الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتديَ لولا أن هدانا، ونشكره على ما منَّ به علينا
من سائر النعم وأولانا، وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
وخيرته من خلقه، وحجته على عباده، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، وحجة على
المعاندين، وحسرة على الكافرين، صلى
الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
من أخلاق
النبي صلى
الله عليه وسلم الرفق:
لا زال الحديث موصولًا مع حضراتكم في بستان أخلاق
النبي صلى
الله عليه وسلم
ونتوقف اليوم مع خلق الرفق. فقد أوصى الإسلام بالرفق وحث عليه؛ قال تعالى: ï´؟ فَبِمَا رَحْمَةٍ
مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ
وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ï´¾ [آل عمران: 159].
بالرفق يُنال الخير:
عن جرير رضي
الله عنه عن
النبي صلى
الله عليه وسلم قال:
((من يُحرم الرفق يحرم الخير))؛ [مسلم].
حظ الإنسان من الخير هو بمقدار حظه من الرفق:
عن أبي الدرداء رضي
الله عنه عن
النبي صلى
الله عليه وسلم قال:
((من أُعطي حظه من الرفق، فقد أعطي حظه من الخير، ومن حُرم حظه من الرفق
حُرم حظه من الخير))؛ [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].
الرفق يزين الأشياء:
عن عائشة رضي
الله عنها عن
النبي صلى
الله عليه وسلم قال: ((إن الرفق لا يكون
في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه))؛ [رواه مسلم].
وعن عائشة رضي
الله عنها أيضًا: ((أن يهودَ أتَوا
النبي صلى
الله عليه وسلم، فقالوا: السامُ عليكم
فقالت عائشة: عليكم، ولعنكم الله، وغضِب
الله عليكم، قال: مهلًا يا عائشة، عليكِ بالرفق وإياكِ
والعنف والفحش، قالت: أَوَلم تسمع ما قالوا؟ قال: أَوَلم تسمعي ما قلتُ؟رددتُ عليهم
فيُستجاب لي فيهم، ولا يُستجاب لهم فيَّ))؛ [رواه البخاري].
وكان
النبي صلى
الله عليه وسلم رفيقًا هينًا لينًا سهلًا في تعامله وفي أقواله وأفعاله
وكان يحب الرفق، ويحث الناس على الرفق، ويرغِّبهم فيه.
كان صلى
الله عليه وسلم رفيقًا بنسائه:
فعن أنس: ((أن
النبي صلى
الله عليه وسلم أتى على أزواجه وسوَّاق يسوق بهن
يقال له: أَنْجَشة - وكان يحدو للإبل ببعض الشعر حتى تسرعَ على حدائه - فقال له النبي:
ويحك يا أنجشة، رويدًا سوقَك القوارير))؛ [البخاري].
كما أنه صلى
الله عليه وسلم كان يرفق بالأطفال:
فعن أسامة بن زيد رضي
الله عنهما قال: ((كان رسول
الله صلى
الله عليه وسلم
يأخذني فيُقعدني على فَخِذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى، ثم يضمهما، ثم يقول:
اللهم ارحمهما، فإني أرحمهما))؛ [رواه البخاري].
وكان صلى
الله عليه وسلم رفيقًا بالضعفاء والمرضى:
عن أبي هريرة رضي
الله عنه أن رسول
الله صلى
الله عليه وسلم قال:
((إذا صلى أحدكم للناس فليخفف؛ فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى
أحدكم لنفسه فليطوِّلْ ما شاء))؛ [البخاري واللفظ له، ومسلم].
وعن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي
الله عنه أن
النبي صلى
الله عليه وسلم قال له:
((أُمَّ قومك، قال: قلت: يا رسول الله، إني أجد في نفسي شيئًا، قال: ادْنُهْ، فجلَّسني بين يديه ثم
وضع كفه في صدري بين ثدييَّ، ثم قال: تحول، فوضعها في ظهري بين كتفي، ثم قال: أُمَّ قومك
فمن أَمَّ قومًا فليخفف؛ فإن منهم الكبير، وإن فيهم المريض، وإن فيهم الضعيف، وإن فيهم
ذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم وحده فليصلِّ كيف شاء))؛ [مسلم].
كان صلى
الله عليه وسلم رفيقًا بقومه رغم أذيتهم له:
فعن عروة أن عائشة رضي
الله عنها زوج
النبي صلى
الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي صلى
الله عليه وسلم:
((هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ من يوم أحد، قال: لقد لقيتُ من قومكِ ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم
العقبة؛ إذ عرضتُ نفسي على ابن عبديالِيلَ بن عبدكُلال فلم يجبني إلى ما أردتُ، فانطلقتُ وأنا مهموم
على وجهي، فلم أستفِقْ إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرت فإذا فيها
جبريل فناداني فقال: إن
الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك مَلَكَ الجبال لتأمره بما شئت
فيهم، فناداني ملك الجبال فسلَّم عليَّ ثم قال: يا محمد، فقال ذلك فيما شئت، إن شئتَ أن أُطبقَ عليهم الأخشبين؟
فقال
النبي صلى
الله عليه وسلم: بل أرجو أن يُخرج
الله من أصلابهم من يعبد
الله وحده لا يشرك
به شيئًا))؛ [رواه البخاري ومسلم].
وكان صلى
الله عليه وسلم رفيقًا في تعليمه للجاهل:
فعن أنس بن مالك رضي
الله عنه قال: ((بينما نحن في المسجد مع رسول
الله صلى
الله عليه وسلم
إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول
الله صلى
الله عليه وسلم: مَهْ مَهْ، قال: قال رسول
الله صلى
الله عليه وسلم: لا تُزرموه دعوه، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول
الله صلى
الله عليه وسلم دعاه، فقال له:
إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القَذَرِ، إنما هي لذكر
الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن
قال: فأمر رجلًا من القوم فجاء بدلٍو من ماء فشنَّه عليه))؛ [رواه مسلم].
وعن معاوية بن الحكم السلمي قال: ((بينا أنا أصلي مع رسول
الله صلى
الله عليه وسلم إذ عطس
رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثُكلَ أُمِّياهْ، ما شأنكم تنظرون إليَّ
فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمِّتونني، لكني سكتُ، فلما صلى رسول الله
صلى
الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي ما رأيتُ معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما كَهَرني
ولا ضربني ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح
والتكبير وقراءة القرآن))؛ [مسلم].
وكان صلى
الله عليه وسلم يبين للناس توضيح الأمور بالرفق:
ومن ذلك الشاب الذي طلب منه أن يأذن له بالزنا؛ فعن أبي أمامة قال:
((إن فتًى شابًّا أتى
النبي صلى
الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم
عليه فزجروه
وقالوا: مَهْ مَهْ، فقال: ادْنُه، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني
الله فداءك، قال:
ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول
الله جعلني
الله فداءك، قال: ولا الناس
يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني
الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم
قال: :أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني
الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال:أفتحبه لخالتك؟
قال: لا والله جعلني
الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه
وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه، فلم يكن بعدُ ذلك الفتى يلتفت إلى شيء))؛ [رواه أحمد].
جعلنا
الله وإياكم من أهل الرفق.
محمد عبد اللطيف مناع