أضلاعه، وسيأتي في المواريث بيان هذا إن شاء الله تعالى.
الخامسة: قوله تعالى: {الجنة} الجنة: البستان، وقد تقدم القول فيها. ولا التفات لما ذهبت إليه المعتزلة والقدرية من أنه لم يكن في جنة الخلد وإنما كان في جنة بأرض عدن. واستدلوا على بدعتهم بأنها لو كانت جنة الخلد لما وصل إليه إبليس، فإن الله يقول: {لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ} [الطور: 23] وقال: {لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً} [النبأ: 35] وقال: {لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً} [الواقعة: 25- 26]. وأنه لا يخرج منها أهلها لقوله: {وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 48]. وأيضا فإن جنة الخلد هي دار القدس، قدست عن الخطايا والمعاصي تطهيرا لها. وقد لغا فيها إبليس وكذب، وأخرج منها آدم وحواء بمعصيتهما. قالوا: وكيف يجوز على آدم مع مكانه من الله وكمال عقله أن يطلب شجرة الخلد وهو في دار الخلد والملك الذي لا يبلى؟ فالجواب: أن الله تعالى عرف الجنة بالألف واللام، ومن قال: أسأل الله الجنة، لم يفهم منه في تعارف الخلق إلا طلب جنة الخلد. ولا يستحيل في العقل دخول إبليس الجنة لتغرير آدم، وقد لقي موسى آدم عليهما السلام فقال له موسى: أنت أشقيت ذريتك وأخرجتهم من الجنة، فأدخل الألف واللام ليدل على أنها جنة الخلد المعروفة، فلم ينكر ذلك آدم، ولو كانت غيرها لرد على موسى، فلما سكت آدم على ما قرره موسى صح أن الدار التي أخرجهم الله عز وجل منها بخلاف الدار التي أخرجوا إليها. وأما ما احتجوا به من الآي فذلك إنما جعله الله فيها بعد دخول أهلها فيها يوم القيامة، ولا يمتنع أن تكون دار الخلد لمن أراد الله تخليده فيها وقد يخرج منها من قضي عليه بالفناء. وقد أجمع أهل التأويل على أن الملائكة يدخلون الجنة على أهل الجنة ويخرجون منها، وقد كان مفاتيحها بيد إبليس ثم انتزعت منه بعد المعصية، وقد دخلها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الإسراء ثم خرج منها وأخبر بما فيها وأنها هي جنة الخلد حقا. وأما قولهم: إن الجنة دار القدس وقد طهرها الله تعالى من الخطايا فجهل منهم، وذلك أن الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدسة وهي الشام، وأجمع أهل الشرائع على أن الله تعالى قدسها وقد شوهد فيها المعاصي والكفر والكذب ولم يكن تقديسها مما يمنع فيها المعاصي، وكذلك دار القدس. قال أبو الحسن بن بطال: وقد حكى بعض المشايخ أن أهل السنة مجمعون على أن جنة الخلد هي التي أهبط منها آدم عليه السلام، فلا معنى لقول من خالفهم. وقولهم: كيف يجوز على آدم في كمال عقله أن يطلب شجرة الخلد وهو في دار الخلد، فيعكس عليهم ويقال: كيف يجوز على آدم وهو في كمال عقله أن يطلب شجرة الخلد في دار الفناء! هذا ما لا يجوز على من له أدنى مسكة من عقل، فكيف بآدم الذي هو أرجح الخلق عقلا، على ما قال أبو أمامة على ما يأتي.
السادسة: قوله تعالى: {وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما} قراءة الجمهور {رَغَداً} بفتح الغين. وقرأ النخعي وابن وثاب بسكونها. والرغد: العيش الدار الهني الذي لا عناء فيه، قال:
بينما المرء تراه ناعما *** يأمن الأحداث في عيش رغد
ويقال: رغد عيشهم ورغد بضم الغين وكسرها. وأرغد القوم: أخصبوا وصاروا في رغد من العيش. وهو منصوب على الصفة لمصدر محذوف، وحيث وحيث وحيث، وحوث وحوث وحاث، كلها لغات، ذكرها النحاس وغيره.
السابعة: قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ} أي لا تقرباها بأكل، لأن الإباحة فيه وقعت. قال ابن العربي: سمعت الشاشي في مجلس النضر بن شميل يقول: إذا قيل لا تقرب بفتح الراء كان معناه لا تلبس بالفعل، وإذا كان بضم الراء فإن معناه لا تدن منه.
وفي الصحاح: قرب الشيء يقرب قربا أي دنا. وقربته بالكسر أقربه قربانا أي دنوت منه. وقربت أقرب قرابة- مثل كتبت أكتب كتابة- إذا سرت إلى الماء وبينك وبينه ليلة، والاسم القرب. قال الأصمعي: قلت لأعرابي: ما القرب؟ فقال: سير الليل لورد الغد.
وقال ابن عطية: قال بعض الحذاق: إن الله تعالى لما أراد النهي عن أكل الشجرة نهى عنه بلفظ يقتضي الأكل وما يدعو إليه العرب وهو القرب. قال ابن عطية: وهذا مثال بين في سد الذرائع.
وقال بعض أرباب المعاني قوله: {وَلا تَقْرَبا} إشعار بالوقوع في الخطيئة والخروج من الجنة، وأن سكناه فيها لا يدوم، لأن المخلد لا يحظر عليه شيء ولا يؤمر ولا ينهى. والدليل على هذا قوله تعالى: {إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] فدل على خروجه منها.
الثامنة: قوله تعالى: {هذِهِ الشَّجَرَةَ} الاسم المبهم ينعت بما فيه الألف واللام لا غير، كقولك: مررت بهذا الرجل وبهذه المرأة وهذه الشجرة. وقرأ ابن محيصن: {هذي الشجرة} بالياء وهو الأصل، لأن الهاء في هذه بدل من ياء ولذلك انكسر ما قبلها، وليس في الكلام هاء تأنيث قبلها كسرة سواها، وذلك لان أصلها الياء.
والشجرة والشجرة والشيرة، ثلاث لغات وقرئ {الشجرة} بكسر الشين. والشجرة والشجرة: ما كان على ساق من نبات الأرض. وأرض شجيرة وشجراء أي كثيرة الأشجار، وواد شجير، ولا يقال: واد أشجر. وواحد الشجراء شجرة، ولم يأت من الجمع على هذا المثال إلا أحرف يسيرة: شجرة وشجراء، وقصبة وقصباء، وطرفة وطرفاء، وحلفة وحلفاء. وكان الأصمعي يقول في واحد الحلفاء: حلفة، بكسر اللام مخالفة لأخواتها.
وقال سيبويه: الشجراء واحد وجمع، وكذلك القصباء والطرفاء والحلفاء. والمشجرة: موضع الأشجار. وأرض مشجرة، وهذه الأرض أشجر من هذه أي أكثر شجرا، قال الجوهري.
التاسعة: واختلف أهل التأويل في تعيين هذه الشجرة التي نهي عنها فأكل منها، فقال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وجعدة بن هبيرة: هي الكرم، ولذلك حرمت علينا الخمر.
وقال ابن عباس أيضا وأبو مالك وقتادة: هي السنبلة، والحبة منها ككلى البقر، أحلى من العسل والين من الزبد، قاله وهب بن منبه. ولما تاب الله على آدم جعلها غذاء لبنيه.
وقال ابن جريج عن بعض الصحابة: هي شجرة التين، وكذا روى سعيد عن قتادة، ولذلك تعبر في الرؤيا بالندامة لآكلها من أجل ندم آدم عليه السلام على أكلها، ذكره السهيلي. قال ابن عطية: وليس في شيء من هذا التعيين ما يعضده خبر، وإنما الصواب أن يعتقد أن الله تعالى نهى آدم عن شجرة فخالف هو إليها وعصى في الأكل منها.
وقال القشيري أبو نصر: وكان الامام والدي رحمه الله يقول: يعلم على الجملة أنها كانت شجرة المحنة.
العاشرة: واختلفوا كيف أكل منها مع الوعيد المقترن بالقرب وهو قوله تعالى: {فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ}، فقال قوم: أكلا من غير التي أشير إليها فلم يتأولا النهي واقعا على جميع جنسها، كأن إبليس غره بالأخذ بالظاهر قال ابن العربي: وهي أول معصية عصى الله بها على هذا القول. قال: وفيه دليل على أن من حلف ألا يأكل من هذا الخبز فأكل من جنسه حنث. وتحقيق المذاهب فيه أن أكثر العلماء قالوا: لا حنث فيه. وقال مالك وأصحابه: إن اقتضى بساط اليمين تعيين المشار إليه لم يحنث بأكل جنسه، وإن اقتضى بساط اليمين أو سببها أو نيتها الجنس حمل عليه وحنث بأكل غيره، وعليه حملت قصة آدم عليه السلام فإنه نهي عن شجرة عينت له وأريد بها جنسها، فحمل القول على اللفظ دون المعنى. وقد اختلف علماؤنا في فرع من هذا، وهو أنه إذا حلف ألا يأكل هذه الحنطة فأكل خبزا منها على قولين، قال في الكتاب: يحنث، لأنها هكذا تؤكل.
وقال ابن المواز: لا شيء عليه، لأنه لم يأكل حنطة وإنما أكل خبزا فراعى الاسم والصفة ولو قال في يمينه: لا آكل من هذه الحنطة لحنث بأكل الخبز المعمول منها. وفيما اشترى بثمنها من طعام وفيما أنبتت خلاف.
وقال آخرون: تأولا النهي على الندب. قال ابن العربي: وهذا وإن كان مسألة من أصول الفقه فقد سقط ذلك هاهنا، لقوله: {فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 35] فقرن النهي بالوعيد، وكذلك قوله سبحانه: {فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى} [طه: 117].
وقال ابن المسيب: إنما أكل آدم بعد أن سقته حواء الخمر فسكر وكان في غير عقله. وكذلك قال يزيد بن قسيط، وكانا يحلفان بالله أنه ما أكل من هذه الشجرة وهو يعقل. قال ابن العربي: وهذا فاسد نقلا وعقلا، أما النقل فلم يصح بحال، وقد وصف الله عز وجل خمر الجنة فقال: {لا فِيها غَوْلٌ}. وأما العقل فلان الأنبياء بعد النبوة معصومون عما يؤدي إلى الإخلال بالفرائض واقتحام الجرائم.
قلت: قد استنبط بعض العلماء نبوة آدم عليه السلام قبل إسكانه الجنة من قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ} [البقرة: 33] فأمره الله تعالى أن ينبئ الملائكة بما ليس عندهم من علم الله عز وجل.
وقيل: أكلها ناسيا، ومن الممكن أنهما نسيا الوعيد.
قلت: وهو الصحيح لأخبار الله تعالى في كتابه بذلك حتما وجزما فقال: {وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه: 115]. ولكن لما كان الأنبياء عليهم السلام يلزمهم من التحفظ والتيقظ لكثرة معارفهم وعلو منازلهم ما لا يلزم غيرهم كان تشاغله عن تذكر النهي تضييعا صار به عاصيا، أي مخالفا. قال أبو أمامة: لو أن أحلام بني آدم منذ خلق الله الخلق إلى يوم القيامة وضعت في كفة ميزان ووضع حلم آدم في كفة أخرى لرجحهم، وقد قال الله تعالى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}.
قلت: قول أبي أمامة هذا عموم في جميع بني آدم. وقد يحتمل أن يخص من ذلك نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه كان أوفر الناس حلما وعقلا. وقد يحتمل أن يكون المعنى لو أن أحلام بني آدم من غير الأنبياء. والله أعلم.
قلت: والقول الأول أيضا حسن، فظنا أن المراد العين وكان المراد الجنس، كقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أخذ ذهبا وحريرا فقال: «هذان حرامان على ذكور أمتي».
وقال في خبر آخر: «هذان مهلكان أمتي». وإنما أراد الجنس لا العين.
الحادية عشرة: يقال: إن أول من أكل من الشجرة حواء بإغواء إبليس إياها- على ما يأتي بيانه- وإن أول كلامه كان معها لأنها وسواس المخدة، وهي أول فتنة دخلت على الرجال من النساء، فقال: ما منعتما هذه الشجرة إلا أنها شجرة الخلد، لأنه علم منهما أنهما كانا يحبان الخلد، فأتاهما من حيث أحبا- حبك الشيء يعمي ويصم- فلما قالت حواء لآدم أنكر عليها وذكر العهد، فألح على حواء وألحت حواء على آدم، إلى أن قالت: أنا آكل قبلك حتى إن أصابني شيء سلمت أنت، فأكلت فلم يضرها، فأتت آدم فقالت: كل فإني قد أكلت فلم يضرني، فأكل فبدت لهما سوآتهما وحصلا في حكم الذنب، لقول الله تعالى: {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ} فجمعهما في النهي، فلذلك لم تنزل بها العقوبة حتى وجد المنهي عنه منهما جميعا، وخفيت على آدم هذه المسألة، ولهذا قال بعض العلماء: إن من قال لزوجتيه أو أمتيه: إن دخلتما الدار فأنتما طالقتان أو حرتان، إن الطلاق والعتق لا يقع بدخول إحداهما. وقد اختلف علماؤنا في ذلك على ثلاثة أقوال، قال ابن القاسم: لا تطلقان ولا تعتقان إلا باجتماعهما في الدخول، حملا على هذا الأصل وأخذا بمقتضى مطلق اللفظ. وقاله سحنون.
وقال ابن القاسم مرة أخرى: تطلقان جميعا وتعتقان جميعا بوجود الدخول من إحداهما، لأن بعض الحنث حنث، كما لو حلف ألا يأكل هذين الرغيفين فإنه يحنث بأكل أحدهما بل بأكل لقمة منهما.
وقال أشهب: تعتق وتطلق التي دخلت وحدها، لأن دخول كل واحدة منهما شرطا في طلاقها أو عتقها. قال ابن العربي: وهذا بعيد، لأن بعض الشرط لا يكون شرطا إجماعا.
قلت: الصحيح الأول، وإن النهي إذا كان معلقا على فعلين لا تتحقق المخالفة إلا بهما، لأنك إذا قلت: لا تدخلا الدار، فدخل أحدهما ما وجدت المخالفة منهما، لأن قول الله تعالى: {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة: 35] نهي لهما {فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 35] جوابه، فلا يكونا من الظالمين حتى يفعلا، فلما أكلت لم يصبها شي، لأن المنهي عنه ما وجد كاملا. وخفي هذا المعنى على آدم فطمع ونسي هذا الحكم، وهو معنى قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} [طه: 115] وقيل: نسي قوله: {إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى} [طه: 117]. والله أعلم.
الثانية عشرة: واختلف العلماء في هذا الباب هل وقع من الأنبياء- صلوات الله عليهم أجمعين- صغائر من الذنوب يؤاخذون بها ويعاتبون عليها أم لا- بعد اتفاقهم على أنهم معصومون من الكبائر ومن كل رذيلة فيها شين ونقص إجماعا عند القاضي أبي بكر، وعند الأستاذ أبي إسحاق أن ذلك مقتضى دليل المعجزة، وعند المعتزلة أن ذلك مقتضى دليل العقل على أصولهم-، فقال الطبري وغيره من الفقهاء والمتكلمين والمحدثين: تقع الصغائر منهم. خلافا للرافضة حيث قالوا: إنهم معصومون من جميع ذلك، واحتجوا بما وقع من ذلك في التنزيل وثبت من تنصلهم من ذلك في الحديث، وهذا ظاهر لا خفاء فيه.
وقال جمهور من الفقهاء من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي: إنهم معصومون من الصغائر كلها كعصمتهم من الكبائر أجمعها، لأنا أمرنا باتباعهم في أفعالهم وآثارهم وسيرهم أمرا مطلقا من غير التزام قرينة، فلو جوزنا عليهم الصغائر لم يمكن الاقتداء بهم، إذ ليس كل فعل من أفعالهم يتميز مقصده من القربة والإباحة أو الحظر أو المعصية، ولا يصح أن يؤمر المرء بامتثال أمر لعله معصية، لا سيما على من يرى تقديم الفعل على القول إذا تعارضا من الأصوليين.
قال الأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني: واختلفوا في الصغائر، والذي عليه الأكثر أن ذلك غير جائز عليهم، وصار بعضهم إلى تجويزها، ولا أصل لهذه المقالة.
وقال بعض المتأخرين ممن ذهب إلى القول الأول: الذي ينبغي أن يقال إن الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم ونسبها إليهم وعاتبهم عليها، وأخبروا بها عن نفوسهم وتنصلوا منها وأشفقوا منها وتابوا، وكل ذلك ورد في مواضع كثيرة لا يقبل التأويل جملتها وإن قبل ذلك آحادها، وكل ذلك مما لا يزري بمناصبهم، وإنما تلك الأمور التي وقعت منهم على جهة الندور وعلى جهة الخطأ والنسيان، أو تأويل دعا إلى ذلك فهي بالنسبة إلى غيرهم حسنات وفي حقهم سيئات، بالنسبة إلى مناصبهم وعلو أقدارهم، إذ قد يؤاخذ الوزير بما يثاب عليه السائس، فأشفقوا من ذلك في موقف القيامة مع علمهم بالأمن والأمان والسلامة. قال: وهذا هو الحق. ولقد أحسن الجنيد حيث قال: حسنات الأبرار سيئات المقربين. فهم- صلوات الله وسلامه عليهم- وإن كان قد شهدت النصوص بوقوع ذنوب منهم فلم يخل ذلك بمناصبهم ولا قدح في رتبهم، بل قد تلافاهم واجتباهم وهداهم ومدحهم وزكاهم واختارهم واصطفاهم، صلوات الله عليهم وسلامه.
الثالثة عشرة: قوله تعالى: {فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ} الظلم أصله وضع الشيء في غير موضعه. والأرض المظلومة: التي لم تحفر قط ثم حفرت. قال النابغة:
وقفت فيها أصيلالا أسائلها *** عيت جوابا وما بالربع من أحد
إلا الأواري لأيا ما أبينها *** والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
ويسمى ذلك التراب الظليم. قال الشاعر:
فأصبح في غبراء بعد أشاحه *** على العيش مردود عليها ظليمها
وإذا نحر البعير من غير داء به فقد ظلم، ومنه:
... ظلامون للجزر ***
ويقال: سقانا ظليمه طيبة، إذا سقاهم اللبن قبل إدراكه. وقد ظلم وطبة، إذا سقى منه قبل أن يروب ويخرج زبده. واللبن مظلوم وظليم. قال:
وقائلة ظلمت لكم سقائي *** وهل يخفى على العكد الظليم
ورجل ظليم: شديد الظلم. والظلم: الشرك، قال الله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
قوله تعالى: {وَكُلا مِنْها رَغَداً} حذفت النون من كُلا لأنه أمر وحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال وحذفها شاذ. قال سيبويه: من العرب من يقول أوكل، فيتم. يقال منه: أكلت الطعام أكلا ومأكلا. والاكلة بالفتح: المرة الواحدة حتى تشبع. والاكلة بالضم: اللقمة تقول: أكلت أكلة واحدة، أي لقمة وهي القرصة أيضا. وهذا الشيء أكلة لك أي طعمة لك. والأكل أيضا ما أكل. ويقال: فلان ذو أكل إذا كان ذا حظ من الدنيا ورزق واسع. {رَغَداً} نعت لمصدر محذوف أي أكلا رغدا. قال ابن كيسان: ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال.
وقال مجاهد: {رَغَداً} أي لا حساب عليهم. والرغد في اللغة: الكثير الذي لا يعنيك ويقال: أرغد القوم إذا وقعوا في خصب وسعة. وقد تقدم هذا المعنى. و{حَيْثُ} مبنية على الضم لأنها خالفت أخواتها الظروف في أنها لا تضاف فأشبهت قبل وبعد إذا أفردتا فضمت. قال الكسائي: لغة قيس وكنانة الضم ولغة تميم الفتح. قال الكسائي: وبنو أسد يخفضونها في موضع الخفض وينصبونها في موضع النصب قال الله تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} وتضم وتفتح. {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ} الهاء من {هذه} بدل من ياء الأصل لان الأصل هذى. قال النحاس: ولا أعلم في العربية هاء تأنيث مكسورا ما قبلها إلا هاء {هذه}. ومن العرب من يقول: هاتا هند ومنهم من يقول: هاتي هند.
وحكى سيبويه: هذه هند بإسكان الهاء.
وحكى الكسائي عن العرب: ولا تقربا هذى الشجرة. وعن شبل بن عباد قال: كان ابن كثير وابن محيصن لا يثبتان الهاء في: {هذه} في جميع القرآن. وقراءة الجماعة {رَغَداً} بفتح الغين.
وروى عن ابن وثاب والنخعي أنهما سكنا الغين.
وحكى سلمة عن الفراء قال يقال: هذه فعلت وهذى فعلت فإثبات ياء بعد الذال. وهذا فعلت بكسر الذال من غير إلحاق ياء ولا هاء. وهاتا فعلت. قال هشام ويقال: تافعلت. وأنشد:
خليلي لولا ساكن الدار لم أقم *** بتا الدار إلا عابر ابن سبيل
قال ابن الأنباري: وتا بإسقاط ها بمنزله ذى بإسقاط ها من هذى وبمنزلة ذه بإسقاط ها من هذه. وقد قال الفراء: من قال هذه قامت لا يسقط ها لان الاسم لا يكون على ذال واحدة. {فَتَكُونا} عطف على {تَقْرَبا} فلذلك حذفت النون. وزعم الجرمي أن الفاء هي الناصبة، وكلاهما جائز.


 توقيع : جوهرة بغداد



رد مع اقتباس
قديم 23 - 5 - 2020, 12:58 PM   #45



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » يوم أمس (09:59 PM)
 فترةالاقامة » 3846يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (36)}
قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيه} فيه عشر مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها} قرأ الجماعة {فَأَزَلَّهُمَا} بغير ألف، من الزلة وهي الخطيئة، أي استزلهما وأوقعهما فيها. وقرأ حمزة {فأزالهما} بألف، من التنحية، أي نحاهما. يقال: أزلته فزال. قال ابن كيسان: فأزالهما من الزوال، أي صرفهما عما كانا عليه من الطاعة إلى المعصية.
قلت: وعلى هذا تكون القراءتان بمعنى، إلا أن قراءة الجماعة أمكن في المعنى. يقال منه: أزللته فزل. ودل على هذا قوله تعالى: {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا} [آل عمران: 155]، وقوله: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ} والوسوسة إنما هي إدخالهما في الزلل بالمعصية، وليس للشيطان قدرة على زوال أحد من مكان إلى مكان إنما قدرته على إدخاله في الزلل، فيكون ذلك سببا إلى زواله من مكان إلى مكان يذنبه. وقد قيل: إن معنى أزلهما من زل عن المكان إذا تنحى، فيكون في المعنى كقراءة حمزة من الزوال. قال امرؤ القيس:
يزل الغلام الخف عن صهواته *** ويلوي بأثواب العنيف المثقل
وقال أيضا:
كميت يزل اللبد عن حال متنه *** كما زلت الصفواء بالمتنزل
الثانية قوله تعالى: {فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ} إذا جعل أزال من زال عن المكان فقوله: {فَأَخْرَجَهُما} تأكيد وبيان للزوال، إذ قد يمكن أن يزولا عن مكان كانا فيه إلى مكان آخر من الجنة، وليس كذلك، وإنما كان إخراجهما من الجنة إلى الأرض، لأنهما خلقا منها، وليكون آدم خليفة في الأرض. ولم يقصد إبليس- لعنه الله- إخراجه منها وإنما قصد إسقاطه من مرتبته وإبعاده كما أبعد هو، فلم يبلغ مقصده ولا أدرك مراده، بل ازداد سخنة عين وغيظ نفس وخيبة ظن. قال الله جل ثناؤه: {ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى} [طه: 122] فصار عليه السلام خليفة الله في أرضه بعد أن كان جارا له في داره، فكم بين الخليفة والجار! صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ونسب ذلك إلى إبليس، لأنه كان بسببه وإغوائه. ولا خلاف بين أهل التأويل وغيرهم أن إبليس كان متولي إغواء آدم، واختلف في الكيفية، فقال ابن مسعود وابن عباس وجمهور العلماء أغواهما مشافهة، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ} والمقاسمة ظاهرها المشافهة.
وقال بعضهم، وذكره عبد الرزاق عن وهب بن منبه،: دخل الجنة في فم الحية وهى ذات أربع كالبختية من أحسن دابة خلقها الله تعالى بعد أن عرض نفسه على كثير من الحيوان فلم يدخله إلا الحية، فلما دخلت به الجنة خرج من جوفها إبليس فأخذ من الشجرة التي نهى الله آدم وزوجه عنها فجاء بها إلى حواء فقال: انظري إلى هذه الشجرة، ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن لونها! فلم يزل يغويها حتى أخذتها حواء فأكلتها. ثم أغوى آدم، وقالت له حواء: كل فإني قد أكلت فلم يضرني، فأكل منها فبدت لهما سوآتهما وحصلا في حكم الذنب، فدخل آدم في جوف الشجرة، فناداه ربه: أين أنت؟ فقال: أنا هذا يا رب، قال: ألا تخرج؟ قال أستحي منك يا رب، قال: أهبط إلى الأرض التي خلقت منها. ولعنت الحية وردت قوائمها في جوفها وجعلت العداوة بينها وبين بني آدم، ولذلك أمرنا بقتلها، على ما يأتي بيانه. وقيل لحواء: كما أدميت الشجرة فكذلك يصيبك الدم كل شهر وتحملين وتضعين كرها تشرفين به على الموت مرارا. زاد الطبري والنقاش: وتكوني سفيهة وقد كنت حليمة. وقالت طائفة: إن إبليس لم يدخل الجنة إلى آدم بعد ما أخرج منها وإنما أغوى بشيطانه وسلطانه ووسواسه التي أعطاه الله تعالى، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم». والله أعلم. وسيأتي في الأعراف أنه لما أكل بقي عريانا وطلب ما يستتر به فتباعدت عنه الأشجار وبكتوه بالمعصية، فرحمته شجرة التين، فأخذ من ورقه فاستتر به، فبلي بالعري دون الشجر. والله أعلم.
وقيل: إن الحكمة في إخراج آدم من الجنة عمارة الدنيا.
الثالثة: يذكر أن الحية كانت خادم آدم عليه السلام في الجنة فخانته بأن مكنت عدو الله من نفسها وأظهرت العداوة له هناك، فلما أهبطوا تأكدت العداوة وجعل رزقها التراب، وقيل لها: أنت عدو بني آدم وهم أعداؤك وحيث لقيك منهم أحد شدخ رأسك. روى ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «خمس يقتلهن المحرم» فذكر الحية فيهن. وروي أن إبليس قال لها: أدخليني الجنة وأنت في ذمتي، فكان ابن عباس يقول: أخفروا ذمة إبليس. وروت ساكنة بنت الجعد عن سراء بنت نبهان الغنوية قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «اقتلوا الحيات صغيرها وكبيرها وأسودها وأبيضها فإن من قتلها كانت له فداء من النار ومن قتلته كان شهيدا». قال علماؤنا: وإنما كانت له فداء من النار لمشاركتها إبليس وإعانته على ضرر آدم وولده، فلذلك كان من قتل حية فكأنما قتل كافرا. وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدا». أخرجه مسلم وغيره.
الرابعة: روى ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بمنى فمرت حية فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقتلوها» فسبقتنا إلى حجر فدخلته، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هاتوا بسعفة ونار فأضرموها عليه نارا». قال علماؤنا: وهذا الحديث يخص نهيه عليه السلام عن المثلة وعن أن يعذب أحد بعذاب الله تعالى، قالوا: فلم يبق لهذا العدو حرمة حيث فاته حتى أوصل إليه الهلاك من حيث قدر. فإن قيل: قد روي عن إبراهيم النخعي أنه كره أن تحرق العقرب بالنار، وقال: هو مثلة. قيل له: يحتمل أن يكون لم يبلغه هذا الأثر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعمل على الأثر الذي جاء: «لا تعذبوا بعذاب الله» فكان على هذا سبيل العمل عنده. فإن قيل: فقد روى مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غار وقد أنزلت عليه: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} [المرسلات: 1] فنحن نأخذها من فيه رطبة، إذ خرجت علينا حية، فقال: «اقتلوها»، فابتدرناها لنقتلها فسبقتنا، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وقاها الله شركم كما وقاكم شرها». فلم يضرم نارا ولا احتال في قتلها. قيل له: يحتمل أن يكون لم يجد نارا فتركها، أو لم يكن الجحر بهيئة ينتفع بالنار هناك مع ضرر الدخان وعدم وصوله إلى الحيوان. والله أعلم. وقوله: «وقاها الله شركم» أي قتلكم إياها «كما وقاكم شرها» أي لسعها.
الخامسة: الامر بقتل الحيات من باب الإرشاد إلى دفع المضرة المخوفة من الحيات، فما كان منها متحقق الضرر وجبت المبادرة إلى قتله، لقوله: «اقتلوا الحيات واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يخطفان البصر ويسقطان الحبل». فخصهما بالذكر مع أنهما دخلا في العموم ونبه على ذلك بسبب عظم ضررهما. وما لم يتحقق ضرره فما كان منها في غير البيوت قتل أيضا لظاهر الامر العام، ولان نوع الحيات غالبه الضرر، فيستصحب ذلك فيه، ولأنه كله مروع بصورته وبما في النفوس من النفرة عنه، ولذلك قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية». فشجع على قتلها.
وقال فيما خرجه أبو داود من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا: «اقتلوا الحيات كلهن فمن خاف ثأرهن فليس مني». والله أعلم.
السادسة: ما كان من الحيات في البيوت فلا يقتل حتى يؤذن ثلاثة أيام، لقوله عليه السلام: «إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فأذنوه ثلاثة أيام». وقد حمل بعض العلماء هذا الحديث على المدينة وحدها لإسلام الجن بها، قالوا: ولا نعلم هل أسلم من جن غير المدينة أحد أو لا، قاله ابن نافع.
وقال مالك: نهى عن قتل جنان البيوت في جميع البلاد. وهو الصحيح، لأن الله عز وجل قال: {وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف: 29] الآية.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أتاني داعي الجن فذهبت معهم فقرأت عليهم القرآن» وفيه: وسألوه الزاد وكانوا من جن الجزيرة، الحديث. وسيأتي بكماله في سورة الجن إن شاء الله تعالى. وإذا ثبت هذا فلا يقتل شيء منها حتى يحرج عليه وينذر، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
السابعة: روى الأئمة عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته، قال: فوجدته يصلي، فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته، فسمعت تحريكا في عراجين ناحية البيت، فالتفت فإذا حية، فوثبت لأقتلها، فأشار إلي أن أجلس فجلست، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت نعم، فقال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس، قال: فخرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يوما، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة». فأخذ الرجل سلاحه ثم رجع، فإذا امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني! فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به، ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه، فما يدرى أيهما كان أسرع موتا، الحية أم الفتى! قال: فجئنا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرنا ذلك له، وقلنا: ادع الله يحييه لنا، فقال: استغفروا لأخيكم ثم قال:- «إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فأذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان».
وفي طريق أخرى فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم شيئا منها فحرجوا عليها ثلاثا فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر- وقال لهم:- اذهبوا فادفنوا صاحبكم». قال علماؤنا رحمة الله عليهم: لا يفهم من هذا الحديث أن هذا الجان الذي قتله هذا الفتى كان مسلما وأن الجن قتلته به قصاصا، لأنه لو سلم أن القصاص مشروع بيننا وبين الجن لكان إنما يكون في العمد المحض، وهذا الفتى لم يقصد ولم يتعمد قتل نفس مسلمة، إذ لم يكن عنده علم من ذلك، وإنما قصد إلى قتل ما سوغ قتل نوعه شرعا، فهذا قتل خطأ ولا قصاص فيه. فالأولى أن يقال: إن كفار الجن أو فسقتهم قتلوا الفتى بصاحبهم عدوا وانتقاما. وقد قتلت سعد بن عبادة رضي الله عنه، وذلك أنه وجد ميتا في مغتسله وقد اخضر جسده، ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول ولا يرون أحدا:
قد قتلنا سيد الخز *** رج سعد بن عباده
ورميناه بسهمين *** فلم نخط فؤاده
وإنما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن بالمدينة جنا قد أسلموا» ليبين طريقا يحصل به التحرز من قتل المسلم منهم ويتسلط به على قتل الكافر منهم. روي من وجوه أن عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتلت جانا فأريت في المنام أن قائلا يقول لها: لقد قتلت مسلما، فقالت: لو كان مسلما لم يدخل على أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ما دخل عليك إلا وعليك ثيابك. فأصبحت فأمرت باثني عشر ألف درهم فجعلت في سبيل الله.
وفي رواية: ما دخل عليك إلا وأنت مستترة، فتصدقت وأعتقت رقابا.
وقال الربيع بن بدر: الجان من الحيات التي نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قتلها هي التي تمشي ولا تلتوي، وعن علقمة نحوه.
الثامنة: في صفة الإنذار، قال مالك: أحب إلي أن ينذروا ثلاثة أيام. وقاله عيسى بن دينار، وإن ظهر في اليوم مرارا. ولا يقتصر على إنذاره ثلاث مرار في يوم واحد حتى يكون في ثلاثة أيام.
وقيل: يكفي ثلاث مرار، لقوله عليه السلام: «فليؤذنه ثلاثا»، وقوله: «حرجوا عليه ثلاثا» ولان ثلاثا للعدد المؤنث، فظهر أن المراد ثلاث مرات. وقول مالك أولى، لقوله عليه السلام: «ثلاثة أيام». وهو نص صحيح مقيد لتلك المطلقات، ويحمل ثلاثا على إرادة ليالي الأيام الثلاث، فغلب الليلة على عادة العرب في باب التاريخ فإنها تغلب فيها التأنيث. قال مالك: ويكفي في الإنذار أن يقول: أحرج عليك بالله واليوم الآخر ألا تبدوا لنا ولا تؤذونا. وذكر ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه ذكر عنده حيات البيوت فقال: إذا رأيتم منها شيئا في مساكنكم فقولوا: أنشدكم بالعهد الذي أخذ عليكم نوح عليه السلام، وأنشدكم بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان عليه السلام، فإذا رأيتم منهن شيئا بعد فاقتلوه.
قلت: وهذا يدل بظاهره أنه يكفي في الاذن مرة واحدة، والحديث يرده. والله أعلم. وقد حكى ابن حبيب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يقول: «أنشدكن بالعهد الذي أخذ عليكن سليمان- عليه السلام- ألا تؤذيننا وألا تظهرن علينا».
التاسعة: روى جبير عن نفير عن أبي ثعلبة الخشني- واسمه جرثوم- أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «الجن على ثلاثة أثلاث فثلث لهم أجنحة يطيرون في الهواء وثلث حيات وكلاب وثلث يحلون ويظعنون».
وروى أبو الدرداء- واسمه عويمر- قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خلق الجن ثلاثة أثلاث فثلث كلاب وحيات وخشاش الأرض وثلث ريح هفافة وثلث كبني آدم لهم الثواب وعليهم العقاب وخلق الله الانس ثلاثة أثلاث فثلث لهم قلوب لا يفقهون بها واعين لا يبصرون بها وأذان لا يسمعون بها إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا وثلث أجسادهم كأجساد بني آدم وقلوبهم قلوب الشياطين وثلث في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله».
العاشرة: ما كان من الحيوان أصله الاذاية فإنه يقتل ابتداء، لأجل إذايته من غير خلاف، كالحية والعقرب والفأر والوزغ، وشبهه. وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم...». وذكر الحديث. فالحية أبدت جوهرها الخبيث حيث خانت آدم بأن أدخلت إبليس الجنة بين فكيها، ولو كانت تبرزه ما تركها رضوان تدخل به.
وقال لها إبليس أنت في ذمتي، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتلها وقال: «اقتلوها ولو كنتم في الصلاة» يعني الحية والعقرب. والوزغة نفخت على نار إبراهيم عليه السلام من بين سائر الدواب فلعنت. وهذا من نوع ما يروى في الحية. وروي عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «من قتل وزغة فكأنما
قتل كافرا».
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قتل وزغة في أول ضربة كتبت له مائة حسنة وفي الثانية دون ذلك وفي الثالثة دون ذلك».
وفي رواية أنه قال: «في أول ضربة سبعون حسنة». والفأرة أبدت جوهرها بأن عمدت إلى حبال سفينة نوح عليه السلام فقطعتها.
وروى عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «يقتل المحرم الحية والعقرب والحدأة والسبع العادي والكلب العقور والفويسقة». واستيقظ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أخذت فتيلة لتحرق البيت فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتلها. والغراب أبدى جوهره حيث بعثه نبي الله نوح عليه السلام من السفينة ليأتيه بخبر الأرض فترك أمره وأقبل على جيفة. هذا كله في معنى الحية، فلذلك ذكرناه. وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في التعليل في المائدة وغيرها إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} فيه سبع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا} حذفت الألف من {اهْبِطُوا} في اللفظ لأنها ألف وصل. وحذفت الألف من {قُلْنَا} في اللفظ لسكونها وسكون الهاء بعدها.
وروى محمد بن مصفى عن أبي حيوة ضم الباء في: {اهْبِطُوا}، وهي لغة يقويها أنه غير متعد والأكثر في غير المتعدي أن يأتي على يفعل. والخطاب لآدم وحواء والحية والشيطان، في قول ابن عباس.
وقال الحسن: آدم وحواء والوسوسة.
وقال مجاهد والحسن أيضا: بنو آدم وبنو إبليس. والهبوط: النزول من فوق إلى أسفل، فأهبط آدم بسرنديب في الهند بجبل يقال له بوذا ومعه ريح الجنة فعلق بشجرها وأوديتها فامتلأ ما هناك طيبا، فمن ثم يؤتي بالطيب من ريح آدم عليه السلام. وكان السحاب يمسح رأسه فأصلع، فأورث ولده الصلع.
وفي البخاري عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا» الحديث وأخرجه مسلم وسيأتي. وأهبطت حواء بجدة وإبليس بالابلة، والحية ببيسان، وقيل: بسجستان. وسجستان أكثر بلاد الله حيات، ولولا العربد الذي يأكلها ويفني كثيرا منها لاخليت سجستان من أجل الحيات، ذكره أبو الحسن المسعودي.
الثانية: قوله تعالى: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}... {بَعْضُكُمْ} مبتدأ، {عَدُوٌّ} خبره والجملة في موضع نصب على الحال، والتقدير وهذه حالكم. وحذفت الواو من و{بَعْضُكُمْ} لان في الكلام عائدا، كما يقال: رأيتك السماء تمطر عليك. والعدو: خلاف الصديق، وهو من عدا إذا ظلم. وذيب عدوان: يعدو على الناس. والعدوان: الظلم الصراح.
وقيل: هو مأخوذ من المجاوزة، من قولك: لا يعدوك هذا الامر، أي لا يتجاوزك. وعداه إذا جاوزه، فسمي عدوا لمجاوزة الحد في مكروه صاحبه، ومنه العدو بالقدم لمجاوزة الشيء، والمعنيان متقاربان، فإن من ظلم فقد تجاوز.
قلت: وقد حمل بعض العلماء قوله تعالى: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 36] على الإنسان نفسه، وفيه بعد وإن كان صحيحا معنى. يدل عليه قوله عليه السلام: «إن العبد إذا أصبح تقول جوارحه للسانه اتق الله فينا فإنك إذا استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا». فإن قيل: كيف قال: {عدو} ولم يقل أعداء، ففيه جوابان أحدهما: أن بعضا وكلا يخبر عنهما بالواحد على اللفظ وعلى المعنى، وذلك في القرآن، قال الله تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً} [مريم: 95] على اللفظ، وقال تعالى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ} [النمل: 87] على المعنى. والجواب الآخر: أن عدوا يفرد في موضع الجمع، قال الله عز وجل: {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50] بمعنى أعداء، وقال تعالى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ} [المنافقون: 4].
وقال ابن فارس: العدو اسم جامع للواحد والاثنين والثلاثة والتأنيث، وقد يجمع.
الثالثة: لم يكن إخراج الله تعالى آدم من الجنة وإهباطه منها عقوبة له لأنه أهبطه بعد أن تاب عليه وقبل توبته وإنما أهبطه إما تأديبا وإما تغليظا للمحنة. والصحيح في إهباطه وسكناه في الأرض ما قد ظهر من الحكمة الأزلية في ذلك وهي نشر نسله فيها ليكلفهم ويمتحنهم ويرتب على ذلك ثوابهم وعقابهم الأخروي إذ الجنة والنار ليستا بدار تكليف فكانت تلك الاكلة سبب إهباطه من الجنة. ولله أن يفعل ما يشاء. وقد قال: {إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}. وهذه منقبة عظيمة وفضيلة كريمة شريفة وقد تقدمت الإشارة إليها مع أنه خلق من الأرض. وإنما قلنا إنما أهبطه بعد أن تاب عليه لقوله ثانية: {قُلْنَا اهْبِطُوا} وسيأتي.
الرابعة: قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} ابتداء وخبر، أي موضع استقرار. قاله أبو العالية وابن زيد.
وقال السدي: {مُسْتَقَرٌّ} يعني القبور.
قلت: وقول الله تعالى: {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً} [غافر: 64] يحتمل المعنيين. والله أعلم.
الخامسة: قوله تعالى: {وَمَتاعٌ} المتاع ما يستمتع به من أكل ولبس وحياة وحديث وأنس وغير ذلك، ومنه سميت متعة النكاح لأنها يتمتع بها. وأنشد سليمان بن عبد الملك حين وقف على قبر أبنه أيوب إثر دفنه:
وقفت على قبر غريب بقفرة *** متاع قليل من حبيب مفارق
السادسة: قوله تعالى: {إِلى حِينٍ} اختلف المتأولون في الحين على أقوال، فقالت فرقة إلى الموت وهذا قول من يقول: المستقر هو المقام في الدنيا.
وقيل: إلى قيام الساعة، وهذا قول من يقول: المستقر هو القبور وقال الربيع: {إِلى حِينٍ} إلى أجل والحين: الوقت البعيد فحينئذ تبعيد من قولك الآن قال خويلد:
كابي الرماد عظيم القدر جفنته *** حين الشتاء كحوض المنهل اللقف
لقف الحوض لقفا، أي تهور من أسفله واتسع. وربما أدخلوا عليه التاء قال أبو وجزة:
العاطفون تحين ما من عاطف *** والمطعمون زمان أين المطعم
والحين أيضا: المدة ومنه قوله تعالى: {هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] والحين: الساعة قال الله تعالى: {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ} [الزم 58] قال ابن عرفة: الحين القطعة من الدهر كالساعة فما فوقها. وقوله: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: 54] أي حتى تفنى آجالهم وقول تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] أي كل سنة وقيل: بل كل ستة أشهر وقيل: بل غدوة وعشيا قال الأزهري: الحين اسم كالوقت يصلح لجميع الأزمان كلها طالت أو قصرت. والمعنى أنه ينتفع بها في كل وقت ولا ينقطع نفعها البتة. قال: والحين يوم القيامة. والحين: الغدوة والعشية قال الله تعالى: {فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] ويقال: عاملته محاينة من الحين وأحينت بالمكان إذا أقمت به حينا. وحان حين كذا أي قرب. قالت بثينة:
وإن سلوّي عن جميل لساعة *** من الدهر ما حانت ولا حان حينها
السابعة: لما اختلف أهل اللسان في الحين اختلف فيه أيضا علماؤنا وغيرهم فقال الفراء: الحين حينان: حين لا يوقف على حده والحين الذي ذكر الله جل ثناؤه: {تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها} [إبراهيم: 25] ستة أشهر قال ابن العربي: الحين المجهول لا يتعلق به حكم والحين المعلوم هو الذي تتعلق به الأحكام ويرتبط به التكليف وأكثر المعلوم سنة. ومالك يرى في الأحكام والايمان أعم الأسماء والأزمنة. والشافعي يرى الأقل. وأبو حنيفة توسط فقال ستة أشهر. ولا معنى لقوله لان المقدرات عنده لا تثبت قياسا وليس فيه نص عن صاحب الشريعة وإنما المعول على المعنى بعد معرفة مقتضى اللفظ لغة فمن نذر أن يصلي حينا فيحمل على ركعة عند الشافعي لأنه أقل النافلة قياسا على ركعة الوتر.
وقال مالك وأصحابه: أقل النافلة ركعتان فيقدر الزمان بقدر الفعل وذكر ابن خويز منداد في أحكامه: أن من حلف ألا يكلم فلانا حينا أو لا يفعل كذا حينا أن الحين سنة قال: واتفقوا في الأحكام أن من حلف ألا يفعل كذا حينا أولا يكلم فلانا حينا أن الزيادة على سنة لم تدخل في يمينه.
قلت: هذا الاتفاق إنما هو في المذهب قال مالك رحمه الله: من حلف ألا يفعل شيئا إلى حين أو زمان أو دهر، فذلك كله سنة.
وقال عنه ابن وهب: إنه شك في الدهر أن يكون سنة وحكى ابن المنذر عن يعقوب وابن الحسن: أن الدهر ستة أشهر. وعن ابن عباس وأصحاب الرأي وعكرمة وسعيد بن جبير وعامر الشعبي وعبيدة في قوله تعالى. {تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها} [إبراهيم: 25] أنه ستة أشهر.
وقال الأوزاعي وأبو عبيد الحين ستة أشهر وليس عند الشافعي في الحين وقت معلوم ولا للحين غاية قد يكون الحين عنده مدة الدنيا. وقال: لانحنثه أبدا، والورع أن يقضيه قبل انقضاء يوم وقال أبو ثور وغيره الحين والزمان على ما تحتمله اللغة يقال: قد جئت من حين ولعله لم يجئ من نصف يوم. قال إلكيا الطبري الشافعي وبالجملة الحين له مصارف ولم ير الشافعي تعيين محمل من هذه المحامل لأنه مجمل لم يوضع في اللغة لمعنى معين.
وقال بعض العلماء في قول تعالى: {إِلى حِينٍ} فائدة بشارة إلى آدم عليه السلام ليعلم أنه غير باق فيها ومنتقل إلى الجنة التي وعد بالرجوع إليها وهي لغير آدم دالة على المعاد فحسب والله أعلم.


 توقيع : جوهرة بغداد



رد مع اقتباس
قديم 23 - 5 - 2020, 01:00 PM   #46



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » يوم أمس (09:59 PM)
 فترةالاقامة » 3846يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)}
قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ} فيه ثمان مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ} تلقى قيل معناه: فهم وفطن.
وقيل: قبل واخذ وكان عليه السلام يتلقى الوحى أي يستقبله ويأخذه ويتلقفه تقول: خرجنا نتلقى الحجيج أي نستقبلهم وقيل: معنى تلقى تلقن. وهذا في المعنى صحيح ولكن لا يجوز أن يكون التلقي من التلقن في الأصل لان أحد الحرفين إنما يقلب ياء إذا تجانسا مثل تظنى من تظنن وتقصى من تقصص ومثله تسريت من تسررت وأمليت من أمللت وشبه ذلك ولهذا لا يقال: تقبى من تقبل ولا تلقى من تلقن فاعلم وحكى مكي أنه ألهمها فانتفع بها وقال الحسن: قبولها تعلمه لها وعمله بها.
الثانية: واختلف أهل التأويل في الكلمات فقال ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير والضحاك ومجاهد هي قوله: {رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ} [الأعراف: 23]. وعن مجاهد أيضا: سبحانك اللهم لا إله إلا أنت ربي ظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم. وقالت طائفة: رأى مكتوبا على ساق العرش مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فتشفع بذلك فهي الكلمات وقالت طائفة: المراد بالكلمات البكاء والحياء والدعاء. وقيل الندم والاستغفار والحزن قال ابن عطية: وهذا يقتضي أن آدم عليه السلام لم يقل شيا إلا الاستغفار المعهود. وسيل بعض السلف عما ينبغي أن يقوله المذنب فقال: يقول ما قاله أبواه: {رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا} الآية وقال موسى {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: 16] وقال يونس {لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87].
وعن ابن عباس ووهب بن منبه: أن الكلمات سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم.
وقال محمد بن كعب هي قوله: لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم. لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أرحم الراحمين.
وقيل: الكلمات قوله حين عطس: الحمد لله. والكلمات جمع كلمة والكلمة تقع على القليل والكثير. وقد تقدم.
الثالثة: قوله تعالى: {فَتابَ عَلَيْهِ} أي قبل توبته، أو وفقه للتوبة. وكان ذلك في يوم عاشوراء في يوم جمعة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وتاب العبد: رجع إلى طاعة ربه وعبد تواب: كثير الرجوع إلى الطاعة واصل التوبة الرجوع يقال: تاب وثاب وآب وأناب: رجع.
الرابعة: إن قيل: لم قال: {عليه} لم يقل عليهما وحواء مشاركة له في الذنب بإجماع وقد قال: {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة: 35] و{قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا} [الأعراف: 23] فالجواب: أن آدم عليه السلام لما خوطب في أول القصة بقوله: {اسْكُنْ} خصه بالذكر في التلقي فلذلك كملت القصة بذكره وحده. وأيضا فلان المرأة حرمة ومستورة فأراد الله الستر لها ولذلك لم يذكرها في المعصية في قوله: {وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى} [طه: 121]. وأيضا لما كانت المرأة تابعة للرجل في غالب الامر لم تذكر كما لم يذكر فتى موسى مع موسى في قوله: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} [الكهف: 75].
وقيل: إنه دل بذكر التوبة عليه أنه تاب عليها إذ أمرهما سواء قاله الحسن.
وقيل: إنه مثل قوله تعالى: {وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها} [الجمعة: 11] أي التجارة لأنها كانت مقصود القوم فأعاد الضمير عليها ولم يقل إليهما والمعنى متقارب.
وقال الشاعر:
رماني بأمر كنت منه ووالدي *** بريئا ومن فوق الطوي رماني
وفي التنزيل: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] فحذف إيجازا واختصارا الخامسة: قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} وصف نفسه سبحانه وتعالى بأنه التواب وتكرر في القرآن معرفا ومنكرا واسما وفعلا. وقد يطلق على العبد أيضا تواب قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]. قال ابن العربي: ولعلمائنا في وصف الرب بأنه تواب ثلاثة أقوال أحدها: أنه يجوز في حق الرب سبحانه وتعالى فيدعى به كما في الكتاب والسنة ولا يتأول.
وقال آخرون: هو وصف حقيقي لله سبحانه وتعالى وتوبة الله على العبد رجوعه من حال المعصية إلى حال الطاعة.
وقال آخرون توبة الله على العبد قبول توبته وذلك يحتمل أن يرجع إلى قوله سبحانه وتعالى: قبلت توبتك وأن يرجع إلى خلقه الإنابة والرجوع في قلب المسيء وإجراء الطاعات على جوارحه الظاهرة.
السادسة: لا يجوز أن يقال في حق الله تعالى: تائب اسم فاعل من تاب يتوب لأنه ليس لنا أن نطلق عليه من الأسماء والصفات إلا ما أطلقه هو على نفسه أو نبيه عليه السلام أو جماعة المسلمين وإن كان في اللغة محتملا جائزا. هذا هو الصحيح في هذا الباب على ما بيناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى. قال الله تعالى: {لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ} [التوبة: 117] وقال: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ} [التوبة: 104]. وإنما قيل لله عز وجل: تواب لمبالغة الفعل وكثرة قبوله توبة عباده لكثرة من يتوب إليه.
السابعة: اعلم أنه ليس لاحد قدرة على خلق التوبة لان الله سبحانه وتعالى هو المنفرد بخلق الأعمال خلافا للمعتزلة ومن قال بقولهم. وكذلك ليس لاحد أن يقبل توبة من أسرف على نفسه ولا أن يعفو عنه. قال علماؤنا: وقد كفرت اليهود والنصارى بهذا الأصل العظيم في الدين {اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] عز وجل وجعلوا لمن أذنب أن يأتي الحبر أو الراهب فيعطيه شيئا ويحط عنه ذنوبه {افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ} [الأنعام: 140].
الثامنة: قرأ ابن كثير: {فتلقى آدم من ربه كلمات}. والباقون برفع {آدم} ونصب {كلمات}. والقراءتان ترجعان إلى معنى لان آدم إذا تلقي الكلمات فقد تلقته.
وقيل: لما كانت الكلمات هي المنقذة لآدم بتوفيق الله تعالى له لقبول إياها ودعائه بها كانت الكلمات فاعلة وكان الأصل على هذه القراءة {فتلقت آدم من ربه كلمات} ولكن لما بعد ما بين المؤنث وفعله حسن حذف علامة التأنيث. وهذا أصل يجري في كل القرآن والكلام إذا جاء فعل المؤنث بغير علامة ومنه قولهم: حضر القاضي اليوم امرأة.
وقيل: إن الكلمات لما لم يكن تأنيثه حقيقيا حمل على معنى الكلم فذكر. وقرأ الأعمش: {آدم من ربه} مدغما. وقرأ أبو نوفل بن أبي عقرب: {أنه} بفتح الهمزة على معنى لأنه وكسر الباقون على الاستئناف. وأدغم الهاء في الهاء أبو عمرو وعيسى وطلحة فيما حكى أبو حاتم عنهم.
وقيل: لا يجوز؛ لأن بينهما واوا في اللفظ لا في الخط. قال النحاس: أجاز سيبويه أن تحذف هذه الواو وأنشد:
له زجل كأنه صوت حاد *** إذا طلب الوسيقة أو زمير
فعلى هذا يجوز الإدغام وهو رفع بالابتداء {التواب} خبره والجملة خبر {إن}. ويجوز أن يكون {هو} توكيدا للهاء ويجوز أن تكون فاصلة، على ما تقدم.
وقال سعيد بن جبير لما أهبط آدم إلى الأرض لم يكن فيها شيء غير النسر في البر والحوت في البحر فكان النسر يأوي إلى الحوت فيبيت عنده فلما رأى النسر آدم قال: يا حوت لقد أهبط اليوم إلى الأرض شيء يمشى على رجليه ويبطش بيديه! فقال الحوت: لئن كنت صادقا مالى منه في البحر منجى ولا لك في البر منه مخلص!.


 توقيع : جوهرة بغداد



رد مع اقتباس
قديم 23 - 5 - 2020, 01:01 PM   #47



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » يوم أمس (09:59 PM)
 فترةالاقامة » 3846يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)}
قوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا} كرر الامر على جهة التغليظ وتأكيده، كما تقول لرجل: قم قم.
وقيل: كرر الامر لما علق بكل أمر منهما حكما غير حكم الآخر فعلق بالأول العداوة وبالثاني إتيان الهدى.
وقيل: الهبوط الأول من الجنة إلى السماء والثاني من السماء إلى الأرض. وعلى هذا يكون فيه دليل على أن الجنة في السماء السابعة كما دل عليه حديث الإسراء على ما يأتي. {جَمِيعاً} نصب على الحال.
وقال وهب بن منبه: لما هبط آدم عليه السلام إلى الأرض قال إبليس للسباع: إن هذا عدو لكم فأهلكوه فاجتمعوا وولوا أمرهم إلى الكلب.
وقالوا: أنت أشجعنا وجعلوه رئيسا فلما رأى ذلك آدم عليه السلام تحير في ذلك فجاءه جبريل عليه السلام وقال له: امسح يدك على رأس الكلب ففعل فلما رأت السباع أن الكلب ألف آدم تفرقوا. واستأمنه الكلب فأمنه آدم فبقى معه ومع أولاده.
وقال الترمذي الحكيم نحو هذا وأن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض جاء إبليس إلى السباع فأشلاهم على آدم ليؤذوه وكان أشدهم عليه الكلب فأميت فؤاده فروي في الخبر أن جبريل عليه السلام أمره أن يضع يده على رأسه فوضعها فاطمأن إليه والفة فصار ممن يحرسه ويحرس ولده ويألفهم. ويموت فؤاده يفزع من الآدميين فلو رمى بمدر ولى هاربا ثم يعود إلفا لهم. ففيه شعبة من إبليس وفيه شعبة من مسحة آدم عليه السلام فهو بشعبة إبليس ينبح ويهر ويعدو على الآدمي وبمسحة آدم مات فؤاده حتى ذل وانقاد وألف به وبولده يحرسهم ولهثه على كل أحواله من موت فؤاده ولذلك شبه الله سبحانه وتعالى العلماء السوء بالكلب على ما يأتي بيانه في الأعراف إن شاء الله تعالى. ونزلت عليه تلك العصا التي جعلها الله آية لموسى فكان يطرد بها السباع عن نفسه.
قوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} اختلف في معنى قوله: {هُدىً} فقيل: كتاب الله قاله السدي.
وقيل: التوفيق للهداية. وقالت فرقة: الهدى الرسل وهي إلى آدم من الملائكة وإلى بنيه من البشر كما جاء في حديث أبى ذر وخرجه الآجري. وفى قوله: {مِنِّي} إشارة إلى أن أفعال العباد خلق لله تعالى خلافا للقدرية وغيرهم كما تقدم وقرأ الجحدري {هدى} وهو لغة هذيل يقولون: هدي وعصي ومحيي. وأنشد النحويون لابي ذؤيب يرثي بنيه:
سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم *** فتخرموا ولكل جنب مصرع
قال النحاس: وعلة هذه اللغة عند الخليل وسيبويه أن سبيل ياء الإضافة أن يكسر ما قبلها فلما لم يجز أن تتحرك الألف أبدلت ياء وأدغمت وما في قوله: {إما} زائدة على إن التي للشرط وجواب الشرط الفاء مع الشرط الثاني في قوله: {فَمَنْ تَبِعَ}. ومن في موضع رفع بالابتداء و{تَبِعَ} في موضع جزم بالشرط. {فَلا خَوْفٌ} جوابه. قال سيبويه: الشرط الثاني وجوابه هما جواب الأول.
وقال الكسائي: {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} جواب الشرطين جميعا.
قوله تعالى: {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} الخوف هو الذعر ولا يكون إلا في المستقبل. وخاوفني فلان فخفته أي كنت أشد خوفا منه والتخوف: التنقص ومنه قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ} [النحل: 47]. وقرأ الزهري والحسن وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق ويعقوب: {فلا خوف} بفتح الفاء على التبرئة. والاختيار عند النحويين الرفع والتنوين على الابتداء لان الثاني معرفة لا يكون فيه إلا الرفع لأن لا لا تعمل في معرفة فاختاروا في الأول الرفع أيضا ليكون الكلام من وجه واحد. ويجوز أن تكون لا في قولك: فلا خوف بمعنى ليس. والحزن والحزن: ضد السرور ولا يكون إلا على ماض. وحزن الرجل بالكسر فهو حزن وحزين وأحزنه غيره وحزنه أيضا مثل أسلكه وسلكه ومحزون بنى عليه. قال اليزيدي: حزنه لغة قريش وأحزنه لغة تميم وقد قرئ بهما. واحتزن وتحزن بمعنى. والمعنى في الآية: فلا خوف عليهم فيما بين أيديهم من الآخرة ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا.
وقيل: ليس فيه دليل على نفي أهوال يوم القيامة وخوفها على المطيعين لما وصفه الله تعالى ورسوله من شدائد القيامة إلا أنه يخففه عن المطيعين وإذا صاروا إلى رحمته فكأنهم لم يخافوا. والله أعلم.


 توقيع : جوهرة بغداد



رد مع اقتباس
قديم 24 - 5 - 2020, 12:55 AM   #48



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » يوم أمس (09:59 PM)
 فترةالاقامة » 3846يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (39)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} أي أشركوا، لقوله: {وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ} الصحبة: الاقتران بالشيء في حالة ما في زمان ما فان كانت الملازمة والخلطة فهو كمال الصحبة وهكذا هي صحبة أهل النار لها. وبهذا القول ينفك الخلاف في تسمية الصحابة رضي الله عنهم إذ مراتبهم متباينة على ما نبينه في براءة إن شاء الله. وباقي ألفاظ الآية تقدم معناها والحمد لله.


 توقيع : جوهرة بغداد



رد مع اقتباس
قديم 24 - 5 - 2020, 12:56 AM   #49



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » يوم أمس (09:59 PM)
 فترةالاقامة » 3846يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)}
قوله تعالى: {يا بَنِي إِسْرائِيلَ} نداء مضاف علامة النصب فيه الياء وحذفت منه النون للإضافة.
الواحد ابن والأصل فيه بنى وقيل: بنو فمن قال: المحذوف منه واو احتج بقولهم: البنوة. وهذا لا حجة فيه لأنهم قد قالوا: الفتوة وأصله الياء.
وقال الزجاج: المحذوف منه عندي ياء كأنه من بنيت. الأخفش: اختار أن يكون المحذوف منه الواو لان حذفها أكثر لثقلها. ويقال: ابن بين البنوة والتصغير بنى. قال الفراء: يقال: يا بنى ويا بني لغتان مثل يا أبت ويا أبت وقرى بهما. وهو مشتق من البناء وهو وضع الشيء على الشيء والابن فرع للأب وهو موضوع عليه. وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. قال أبو الفرج الجوزي: وليس في الأنبياء من له اسمان غيره إلا نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن له أسماء كثيرة. ذكره في كتاب الآثار له.
قلت: وقد قيل في المسيح أنه اسم علم لعيسى عليه السلام غير مشتق وقد سماه الله روحا وكلمة، وكانوا يسمونه أبيل الابيلين ذكره الجوهري في الصحاح. وذكر البيهقي في دلائل النبوة عن الخليل بن أحمد: خمسة من الأنبياء ذوو اسمين محمد وأحمد نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعيسى والمسيح وإسرائيل ويعقوب ويونس وذو النون وإلياس وذو الكفل صلى الله عليهم وسلم.
قلت: ذكرنا أن لعيسى أربعة أسماء وأما نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فله أسماء كثيرة بيانها في مواضعها. وإسرائيل: اسم أعجمي ولذلك لم ينصرف وهو في موضع خفض بالإضافة. وفيه سبع لغات: إسرائيل وهي لغة القران وإسرائيل بمدة مهموزة مختلسة حكاها شنبوذ عن ورش. وإسرائيل بمدة بعد الياء من غير همز وهي قراءة الأعمش وعيسى بن عمر وقرأ الحسن والزهري بغير همز ولا مد. وإسرائيل بغير ياء بهمزة مكسورة. وإسراءل بهمزة مفتوحة. وتميم يقولون: إسرائين بالنون. ومعنى إسرائيل: عبد الله. قال ابن عباس: إسرا بالعبرانية هو عبد وائل هو الله.
وقيل: إسرا هو صفوة الله وائل هو الله.
وقيل: إسرا من الشد فكأن إسرائيل الذي شده الله وأتقن خلقه ذكره المهدوي وقال السهيلي سمي إسرائيل لأنه أسرى ذات ليلة حين هاجر إلى الله تعالى فسمي إسرائيل أي أسرى إلى الله ونحو هذا فيكون بعض الاسم عبرانيا وبعضه موافقا للعرب والله أعلم قوله تعالى: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} الذكر اسم مشترك، فالذكر بالقلب ضد النسيان والذكر باللسان ضد الإنصات. وذكرت الشيء بلساني وقلبي ذكرا. وأجعله منك على ذكر بضم الذال أي لا تنسه قال الكسائي: ما كان بالضمير فهو مضموم الذال وما كان باللسان فهو مكسور الذال.
وقال غيره: هما لغتان يقال: ذكر وذكر، ومعناهما واحد. والذكر بفتح الذال خلاف الأنثى والذكر أيضا الشرف ومنه قوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف 44]. قال ابن الأنباري: والمعنى في الآية اذكروا شكر نعمتي فحذف الشكر اكتفاء بذكر النعمة وقيل: إنه أراد الذكر بالقلب وهو المطلوب أي لا تغفلوا عن نعمتي التي أنعمت عليكم ولا تناسوها وهو حسن. والنعمة هنا اسم جنس فهي مفردة بمعنى الجمع قال الله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها} [إبراهيم: 34] أي نعمه. ومن نعمه عليهم أن أنجاهم من آل فرعون وجعل منهم أنبياء وأنزل عليهم الكتب والمن والسلوى وفجر لهم من الحجر الماء إلى ما أستودعهم من التوراة التي فيها صفة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونعته ورسالته. والنعم على الآباء نعم على الأبناء لأنهم يشرفون بشرف آبائهم. تنبيه- قال أرباب المعاني: ربط سبحانه وتعالى بني إسرائيل بذكر النعمة وأسقطه عن أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعاهم إلى ذكره فقال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة 152] ليكون نظر الأمم من النعمة إلى المنعم ونظر أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المنعم إلى النعمة.
قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أمر وجوابه. وقرأ الزهري {أوف} بفتح الواو وشد الفاء للتكثير. واختلف في هذا العهد ما هو فقال الحسن عهده قوله: {خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة: 63] وقوله: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً} [المائدة: 12]. وقيل هو قوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187].
وقال الزجاج: {أَوْفُوا بِعَهْدِي} الذي عهدت إليكم في التوراة من اتباع محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} بما ضمنت لكم على ذلك إن أوفيتم به فلكم الجنة.
وقيل: {أَوْفُوا بِعَهْدِي} في أداء الفرائض على السنة والإخلاص {أُوفِ} بقبولها منكم ومجاراتكم عليها.
وقال بعضهم: {أَوْفُوا بِعَهْدِي} في العبادات {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أي أوصلكم إلى منازل الرعايات. وقيل {أَوْفُوا بِعَهْدِي} في حفظ آداب الظواهر {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} بتزيين سرائركم وقيل: هو عام في جميع أوامره ونواهيه ووصاياه فيدخل في ذلك ذكر محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي في التوراة وغيره. هذا قول الجمهور من العلماء وهو الصحيح. وعهده سبحانه وتعالى هو أن يدخلهم الجنة.
قلت: وما طلب من هؤلاء من الوفاء بالعهد هو مطلوب منا قال الله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] {أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} [النحل: 91]، وهو كثير. وفأوهم بعهد الله أمارة لوفاء الله تعالى لهم لا علة له بل ذلك تفضل منه عليهم.
قوله تعالى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} أي خافون. والرهب والرهب والرهبة الخوف. ويتضمن الامر به معنى التهديد. وسقطت الياء بعد النون لأنها رأس أية. وقرأ ابن أبي إسحاق {فارهبوني} بالياء وكذا {فاتقوني} على الأصل. {وَإِيَّايَ} منصوب بإضمار فعل وكذا الاختيار في الامر والنهي والاستفهام التقدير: وإياي ارهبوا فارهبون. ويجوز في الكلام وأنا فارهبون على الابتداء والخبر. وكون {فَارْهَبُونِ} الخبر على تقدير الحذف المعنى وأنا ربكم فارهبون.


 توقيع : جوهرة بغداد



رد مع اقتباس
قديم 24 - 5 - 2020, 12:56 AM   #50



 عضويتي » 4134
 جيت فيذا » 13 - 6 - 2014
 آخر حضور » يوم أمس (09:59 PM)
 فترةالاقامة » 3846يوم
مواضيعي » 415
الردود » 8725
عدد المشاركات » 9,140
نقاط التقييم » 192
 ابحث عن » مواضيعي ردودي
تلقيت إعجاب » 0
الاعجابات المرسلة » 0
 المستوى » $63 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
 حاليآ في » العراق
دولتي الحبيبه » دولتى الحبيبهIraq
جنسي  »  Female
العمر  » 30 سنة
الحالة الاجتماعية  » مرتبطه
مشروبى المفضل  » مشروبى المفضل cola
الشوكولاته المفضله  » الشوكولاته المفضله baunty
قناتك المفضلة  » قناتك المفضلةrotana
ناديك المفضل  » ناديك المفضلshabab
سيارتي المفضله  » سيارتي المفضله
 
الوصول السريع

عرض البوم صور جوهرة بغداد عرض مجموعات جوهرة بغداد عرض أوسمة جوهرة بغداد

عرض الملف الشخصي لـ جوهرة بغداد إرسال رسالة زائر لـ جوهرة بغداد جميع مواضيع جوهرة بغداد

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop CS3 My Camera: Sony

sms ~
عمر المسافة ماتعيق المحبين
ويبقى الغلا والشوق ولوهم بعيدين


 
الاوسمه الحاصل عليها
 
وسام  
/ قيمة النقطة: 70
وسام  
/ قيمة النقطة: 1
مجموع الأوسمة: 2...) (المزيد»

مجموع الأوسمة: 2

جوهرة بغداد غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم للقرطبي البقرة



{يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)}
قوله تعالى: {يا بَنِي إِسْرائِيلَ} نداء مضاف علامة النصب فيه الياء وحذفت منه النون للإضافة.
الواحد ابن والأصل فيه بنى وقيل: بنو فمن قال: المحذوف منه واو احتج بقولهم: البنوة. وهذا لا حجة فيه لأنهم قد قالوا: الفتوة وأصله الياء.
وقال الزجاج: المحذوف منه عندي ياء كأنه من بنيت. الأخفش: اختار أن يكون المحذوف منه الواو لان حذفها أكثر لثقلها. ويقال: ابن بين البنوة والتصغير بنى. قال الفراء: يقال: يا بنى ويا بني لغتان مثل يا أبت ويا أبت وقرى بهما. وهو مشتق من البناء وهو وضع الشيء على الشيء والابن فرع للأب وهو موضوع عليه. وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. قال أبو الفرج الجوزي: وليس في الأنبياء من له اسمان غيره إلا نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن له أسماء كثيرة. ذكره في كتاب الآثار له.
قلت: وقد قيل في المسيح أنه اسم علم لعيسى عليه السلام غير مشتق وقد سماه الله روحا وكلمة، وكانوا يسمونه أبيل الابيلين ذكره الجوهري في الصحاح. وذكر البيهقي في دلائل النبوة عن الخليل بن أحمد: خمسة من الأنبياء ذوو اسمين محمد وأحمد نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعيسى والمسيح وإسرائيل ويعقوب ويونس وذو النون وإلياس وذو الكفل صلى الله عليهم وسلم.
قلت: ذكرنا أن لعيسى أربعة أسماء وأما نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فله أسماء كثيرة بيانها في مواضعها. وإسرائيل: اسم أعجمي ولذلك لم ينصرف وهو في موضع خفض بالإضافة. وفيه سبع لغات: إسرائيل وهي لغة القران وإسرائيل بمدة مهموزة مختلسة حكاها شنبوذ عن ورش. وإسرائيل بمدة بعد الياء من غير همز وهي قراءة الأعمش وعيسى بن عمر وقرأ الحسن والزهري بغير همز ولا مد. وإسرائيل بغير ياء بهمزة مكسورة. وإسراءل بهمزة مفتوحة. وتميم يقولون: إسرائين بالنون. ومعنى إسرائيل: عبد الله. قال ابن عباس: إسرا بالعبرانية هو عبد وائل هو الله.
وقيل: إسرا هو صفوة الله وائل هو الله.
وقيل: إسرا من الشد فكأن إسرائيل الذي شده الله وأتقن خلقه ذكره المهدوي وقال السهيلي سمي إسرائيل لأنه أسرى ذات ليلة حين هاجر إلى الله تعالى فسمي إسرائيل أي أسرى إلى الله ونحو هذا فيكون بعض الاسم عبرانيا وبعضه موافقا للعرب والله أعلم قوله تعالى: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} الذكر اسم مشترك، فالذكر بالقلب ضد النسيان والذكر باللسان ضد الإنصات. وذكرت الشيء بلساني وقلبي ذكرا. وأجعله منك على ذكر بضم الذال أي لا تنسه قال الكسائي: ما كان بالضمير فهو مضموم الذال وما كان باللسان فهو مكسور الذال.
وقال غيره: هما لغتان يقال: ذكر وذكر، ومعناهما واحد. والذكر بفتح الذال خلاف الأنثى والذكر أيضا الشرف ومنه قوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف 44]. قال ابن الأنباري: والمعنى في الآية اذكروا شكر نعمتي فحذف الشكر اكتفاء بذكر النعمة وقيل: إنه أراد الذكر بالقلب وهو المطلوب أي لا تغفلوا عن نعمتي التي أنعمت عليكم ولا تناسوها وهو حسن. والنعمة هنا اسم جنس فهي مفردة بمعنى الجمع قال الله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها} [إبراهيم: 34] أي نعمه. ومن نعمه عليهم أن أنجاهم من آل فرعون وجعل منهم أنبياء وأنزل عليهم الكتب والمن والسلوى وفجر لهم من الحجر الماء إلى ما أستودعهم من التوراة التي فيها صفة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونعته ورسالته. والنعم على الآباء نعم على الأبناء لأنهم يشرفون بشرف آبائهم. تنبيه- قال أرباب المعاني: ربط سبحانه وتعالى بني إسرائيل بذكر النعمة وأسقطه عن أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعاهم إلى ذكره فقال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة 152] ليكون نظر الأمم من النعمة إلى المنعم ونظر أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المنعم إلى النعمة.
قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أمر وجوابه. وقرأ الزهري {أوف} بفتح الواو وشد الفاء للتكثير. واختلف في هذا العهد ما هو فقال الحسن عهده قوله: {خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة: 63] وقوله: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً} [المائدة: 12]. وقيل هو قوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187].
وقال الزجاج: {أَوْفُوا بِعَهْدِي} الذي عهدت إليكم في التوراة من اتباع محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} بما ضمنت لكم على ذلك إن أوفيتم به فلكم الجنة.
وقيل: {أَوْفُوا بِعَهْدِي} في أداء الفرائض على السنة والإخلاص {أُوفِ} بقبولها منكم ومجاراتكم عليها.
وقال بعضهم: {أَوْفُوا بِعَهْدِي} في العبادات {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أي أوصلكم إلى منازل الرعايات. وقيل {أَوْفُوا بِعَهْدِي} في حفظ آداب الظواهر {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} بتزيين سرائركم وقيل: هو عام في جميع أوامره ونواهيه ووصاياه فيدخل في ذلك ذكر محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي في التوراة وغيره. هذا قول الجمهور من العلماء وهو الصحيح. وعهده سبحانه وتعالى هو أن يدخلهم الجنة.
قلت: وما طلب من هؤلاء من الوفاء بالعهد هو مطلوب منا قال الله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] {أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} [النحل: 91]، وهو كثير. وفأوهم بعهد الله أمارة لوفاء الله تعالى لهم لا علة له بل ذلك تفضل منه عليهم.
قوله تعالى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} أي خافون. والرهب والرهب والرهبة الخوف. ويتضمن الامر به معنى التهديد. وسقطت الياء بعد النون لأنها رأس أية. وقرأ ابن أبي إسحاق {فارهبوني} بالياء وكذا {فاتقوني} على الأصل. {وَإِيَّايَ} منصوب بإضمار فعل وكذا الاختيار في الامر والنهي والاستفهام التقدير: وإياي ارهبوا فارهبون. ويجوز في الكلام وأنا فارهبون على الابتداء والخبر. وكون {فَارْهَبُونِ} الخبر على تقدير الحذف المعنى وأنا ربكم فارهبون.


 توقيع : جوهرة بغداد



رد مع اقتباس
إنشاء موضوع جديد  إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
للقرطبي:البقرة, الكريــم, القـرن, تفسير

جديد منتدى همس القرآن الكريم

تفسير القر ن الكريم للقرطبي البقرة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الأعضاء الذين قاموا بتقييم هذا الموضوع : 0
لم يقوم أحد بتقييم هذا الموضوع


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه لموضوع: تفسير القر ن الكريم للقرطبي البقرة لموضوع: تفسير القر ن الكريم للقرطبي البقرة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سلسلة التعريف بسور القران الكريم/سورة البقرة ناطق العبيدي همس القرآن الكريم 2 17 - 2 - 2024 08:17 PM
سور القر ن الكريم الــســاهر همس القرآن الكريم 5 9 - 11 - 2023 07:58 PM
تفسير سورة البقرة د محمد راتب النابلسي التائب إلى الله همس القرآن الكريم 5 3 - 4 - 2019 07:52 AM
تفسير ية الكرسى - الاية رقم 255 من سورة البقرة همس الشوق نفحات اسلاميه 9 9 - 10 - 2013 05:48 AM
تفسير القر ن بالاشارة جروح الم همس ذوي الإحتياجات الخاصة 4 6 - 5 - 2013 10:47 AM

Google Pagerank mérés, keresőoptimalizálás

 

{ إلا صلاتي   )
   
||

الساعة الآن 06:52 PM



شبكة همس الشوق ترحب بكل العرب

SEO by vBSEO